المدن في عين الحلوة: خوف من شطب المخيم.. والقضية

قال ساكن المخيم السبعيني: \
قال ساكن المخيم السبعيني: \"ما بدنا نطالب بأمن وأمان، بدنا بس ييجي يوم القيامة اليوم قبل بكرا\" (المدن)


حين وصل إلى بيروت عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والمشرف على الساحة اللبنانية في الحركة، عزام الأحمد، كانت "المدن" تجول في مخيم عين الحلوة، تستطلع الدمار والآراء، وتتحسس الخوف على المصير، في وجوه تخلو من ابتسامة، ولو من باب المجاملة، وشوارع بمعظمها بلا حركة، معلنة موتها بيأس ثقيل على لسان سبعيني "ما بدنا نطالب بأمن وأمان، بدنا بس ييجي يوم القيامة اليوم قبل بكرا".


حديث الهجرة

مسؤولون قابلناهم اعتبروا أن زيارة الأحمد تأتي في إطار تثبيت وقف إطلاق النار، والعمل على تطبيق ما اتفقت عليه هيئة العمل الفلسطيني المشترك. أما شعبياً، فمعظم من التقيناهم تجنبوا الخوض في تقييم الزيارة، أو حتى التطرق إلى أي معنى سياسي لها.

حين زارت "المدن" مخيم عين الحلوة عام 2019، في ذروة الاحتجاجات ضد قرارات وزير العمل الخاصة بإجازة العمل للفلسطينيين، كان هناك في المخيم لغة مشتركة، حديث حول المستقبل، التغني بـ"وحدة الموقف الفلسطيني"، اليوم يعود حديث الهجرة ليحتل الحيز العام، ومعه كلمات "المؤامرة" و"إنهاء المخيمات" التي تتكرر على لسان المسؤولين والناس، بما تستبطن من عجز واستسلام تامّين.

محمود السعدي متكئاً على عكاز، يقول إنه رفض الهجرة من لبنان عندما كان شاباً، أما اليوم فيسعى إليها وقد بلغ السابعة والستين من عمره. يضيف أنه أخبر زوجته "إذا استطعنا أن نبيع البيت ونسافر، يجب أن نفعل"، مردداً ما قاله كثيرون إنه لأول مرة يصل الصدام بالمخيم إلى هذا الاتساع، أمام عجز الوسطاء عن فعل شيء. وما دفعه إلى هذا الخيار، وقوع بيته على "خطوط التماس المستجدة" في حي حطين. يتوقف عن الكلام، ليمسح دمعة تعكس الشعور العام بالضعف.


لجان الأحياء

نكمل الطريق إلى "الحسبة" أو سوق الخضار في المخيم، الذي يبين مدخله الشرقي أنه قد استعاد جزءاً من عافيته وحيويته. لكن الصورة تبدو موهومة، حين الغوص في التفاصيل. فلا بائع يروّج لبضاعته بصوت عالٍ، فيهب للسوق روحه، ولا مفاصلة بالأسعار بين زبون وتاجر، يعرض كل طرف مهاراته، تنتهي بإعلان التاجر هزيمته الماكرة.

كلما توغلنا غرباً بسوق "الحسبة"، قلّت المتاجر الفاتحة أبوابها، وتكدّست النفايات. يشير مرافقي إلى التوقف، فنحن نقترب أكثر من حي الصفصاف، معقل عصبة الأنصار، الذي تعرّض لقصف وإطلاق نار عنيف خلال المعارك الأخيرة. فنحرف باتجاه حي المنشية، الذي بدا هادئاً تماماً، وشبه خالٍ من السكان. التقينا هناك بعضو لجنة الحي محمد الحلبي، فأشار إلى أن غالبية الأهالي بقوا في بيوتهم خلال المعارك، لكنهم يفضلون عدم مغادرتها "فالناس ما زالت متخوفة من انفلات الوضع الأمني مجدداً". وينوّه بأن لجنة الحي استطاعت أن تنأى به عن المعارك التي دارت، رغم أن حي المنشية ملاصق لحي الصفصاف.

ويشرح الدور الذي تلعبه لجان الأحياء التي تأسست منذ عقود. فهي تضم حوالى 150 ناشطاً مدنياً، وتلعب دوراً محورياً أثناء المعارك من خلال اتصالاتها، وفي تثبيت الهدن، وفي كثير من الأحيان تفرض وقف إطلاق النار من خلال التجمعات الشعبية الفاصلة بين الأطراف. وهو ما يؤكده أيضاً الناشط في لجنة حي حطين وليد حوراني، الذي دعا إلى ضرورة حماية الطاقم الطبي خلال المعارك، وفي كل الظروف.


منير المقدح: شطب المخيمات

نكمل المسير نحو حي الصفصاف، نعبر الطريق خلف ساتر ممزق أو "شادر"، حتى لا يطال العابرين الرصاصُ الآتي من حي البركسات. لكن نرجع بسرعة، فحي الصفصاف يبدو ساحة حرب حقيقية لكثرة ما أصابه من قذائف ورصاص، وآلة التصوير جعلتنا موضع شبهة، ومحط أسئلة. عدنا إلى "حي المنشية" والتقينا هناك القيادي البارز في حركة فتح اللواء منير المقدح.

يرى المقدح أن ما جرى من اغتيال أبو أشرف العرموشي، وما سبقه من اغتيالات، هو جريمة كبرى، ويتساوق مع مشروع كبير يهدف إلى إزالة مخيم عين الحلوة ومخيمي الرشيدية والبداوي أيضاً. ويؤكد أن هذا ليس تخميناً "بل يستند إلى معطيات قديمة، عادت إلى الظهور مجدداً على شكل معلومات من مصادر عديدة، وليس فقط تحليلات". ويربط ذلك كله بمحاولة شطب قضية اللاجئين، وما يجري بالضفة من استهداف المخيمات. يضيف أن استهداف مخيمات لبنان له أيضاً بعد إقليمي، حيث هناك قناعة إسرائيلية بأن الدعم اللوجستي لمخيمات الضفة يأتي من مخيمات لبنان.

ويرى أن التصدي لذلك يكون بوحدة الموقف الفلسطيني، والسير بالتوافقات التي أجمعت عليها الفصائل الفلسطينية، والوصول للقتلة، وما تقوم به لجنة التحقيق حتى الآن يشير إلى الجدية وفق قوله. حيث يقول إن هذه اللجنة بدأت بجمع الأدلة، وحركة فتح أبرزت عدة أسماء قالت إنهم شاركوا بالجريمة، وهناك تسجيلات التقطتها آلات المراقبة تخضع للتحليل، آملاً بالوصول إلى نتائج قريبة، منوهاً بمستوى التنسيق الفلسطيني اللبناني.


عام 2019 كنا في "المدن" بقاعة حطين الاجتماعية لتغطية إعلامية للقاء موسع بحث سبل مواجهة قرار وزير العمل. القاعة نفسها تعرضت اليوم لأضرار كبيرة، نتيجة موقعها على خطوط تماس فاصلة بين "الأمن الوطني" وجماعات إسلامية، ومقابلها يقف جدار عين الحلوة الذي يفصل المخيم عن العالم، صامتاً، وربما شامتاً، لأن دخان المعارك الداخلية القريبة حجب رؤيته.

عودة إلى الصفحة الرئيسية



تعليقات: