النقيب عارف ياسين
في مطلع عام 2022، استحقّ استثمار بـ5 ملايين دولار أجرته نقابة المهندسين قبل عشر سنوات لشراء صكوك ائتمانيّة قابلة للتحويل لمصلحة بنك «بيبلوس». حتى الآن، لم تستعد النقابة رأسمالها وفوائده المقدّرة بنحو مليون دولار، بل تتخبّط في توصيف هذه الأموال التي تفترض أنها «فريش» وتتأنّى في مجابهة المصرف الذي «استغباها»
استثمار نقابة المهندسين عام 2012 مبلغ 5 ملايين دولار في الخارج عبر «بنك بيلوس» يكاد يلخّص أداء المصارف في «استغباء» زبائنها واستغلالهم و«تشغيلهم» ثم سرقتهم. الفرق الوحيد أنّ «الزبون»، هنا، من «النخبة» وليس مودعاً عادياً!
في النصف الثاني من عام 2012، أطلق «بنك بيبلوس» بالتعاون مع The Bank of New York Mellon منتجاً استثمارياً اسمه (Convertible Fiduciary Notes) بهدف جمع مبلغ 300 مليون دولار لتمويل دين مرؤوس من المصرف الأجنبي للمصرف اللبناني. منتج كهذا، يفترض أنه موجّه للمجموعات التي تتقن الأمور المالية، والتي اطّلعت على التقديم الذي قدّمه بنك بيبلوس للمستثمرين المحتملين. مع ذلك، تبيّن أن نقابة المهندسين لم تُدقّق أو تعاين بشكل محترف، المنتج المالي الذي استثمرت فيه وما يعنيه لجهة القابلية للتحويل والدين المرؤوس، بل اعتمدته بوصفه منتجاً «شبه مضمون» ويسهم في توزيع مخاطر استثماراتها. حقوق التحويل من صكوك إلى أسهم يملكها بنك بيبلوس، وبما أن المبلغ الذي سيجمعه المصرف الأجنبي هو دين مرؤوس للمصرف اللبناني، فإن وجود المصرف الأجنبي في هذه المعادلة لم يكن سوى لزوم الدعاية، إذ إن المنتج يخضع للقانون اللبناني ولتعاميم مصرف لبنان.
هكذا، وُضعت الملايين الخمسة من مدّخرات المهندسين في استثمار يعود بالأرباح إلى «بيبلوس» على قاعدة «نازل واكل وطالع واكل». وهذا لم يكن هو «الضرب» الاستثماري الأول الذي «تأكله» النقابة وتبدي فيه جهلاً استثمارياً، إذ سبقه قبل سنواتٍ مشروع الأملاك التي اشترتها من دون أن تنتفع منها في أي مشاريع تقي المهندسين شرّ رفع اشتراكاتهم وتأمينهم الصحي كما يحصل اليوم.
«الطاقم القديم» يدافع عن الاستثمار باعتبار أن النقابة اختارت استثماراً آمناً للحفاظ على رأسمالها مقابل نسبة أقل من الفوائد، وذلك بعد خسارة استثماراتها في شركة الاتصالات الأفريقيّة في عهد النقيب السابق خالد شهاب. وبالتالي، «لم يكن جهلاً استثمارياً بقدر ما كان سقوطاً في فخّ الاحتيال الذي نصبه المصرف». ويلفت هؤلاء إلى إغراءات قُدّمت تشجيعاً للمشاركة في هذا الاستثمار وصلت إلى حدّ إعادة الأموال عبر أسهم بسعر محدّد بـ 2.6 دولار، علماً أنّ سعر السهم في حينه لم يكن يتعدّى 1.6 دولار، أي بمعدّل أكثر أرباحاً يفوق الـ35%. ولكن تبيّن في العقد الذي يتضمّن 293 صفحة لوصف الاستثمار، أن «بيبلوس» انتهج السياسة نفسها لجميع المؤسّسات المالية التي تحمي مصالحها أولاً على حساب زبائنها، إذ جيّر الحقوق الأساسيّة عند استحقاق هذا الإصدار لنفسه. أما الفضيحة الكبرى فهي أن النقابة لا تحتفظ بنسخة من العقد، بل باتفاق مع المصرف مؤلّف من 15 صفحة يمرّ مرور الكرام على العقد الأساسي. أما المفارقة فهي أن العقد المؤلّف من 293 صفحة (أو التسويق للمنتج الذي يُعدّ واحداً لا يتجزأ من العقد) منشور على الموقع الإلكتروني لـ«بيبلوس».
ولأنّ مقولة «القانون لا يحمي المغفّلين» تنطبق في هذه الحال، استمر «بيبلوس» في «التحاذق» على النقابة، وقدّم إليها عام 2020، أي قبل عامين من انتهاء مدة الاستثمار، ثلاثة عروض:
- تحويل الـConvertible bonds المتعلّقة بالأسهم إلى بوندز عادية محلية لغاية 2030، مع دفع كلّ الفوائد المترتّبة على المصرف والإبقاء على فائدة 6.5% بالدولار الأميركي كل 3 أشهر (علماً أنّ هذه الفوائد تخضع للضرائب).
- تحويل البوندز إلى وديعة عاديّة محليّة مع دفع الفوائد، وهي ضئيلة جداً.
- الإبقاء على الوضع الحالي كما هو لغاية 2022.
وإذا كان «بيبلوس» قد قدّم فعلياً اقتراحين فيما كان يتقصّد عدم دفع الفوائد في حينه، قرّر مجلس النقابة برئاسة النقيب السابق جاد ثابت إبقاء الوضع كما هو عليه، وتكليف مكتب شركة «KPMG» للتدقيق المالي درس الاستثمار ورفع تقريرها إلى المجلس. غير أن الشركة ردّت بأن هذا الأمر لا يقع ضمن اختصاصها لأنّ على المجلس أن يقرّر استرجاع الصكوك أو إبقاءها في الخارج. لكن ما لم يدركه أعضاء المجلس هو سبب العرض الذي قدّمه المصرف قبل استحقاق الاستثمار بعامين، وهنا بيت القصيد، إذ تزامن العرض مع تعميم مصرف لبنان في حينه بزيادة رساميل المصارف، وقد استعان «بيبلوس» بالاستثمارات الخارجية، ومنها هذا الاستثمار، لزيادة رأسماله 20%. وبالتالي، قد يبرّر المصرف بأنّه «قام بواجبه» عندما قدّم العروض الثلاثة إلى النقابة، إلا أنه في الواقع لم يفعل ذلك عند استحقاق الاستثمار لأنّ العقد يتيح له تحويلها إلى أسهم. النتيجة كانت خسارة نقابة المهندسين 5 ملايين دولار، هي رأسمال الاستثمار، تضاف إليها الفوائد المستحقّة بمليون دولار والفوائد التي تخلّف «بيبلوس» عن دفعها منذ عام 2019. في المقابل، لم يتعرّض المصرف لأي خسارة، بل تلقّى الأموال من المصرف الخارجي بالدولار الفريش وأعادها إلى أصحاب الاستثمار بالليرة اللبنانيّة، خصوصاً أن الشركاء في الاستكتاب لا يعلمون شيئاً عن العقد الموقّع بين «بيبلوس» وThe Bank of New York Mellon.
لا وجود للعقد الموقّع بين «بيبلوس» و«المهندسين» في مقرّ النقابة!
ومع ذلك، لا يعترف أيّ من المسؤولين في النقابة بهذه الخسارة، ولم تقدّم النقابة دعوى قانونيّة ضد «بيبلوس» بحجّة أنّ هناك ربط نزاع قضائيٍّ معه في قضيّة المدّخرات التي يحتجزها، علماً أنّ القضيتين مختلفتان. وما يثير ريبة كثير من المهندسين أنّ لكلّ مسؤول روايته المغايرة، معربين عن خشية من تواطؤ بين المصرف وبعض الإداريين في النقابة، خصوصاً أنّ هؤلاء يروّجون أنّ «الاستثمار لم يكن خارجياً، بل بقيت الأموال في لبنان»، لتبرير إعادة «بيبلوس» الأموال بالليرة اللبنانية. كما يُشيرون إلى قطبة خَفيّة بتفويض «بيبلوس» نقل الأموال بالاتفاق مع بعض المعنيين من دون موافقة مجلس النقابة، لا بل عكس قرار المجلس السابق.
ورغم انتهاء صلاحية الاستثمار السنة الماضية، إلا أنّ أياً من المسؤولين في النقابة لا يملك إجابة شافية. أمين المال علي درويش يؤكد وجود ربط نزاع قضائي مع المصرف، رافضاً إعطاء مزيد من المعلومات. فيما يقول نقيب المهندسين السابق إيلي بصيبص الذي وُقّع الاستثمار أثناء ولايته إنّه أعطى كلّ المعلومات التي في حوزته العام الماضي إلى النقيب عارف ياسين لمتابعة القضيّة.
في المقابل، يُشدّد كثير من المهندسين على أنّ المشكلة الأساسيّة في هذه القضيّة هي محاولة «لفلفتها»، مطالبين النقابة بـ«مصارحتنا: اعترفوا بالخسائر أو طالبوا المصرف بأموالنا».
تعليقات: