صراع في إقليم التفاح: على تقنين الكهرباء أم على سرقتها؟


كلما اشتدت أزمة «كهرباء الدولة»، استعر الصراع على «كهرباء الليطاني». قبل الانتخابات النيابية في 2022، لاحت فتنة طائفية في البقاع الغربي بين أهالي البلدات الموصولة بمعامل إنتاج الطاقة الكهرومائية التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وأهالي تلك غير الموصولة. وصارت «كهرباء الليطاني» التي تتوافر لأكثر من 14 ساعة يومياً، جزءاً من البرامج الانتخابية للمرشحين. سياسيون وأمنيون، ومن خلفهم بعض المعنيين في مؤسسة كهرباء لبنان المسؤولة عن توزيع كهرباء الليطاني، فرضوا تسوية اعتبروها مخرجاً لوأد الفتنة، فاقتطعوا حصة «سنية» وأخرى «مسيحية» من البلدات المجاورة لبحيرة القرعون المستحقة لكهرباء الليطاني، وحوّلوها إلى بلدات أخرى أُشركت بالشبكة لتستفيد بساعات تغذية قليلة تضاف إلى تغذية التيار الكهربائي من المعامل الحرارية. إلا أن أيّاً من هذه التسويات لم تتطرق إلى إزالة التعديات على الشبكة، ما يقلّص التغذية اليومية التي تراجعت من 20 أو 18 ساعة في اليوم إلى أقلّ من 14 ساعة، إذ إن معامل وكسارات وورشاً صناعية ومحال للقمار الإلكتروني و«البيتكوين» تسطو على «كهرباء الليطاني»، ما يزيد الحمولة على الشبكة ويتسبّب بأعطال وانقطاع.

تسويات طائفية لـ«كهرباء الليطاني» لا تشمل إزالة التعدّيات

تجربة البقاع الغربي استنسخت بين جزين وإقليم التفاح. للمرة الأولى منذ إلحاق بلداتها بالمعامل الكهرومائية في الخمسينيات من القرن الماضي، تتنازع البلدات على «كهرباء الليطاني». النزاع تحوّل من طائفي بين جزين وجبل الريحان وإقليم التفاح إلى «صراع داخل الطائفة الواحدة» بين جباع من جهة، وكل من كفرحتى وعين قانا. الاستهلاك الإضافي الذي سجّل على الشبكة وأدى إلى انقطاع الكهرباء في البلدات المستفيدة من الخط الرقم 3، فجّر «انتفاضة» عين قانا قبل يومين للمطالبة بإعادة البلدة إلى الخط الرقم 1 كما كانت منذ أكثر من عشر سنوات، قبل أن تزال لتمنح حصتها إلى البلدات الجزينية المستفيدة من الخط الرقم 1. «لماذا بقيت جباع وأزيلت عين قانا من الخط الرقم 1 الذي تتوافر عليه تغذية تصل إلى 20 ساعة يومياً؟»، تساؤل حمل طابع نظرية المؤامرة لدى بعض أهالي عين قانا. منهم من اعتبر جباع «محظيّة» لأنها قبلة سياحية، ومنهم من عزا الأمر إلى أسباب حزبية. بعض شبان عين قانا لم ينتظروا حسم السبب. بعد سلسلة اعتصامات في الأشهر الأخيرة، بادروا قبل أيام، إلى التصرف بمحطة تحويل الكهرباء وفصل بلدتهم عن شبكة الخط الرقم 3 وألحقوها بالخط الرقم 1. وبرّر هؤلاء ذلك بالتقنين القاسي الذي سجّل على الخط الرقم 3، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن محطة ضخ المياه. لكن ما حصل أن الكهرباء قطعت عن كامل البلدات المستفيدة من الخط الرقم 1 بسبب الحمولة الزائدة على الشبكة.

وعلى غرار مخرج البقاع الغربي، اقترح المعنيون تسوية تقضي بتوزيع التغذية بين الخطوط 1 و2 و3 لتصبح 14 ساعة تغذية لكل خط، من دون الالتفات إلى التعدّيات. فهل تهدف التسوية المقترحة إلى تغطية المخالفين النافذين الذين يسرقون المئات من الـ«أمبيرات» في عين قانا وجاراتها؟ في كفرحتى، مثلاً، هناك من يدير استثماراً صناعياً يستهلك يومياً ألف «أمبير»، ويدير في الوقت نفسه شبكة مولدات خاصة، فيستفيد من التقنين القاسي المفروض على الخط الرقم 3 ويسرق «كهرباء الليطاني» من البلدات المجاورة لتشغيل مولداته وتزويد المشتركين، فضلاً عن استثمارات عدة تسرق «كهرباء الليطاني»، منها كسارات ومناشر حجر ومعامل بلاستيك ومحطات تعدين، ما أدّى إلى زيادة الاستهلاك بنسبة 20 في المئة في بلدات إقليم التفاح.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: