وزير التربية الأسبق حسن منيمنة
يمكن للقارئ أو الكاتب أن يلاحظ من خلال الكتب التي تناولت عمليات الاصلاح في لبنان، في شتى المجالات، أنها التقت عند نقطة التشاؤم أو الإيجابية، وإن كان مبتغاها الكتابة عن التجارب كدروس للمستقبل. فحين أصدر الوزير الأسبق، جورج قرم كتاباً عن القطاع المالي عنونه "الفرصة الضائعة في الإصلاح المالي في لبنان". وعندما تناول الباحث أحمد بيضون الأزمة المفتوحة التي عصفت بالنظام السياسي في لبنان من 2005 إلى اليوم، عنونه "لإصلاح المردود والخراب المنشود". وهناك عشرات العناوين والمقالات الصحافية والبحثية الناحية في هذا الاتجاه، وتتناول الإدارة العامة والاعلام والمستشفيات والأمن والأملاك البحرية والعامة و... السلام.
ولا يختلف كتاب وزير التربية الأسبق، حسن منيمنة، "الإصلاح الصعب أم المستحيل: تجربتي في وزارة التربية والتعليم العالي"(الدار العربية للعلوم)، إذ يعرض الكتاب ثمرة تجربته الوزارية بما فيها من مشاريع قوانين وخطط إصلاحية خلال فترة ولايته لوزارة التربية في الجمهورية اللبنانية 2009/11/9 - 13/6/2011. بعضها أُنجر وبعضها الآخر بقي منشوداً ونائماً في إدراج الجمهورية المتعثرة...
هي فترة قصيرة نسبياً، أمضاها منيمنة في الوزارة التي يتصارع الزعماء على الاستحواذ عليها خلال تشكيل الحكومة، لكنها كنت كافية لإرساء صورة عن واقع الجمهورية اللبنانية وخرابها وترهلها وتفككها وزبائنيتها، حتى في أبسط وظيفة فيها. كما تظهر رؤية الوزير وخططه وحماسته في الاصلاح إلى درجة أن أمين عام مجلس الوزراء، الراحل سهيل البوجي، قال له يوماً من باب الإشادة والمزاح: "لقد أنهكتنا (الأمانة العامة) من كثرة مشاريع المراسيم والقوانين التي ترسلها الى مجلس الوزراء". لكن أحلام الإصلاح غالباً، بل دائماً ما تصطدم بمطبّات الزعماء وأحزاب الأمر الواقع...
قدّم المؤلف لكتابه بتعريف يقول فيه: "إن فكرة الكتاب ليست لعرض الإنجازات الشخصية، وإنما لغرض تقديم تجربة وزارية أسهمت في بلورة تصورات ورؤى لمأسسة العمل التربوي والتعليمي وتطويره، من خلال وضع استراتيجيات وخطط وبرامج، صيغت على شكل مراسيم وقوانين لتتَّخذ صفة قانونية ورسمية، كان بإمكانها لو قُيّد لها أن تُنفّذ بالكامل وتأخذ مداها الزمني الكافي، بأن تُحدث نقلة نوعية ليس في العملية التعلّمية فحسب، وإنما في إدارتها ووضع الشروط الكفيلة بتطوّرها والضوابط الضرورية التي تضع حدّاً لحالة الترهّل في المؤسسات التربوية الرسمية، وحال الفوضى والتسيّب في بعض قطاعات التعليم الخاص". ويقول إن هذا الكتاب هو ثمرة "دعوة أستجيب لها، لغرضين أساسيين، أولهما توثيق هذه التجربة كجزء من ذاكرة العمل الوزاري في وزارة التربية، وثانيهما لعرض هذه التجربة وحفظها وتقديمها مادة يمكن الاستفادة منها في المستقبل، حين تتوافر ظروف أفضل للحياة العامة في لبنان، ولفاعلية منتجة لمؤسسات الدولة". ويستنتج بأن "الإخفاق التربوي علامة تقهقر وانحطاط، كذلك فإن النجاح التربوي والتطوّر التعليمي صمام أمان للمجتمع من التحلّل والتفكّك"...
يقرّ منيمنة بأن السياسة دخلت على خط التربية، "لا لترشيد التربية، بل لتعكس موازين القوى والمصالح والمحاصصات، فضلاً عن الكيدية والشخصانية المنغرسة في نفوس أكثر الفاعلين السياسيين". فما قد يوافق عليه ويقرّه ممثّلو القوى السياسية التربويون، تعود وتنقضه "زعامة الحزب"، رغم موافقة ممثليها، وهذا ما حصل في وضع منهج كتاب التاريخ المدرسي... أو تتم عرقلة إقرار قوانين تتعارض مع مصالح تلك القوى السياسية، مثل مشاريع القوانين التي "تتعلق بتمهين التعليم والتي تفرض شروطاً ومواصفات لتعيين المعلّمين والمدرسين، وهي قوانين تتسبب بخسارة هذه القوى لصلاحياتها وقدرتها على التوظيف وتجفف تنفيعاتها"..
هذه الأمور، يقول منيمنة، عرقلت "النهوض بالعملية التربوية"، وهذه المعوقات والموانع الظاهرة والمتخفيّة، تتحكّم في مفاصل الدولة وفي كل مجريات العمل العام في لبنان. وهو أمر تسبب في إضعاف، بل في غياب كل أشكال المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وباتت الدولة ومؤسساتها ملعباً رحباً للأحزاب والمحسوبيات السياسية والمحاصصات الطائفية، "تابع وخاضع لشبكة مصالح قوى الأمر الواقع". ويصل حسن منيمنة، من خلال تجربة العام ونصف العام في وزارة التربية، إلى "أن طريق إصلاح وتطوير قطاعي التربية والتعليم في لبنان، لن يتحقق إلا من خلال ورشة إصلاح شاملة لكل مجالات الحياة العامة".
لا تحتاج وزارة التربية جهداً كبيراً لتبيان سرطان الفساد فيها، من جيوش الموظفين إلى توزيع رخص الجامعات على الزعماء، وصولاً إلى المدراس المتعثرة والوهمية ونهب الأموال، خصوصاً أموال التي الدول والجهات المانحة الأوروبية للاجئين السوريين، وتسريب اسئلة الامتحانات وسرقة اللابتوبات والترهل الإداري والوظيفي...
باختصار، ما بين زمن حسن منيمنة الوزاري، والآن، نزلت وزارة التربية في واد سحيق وعميق، تناوبت مختلف الأحزاب السلطوية على تعميق الفساد فيها، وجرى تدمير القطاع التربوي بموازاة تصدّع الاقتصاد اللبناني وانهيار الليرة الذي انعكس على كل شيء، من دون أن ننسى ظاهرة المدارس المذهبية التي تشبه معسكرات التدريب والشهادات المزورة التي أعطيت في بعض الجامعات اللبنانية الخاصة، وقد شوهت سمعة لبنان في الخارج...
أما الجامعة اللبنانية صاحبة المجد الغابر والمميز، فهي تئن تحت سلطة المحاصصة والنهب والخواء والتصحّر، وهي اليوم، عاجزة عن إصلاح صنابير المياه ودفع ثمن أعمال النظافة، وفي بعض أيامها باتت ساحة لعراضات حزبية ودينية ومليشوية، كلها وقائع تدعو إلى التشاؤم والسواد...
تعليقات: