سفير انتُدب ليحقق بمخالفات القنصل فطابت له الإقامة والارتكابات

تمسك بلال قبلان بمنصب القنصل، وهو سفير، من أجل الحفاظ على المدخول المرتفع في ديترويت (انترنت)
تمسك بلال قبلان بمنصب القنصل، وهو سفير، من أجل الحفاظ على المدخول المرتفع في ديترويت (انترنت)


يوم وصل السفير بلال قبلان إلى قنصلية لبنان العامة في ديترويت، في ولاية ميشيغان الأميركية، بغرض فتح تحقيق بمخالفات القنصل وسيم إبراهيم الذي تم استدعاؤه للإدارة المركزية، تأمّل موظفو القنصلية خيراً. اعتبروا أنها مرحلة انتقالية عنوانها "المحاسبة"، تفضي إلى تعيين قنصل أصيل، من بين عشرات القناصل الذين ينتظرون دورهم للانتقال من لبنان، والارتقاء برواتبهم من 40 دولاراً فيه، إلى بضعة آلاف الدولارات في الخارج، تعوضهم عن انخفاض رواتبهم منذ بدء الأزمة.

أحدٌ لم يدرك بأنّ المستفيد الأكبر من التحقيق بفساد ابراهيم، كان قبلان نفسه، "السفير" الذي ارتضى لنفسه البقاء مكان "قنصل" في "مهمة مفتوحة" في آب الماضي 2022.

المهمة الممددة منذ مطلع العام الحالي بهدف "تأمين مهام القنصلية"، استنفرت قناصل ومستشارين في لبنان، يطالبون بحقهم بالمدوارة في منصب قنصل، يحل فيه اليوم "سفير"، وهي ظاهرة نادرة. لكنّ التذمر بدأ يمتد للجالية اللبنانية في ميشيغان، والتي يرى قسم منها بأن قبلان، "يمدد" بدوره لنهج سلفه ابراهيم، سيما لناحية التمييز بين أبناء الجالية، عبر تحويل مركز اجتماعي - ثقافي مقرب من حركة أمل، لشبه قنصلية، تنافس القنصلية الأم!

أما الظاهرة الأغرب، فهي تغاضي وزارة الخارجية. "المدن" وتوخياً للموضوعية، أجلت لأكثر من أسبوع نشر هذا المقال بانتظار جواب رسمي من الوزارة حيال مهمة قبلان المفتوحة وأدائه في القنصلية، لكن اتصالاتنا واستفساراتنا للوزارة لم تلق رداً حتى الساعة.


التعلق بـ"المهمة"

بمهمة مفتوحة وممددة، كان المنصب مغرياً لأيّ مبعوث ديبلوماسي، إثر فارق الرواتب بين لبنان والسفارات والقنصليات في الخارج.

فمن سخرية تداعيات الانهيار اللبنانيّ، بات السفير، معلّقاً بمركز قنصل في الخارج، طالما أنّ الرواتب خارج لبنان للديبلوماسيين تتخطى 10 آلاف دولار أحياناً، وتفوق راتب السفير الذي لا يتعدى 200 دولار في لبنان.

هكذا، راتب السفير أصبح "بلا قيمة" في لبنان مقارنة براتب "المهمة" في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان، وهذا ليس ذنب قبلان، لكنه ليس ذنب القناصل المعلقة فرصهم بالالتحاق بقنصلية ديترويت مع تمديد مهمة قبلان، من دون سبب واضح!

العامل المالي الذي لا يخفى على أحد، تقاطع مع الظرف العائليّ لقبلان، مع هجرة عائلته إلى كندا. وهكذا أصبح السفير متمسكاً أكثر بالمهمة مع قربه من عائلته. وليس هذا القرب مشكلة، لكن المشكلة أنه لم يكن قريباً من أبناء الجالية بالمسافة عينها، أقلّه برأي بعض أبناء الجالية.


خلف.. على نهج السلف؟

شوائب عدة تعتري عمل قنصلية لبنان في ديترويت منذ ما قبل وصول قبلان، والصدمة لدى الجالية اليوم، هي بسير قبلان على خطى السلف -ليس في شبهات الارتكابات المالية- لكن في التمييز بين أبناء الجالية، مع تكريس يوم في الأسبوع، للعمل القنصليّ في مركز بنت جبيل الثقافي، وهو ما لا يخفيه المركز على صفحته بل يعلنه، ولو أنّ القنصلية اللبنانية لا تعلنه في تعاميمها.

والحال أنّ هذه المخالفة تعود إلى عامين للوراء. فالقنصل وسيم ابراهيم، شرّع استخدام المركز في الانتخابات النيابية 2022، لأعمال القنصلية، رغم أن المركز الذي تقام فيه مناسبات اجتماعية ودينية دورية، كان أشبه بماكينة انتخابية لحركة أمل في ميشيغان حينها.

قبلان، الذي أتى للتحقيق بنهج سلفه، وقع في فخ استكمال مخالفة ابراهيم عوض إيقافها، مع تكريس مداومته كل يوم أربعاء في مركز بنت جبيل وإجراء المعاملات القنصلية فيه، ما يعني حكما أنّ من يأتي إلى القنصلية أيام الأربعاء، لن يجد القنصل فيها.

و"الإشكالية" الأساسية وفق ما توضحها مصادر ديبلوماسية متقاطعة لـ"المدن"، هي "حظوة" فئة من الجالية بالخدمات القنصلية على حساب بقية الجالية. علما أن تركيبة الجالية في الولايات المتحدة هي نفسها تركيبة الشعب اللبناني وتعقيداته، والحساسيات بينها قائمة، ما يفرض الموازنة بينها في أدق التفاصيل حتى المناسبات الاجتماعية، فكيف بتخصيص يوم للمعاملات القنصلية لقسم من الجالية، على حساب البقيّة، تسأل المصادر.

الخطأ "فادح" بكافة أبعاده، تعلق المصادر، إذ لا ينتقل القنصل إلا بحالات جداً محددة، كخطر موت أحد أبناء الجالية وضرورة تنظيم وكالة، أو عقد وصية، أو في حال التعذر المادي للانتقال للأفراد، وكلها أسباب منتفية، فمركز بنت جبيل في ديربورن، يبعد 20 دقيقة فقط عن القنصلية.

أما الطابع السياسي-الاجتماعي للمركز، فتعلق المصادر عليه بالقول "أحلى وأحلى"، فالمفاضلة بين أبناء الجالية ولو معنوياً، تتنافى مع فكرة أن القنصل "قنصل للجالية كلها".

كما "لا يصح للقنصلية أن تنشطر لقنصليتين اثنتين"، فالانتقال لمركز آخر غير القنصلية، وتخصيص دوام فيه، يأتي على حساب قنصلية تدفع لها الدولة مصاريف تشغيلية، عدا عن تعطيل معاملات لأبناء الجالية الذين يقصدون القنصلية أيام الأربعاء.

إلا أنه، وحسب معلومات "المدن"، فالمشكلة لا تتوقف عند تغيب القنصل أيام الأربعاء عن القنصلية...


توقيع بغياب القنصل!

بتاريخ أيلول 2019، باتت قنصلية لبنان في ديترويت خارج الزمن الافتراضي على فايسبوك. وكما العالم الافتراضي، يغيب السفير قبلان لفترات عن دوام السفارة المحصور بأربع ساعات عمل، والسبب وفق مصادر في ديترويت، هو زياراته لعائلته في كندا.

وما يهم الجالية في هذا الغياب، هو أنه انعكس شكاوى من قبل أبنائها، سيما أولئك الآتين من مسافات بعيدة، والمعطلة معاملاتهم، علماً أن قنصلية ديترويت، تجري معاملات الجالية اللبنانية في 13 ولاية أميركية.

وتزداد المشكلة تفاقماً مع كون بعض المعاملات تحتاج وجود القنصل (السفير القائم بالمهمة) لإتمامها، لكن مع تصاعد شكاوى المواطنين ورفض الآتين من مناطق بعيدة الحضور ثانية، ووفق معلومات "المدن"، فقد تكرر توقيع أصحاب العلاقة بغياب القنصل على الوكالات، ليوقع عليها القنصل لاحقاً، علما أنه وفق القانون والتعليمات الخاصة بتنظيم الوكالات في الخارج، يجب أن يوقع صاحب العلاقة على الوكالة أمام القنصل للحؤول دون وقوع أي تزوير فيها.


الخارجية تتجنب الرد

إلى متى عدم تعيين قنصل أصيل في قنصلية ديترويت، ولماذا الإبقاء على مهمة قبلان ممددة؟ ثم ماذا حصل في التحقيق بشبهات فساد القنصل وسيم ابراهيم، وهو السبب الأساسي لانتداب قبلان إلى ديترويت؟

كلها أسئلة مشروعة تنتظر الإجابة. وقد حرصت "المدن" على التواصل مع وزارة الخارجية لمعرفة ردها. لكن اتصالاتنا واستفساراتنا على مدى أسبوع، مع عدة موظفين معنيين بإيصال استفسارنا لمكتب الوزير، بقيت جميعها من دون ردّ، بما فيها استفسار قيل لنا أنه وصل عبر مكتب الوزير لقبلان شخصياً بانتظار رده. أما آخر محاولة مباشرة مع الوزير عبدلله بو حبيب نفسه، فكانت رسالة عبر "الواتساب"، تمنينا عليه فيها تضمين الموقف الرسمي حيال أداء القنصلية والسفير قبلان، وذلك منذ خمسة أيام، وبقيت هي الأخرى، بلا ردّ!

ليبقى السؤال، لماذا تتجنب الوزارة التعليق على ما يجري في قنصلية ديترويت، ومن يقف خلف المهمة المفتوحة الممددة لقبلان؟! وكيف تتم متابعة وضبط عمل السفارات اللبنانية في الخارج؟

تعليقات: