روابط العسكريين المتقاعدين تعمل ميدانياً وقضائياً من أجل تحقيق المطالب (مصطفى جمال الدين)
بنهاية العام الماضي، كان ما يربو عن 1500 من المؤهلين الأول، والمؤهلين المتقاعدين، قد تقدموا عبر وكيلهم المحامي معن الأسعد، بكتاب استدعاء إلى اللواء عماد عثمان، مدير عام قوى الأمن الداخلي، حيث طالبوا في هذا الاستدعاء بإعادة صرف قسائم المحروقات التي تمّ منعهم من الاستفادة منها بشكلٍ نهائّي. وقد تم تبرير هذا المنع بزعم استخدام تلك الأموال في الصحة والطبابة. فيما أشاروا أنهم سيتخذون خطوات لتقديم شكوى أمام مجلس شورى الدولة لحل هذا النزاع، في حال عدم تلبية مطالبهم وعدم حصولهم على حقوقهم.
المخصصات والحقوق
اليوم وبعد سلسلة تظاهرات مطلبيّة اتسمت بطابعٍ تصعيديٍّ عنيف، تمكنت روابط وتجمعات قوى الأمن الداخلي والأمن العام وتحديدًا روابط المؤهلين والمؤهلين أول، من انتزاع حقّهم بمستحقات المحروقات، بناءً على المرسوم 1595/84 الذي ينصّ على تحديد تعويضات المؤهلين والمؤهلين الأول من رتباء الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، مخصصًا نسبة 75 بالمئة من قيمة التعويضات المُخصصة حسب الوضع العائلي لملازم درجة أولى في الخدمة الفعليّة أو في التقاعد (ومن جملتها المحروقات، 5 صفائح بنزين).
أما هذا الحقّ الذي انتزع منهم، وعادوا تباعًا ومع استفحال الأزمة الاقتصاديّة، للمطالبة بالاستحصال عليه مُجدّدًا، هو واحدٌ من لائحة المطالب التّي تعمل عليها روابط المتقاعدين في مختلف الأسلاك العسكريّة والأمنيّة، أكان بالمطالبة الميدانيّة – الشعبيّة، أو حتّى قانونيًا ولدى القضاء اللبنانيّ. وقد حظيت هذه المطالبات بالاهتمام الرسميّ، أخيرًا. إذ ينسب المتقاعدون الفضل باستحصالهم على مخصصات المحروقات، للجهود المشتركة التّي قاموا بها مع وزير الداخليّة والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، لجهة "رفعه صوت المتقاعدين في الحكومة وعمله الدؤوب لانتزاع حقّهم"، حسب ما يُشير المؤهل الأول المتقاعد ورئيس أحد روابط المتقاعدين شفيع الأيوبي، لـ"المدن".
الأمر الذي دفع الروابط، لزيارة مولوي، نهار الجمعة الفائت 25 آب الجاري، لشكره على جهوده، فضلاً عن بثّ جملة المطالب الأخرى التّي لم تحقق بعد، وأهمها الطبابة ومخصصات التّعليم، فيما وعد الوزير، بالعمل عليها وطرحها في الجلسات الحكوميّة اللاحقة.
وكانت رابطة "الرتباء المتقاعدين من قوى الأمن الداخلي" برئاسة الأيوبي قدمت شكوى عبر وكيلها القانوني المحامي راشد الطبال، إلى مجلس شورى الدولة بهذا الصدّد، وهذه الشكوى هي التّي أسهمت بعد قبولها من المجلس، باستحصال المستفيدين من مخصصات المحروقات، لحقهم مجدّدًا.
الطبابة والتعليم
وقد جاء القرار الحكومي المعطوف على قرار مجلس شورى الدولة ليضمن حقّ المتقاعدين من المؤهلين والمؤهلين الأول بمخصصات المحروقات، جرعة أمل، لهؤلاء الذين استبشروا خيرًا بالجهود المبذولة، فيما بقيت الطبابة والاستشفاء وسائر المخصصات، ناهيك بانخفاض قيمة الرواتب وتعويضات نهاية الخدمة، مطلبًا حقوقيًا يؤرق جموع روابط وتكتلات المتقاعدين، خصوصًا أن عددًا من الذين خرجوا للتقاعد ما بعد تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، حصلوا على تعويضات لا تناهز وكحدٍّ أقصى خمسة آلاف دولار بينما كانت سابقًا تتجاوز المئتي ألف دولار أحيانًا.
وفي هذا السّياق يُشير الأيوبي إلى "المدن" قائلاً: "لا يزال مطلب تحسين الرواتب والتعويضات، مطلبًا مُلحًا، خصوصًا أننا كنا نسعى في السّابق لجمع تعويض نهاية الخدمة واستثماره في مشاريع تجاريّة أو عقاريّة أو حتّى ترفيهية، اليوم بات هذا التعويض لا يكفي لشراء دراجة نارية أو سيارة مستعملة، وهذا لا يُضرّ المتقاعدين فقط، بل إنه يُضاعف الشلّل الاقتصادي العميم، فالمتقاعد كان مستثمرًا ومستقلاً بحدّ ذاته واليوم بات أشبه بمطالب دائم لأبسط حقوقه". مُضيفًا: "لسنا نطالب بكماليات تعجيزيّة، بل نحن وكما سائر موظفي القطاع العام، أشخاص خدمنا دولتنا، ونستحق منها أن ترانا وتسمعنا، ولسنا أعباءً على كاهلها، بل جزءًا منها".
العناصر في الخدمة الفعليّة
لا تتوقف الأزمة فقط على المتقاعدين، بل هي تمتد لأولئك الذين لا يزالون في إطار الخدمة الفعليّة، فبالرغم من الزيادات التّي استحصل عليها القطاع العام والاستقرار في سعر صرف الدولار، لا يزال هؤلاء في انزلاقٍ مزمن في دوامة العجز والفاقة الاقتصاديّة، خصوصًا أنهم لم يستعيدوا بعد حقوقهم في الرعايّة الطبيّة الشاملة والمنح التعليمية، الأمر الذي أدى طرديًا لظواهر الفرار من الخدمة، والموت الفجائي والاستهتار الوظيفيّ.
والآن، وعقب ما يقارب الأربع سنوات ونيف على توقيف التوظيف في الأسلاك العسكرية، والذي اقترن مباشرةً بنصّ قانون موازنة 2019 الذي أوقف بموجبه التسريح، هناك حوالى الثلاثين ألف عنصر أمني بين رتيب وضابط، غالبيتهم من الكهول والأعمار المتقدمة، محتجزون قسرًا في إطار خدمتهم. هذا الواقع فرض على البعض صراعات نفسية وإحباط من انسداد الأفق التام. فبعضهم حاول الفرار والذي بلغت حالاته الآلاف في السنوات الأخيرة، والبعض الآخر لم يجد أي سبيل للعيش سوى بمعاشه الزهيد وزيادته عبر العمل بدوامات جزئية مثلاً، فبقيّ في إطار الخدمة على مضض (راجع "المدن"). منتظرًا الانفراجة أو الموت في أسوأ الأحوال. الأمر الذي يطرح نفسه كإشكاليّة إنسانيّة وحقوقيّة من جهة، وكخطرٍ مُحدق لآخر ما تبقى من مؤسسات الدولة المنهارة، وحتّى للشعب اللبنانيّ المنكوب، والمُهدد بالقلاقل الأمنيّة، دائمًا.
تعليقات: