ايها الأحباء،
أحباء حبيب صادق،
اسمحوا لي في البداية، أن أتوجه بالشكر الجزيل لنادي الخيام الثقافي الاجتماعي على هذه المبادرة الكريمة الجامعة لتكريم علم من أعلام هذا الوطن الأديب الاستاذ حبيب صادق.
هذا النادي الذي احتل مكانة كبيرة في قلبه، حيث كان يتابع اخباره بدقة متناهية وينشرح صدره لنجاحاته ولا يبخل عليه بكل دعم ممكن.
حين التكلم عن حبيب صادق تتسابق الكلمات الرائعة والمشاعر الصادقة لتصف شخصية فذة، نادرة، انسانية حتى الأعماق، رائعة حتى السمو، جذابة حتى العشق . انك لا تعرف متى تنتهي وأي خصلة من خصاله تتناول بالحديث وأي موقف تسرد. انه يجسد اسمى معاني النبل والاخلاص والعطاء.
لم يعرف الكره والبغضاء ، كان راق في تعامله ، لا يكن الا الحب والصدق . تميز بدماثة خلقه ولطفه ورقة احساسه وجمال منطقه. كانت كلمة " يا عزيزي" لا تفارقه، تضفي انسا ً وودا على محادثته.
فيه اجتمعت كل الصفات النبيلة حتى اسمه! انه الحبيب الصادق .
انه الاديب والشاعرالذي ولد في بيت شعر ودين وادب ومن والد كان له حضوره المميز في جبل عامل كرجل دين مجتهد وخطيب وشاعر فتمرس باللغة العربية واتقنها. فكان ملك الكلام والبلاغة والمحدث اللبق.
انه الجنوبي، العصامي، المناضل، ابن الخيام والنبطية ، انه المجبول بحب الجنوب والعاشق لكل حبة تراب من ترابه والحالم بتحرره وتطوره . قارع الاقطاع ولم يساوم ولم يهادن وحافظ على استقلاليته. انه المقاوم الذي اعتبر قضية فلسطين بوصلة العمل المقاوم كما اعتبر ان مقاومة الاحتلال خطاً احمرلا حياد عنه ويجب ان تتم بكل الوسائل حتى التحرير وأن للقلم دورا هاما يواكب حمل السلاح في وجه العدو ، فعشق كل مقاوم. وكان الجنوب وصمود أهله ومقاومة العدو الصهيوني محور كتاباته وندواته وأعماله ومواقفه. فكانت عديدة كتاباته ومقالاته وكتبه عن الجنوب.
فمن روائع كتبه:
"جنوباً ترحل الكلمات" ، "كل الجهات الجنوب" ، "شهادات على حاشية الجنوب"، و"للوطن والحرية" وغيرها
أما الجنوب في شعره :
هو الجنوب’ ، عِناد’ الصخرِ ، والغضب’ والتضحيات’ البكارى والدم’ السَرب’
الموقف’ الشهم’ مهما اشتدت الكُرب’وجدَّ في بطشهِ المسعورِ مغتصِب’
أو حاولت سَوقَه’ في ركبها فئةٌ شعارها النهب’ والبهتان’ والكذب’
يبقى الجنوب’ كتابَ الدهرِ، عابقةبه الشهامة’ وهاج ، به، الغضب’
تختال في متنه الأجيال’ شامخةًيحدو الاباء’ بها والبذل’ والادب’
يا اخوتي ، يا رفاق الدربِ ، مسكنكُم هذا الفؤاد’ وان حلت به النوب’
انه اليساري والتقدمي بامتياز، حارب الطائفية السياسية وعمل جاهدا من اجل وطن واحد حر مستقل لا تمييز بين ابنائه فالتزم قضايا الناس وحقوق الانسان وكرامته.
انه المقدر للمرأة ودورها وحقوقها والمشجع لها للتعلم وتبوأ المراكز المرموقة.
في مطلع حياته كتب عددا من المسلسلات الرائعة للاذاعة اللبنانية ونشر المقالات السياسية والادبية في العديد من الجرائد .
واكب اتحاد الكتاب اللبنانيين فكان أمينا للسر فجهد لأن يكون للاتحاد دوراً ريادياً في اتحاد الكتاب العرب وفي مساهمته في اتحاد الكتاب الآسيوي الأفريقي. شارك في الكثير من المؤتمرات ومهرجانات الشعر التي كانت تنعقد بشكل دوري في أكثر من بلد عربي.
كما واكب المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حوالي نصف قرن فكان امينا عاما له، فجعل منه منبرا مهما وركنا اساسيا في الحركة الثقافية اللبنانية والعربية. ربط المجلس بين النشاط الثقافي والعمل الوطني ، فساهم في بلورة القضية الوطنية الاولى في تحرير لبنان من رجس الاحتلال الاسرائيلي والعمل على وحدته وعروبته، وهكذا زخر المجلس بالانشطة السياسية والاجتماعية والثقافية فاقيمت مئات الندوات والمعارض للوحات الفنية وخاصة التي تتناول مقاومة الاحتلال والنضال من اجل التحرر.
كما جعل المجلس يحتضن حركة شعراء الجنوب ويدعمها ويؤمن لها التسهيلات اللازمة وكان منبرا لامسياتهم الشعرية، فابدع الكثيرون منهم.
عمل على توثيق وحفظ التراث العاملي فانشأ مكتبة مهمة في المجلس اصبحت مرجعا مهما في كتابة العديد من الابحاث والاطروحات . لقد كان يشجع كل ذي فكر وادب على الكتابة ويحتضنه في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وقد تمكن المجلس من اصدار أكثر من 70 كتاباً.
لقد استطاع ان يعزز التواصل مع المجالس والمنتديات الثقافية على مساحة الوطن. كما امتدت علاقاته وصداقاته الى العديد من الدول العربية والاجنبية لتشمل عددا وازنا من الهيئات الثقافية العربية.
لقد سخر حياته للشأن العام ولم ينس الخاص . فخلال وجوده في وزارة الصحة حيث كان يشغل رئيس مصلحة الموازنة كان مقصداً لاصحاب الحاجة للخدمات الطبية ، كما عمل جاهداً لتنفيذ العديد من المشاريع في قرى الجنوب من مستوصفات ومستشفيات مثل مستوصف الخيام الذي دمرته اسرائيل ومستشفى الفنار لمعالجة الأمرض العقلية والنفسية والعصبية وغيرهما الكثير.
كما استطاع ان يؤمن العديد من المنح الدراسية الجامعية في الخارج وساعد اعدادا كبيرة من اصحاب الحاجة على العمل وتامين الرزق.
دخل الندوة البرلمانية فكان يتعمق بدراسة والتحضير لمناقشة مشاريع القوانين التي تطرح في المجلس النيابي علها تلبي حاجات هذا الشعب.وكان يصدح بصوت المحتاجين والمطالبين بحقوقهم واساتذة الجامعة اللبنانية والمثقفين حاملا هموم الناس ومستلزماتهم الحياتية وتطلعاتهم لعيشة كريمة. ولا أنسى قوله لي في أكثر من مناسبة حين سؤالي عن الجديد من المشاريع التي يحاول الاستحصال عليها للجنوب: "يا عزيزي لا أريد أن اذكرك بان تبقي حديثنا عن هذا المشروع سرياً لئلا ينكشف أمره فيوقف ". رغم ذلك كان عنيدأ ، جريئا، لا يستكين ولا يستسلم.
لقد حارب الفساد بصلابة وثبات وكانت بعض الندوات التلفزيونية بالبث المباشر اصدق تعبير عن ذلك.
انه حبيب صادق صاحب المؤلفات العديدة من شعر وادب وقصص. لقد آمن بالصمود والانتصار وكتب القصائد الرائعة والاغاني الثورية الجميلة التي غناها مرسيل خليفة واميمة الخليل وخالد الهبر.
من روائعه قصيدة " شدي عليك الجرح وانتصبي ، عبر الدجى رمحا من اللهب " التي لحنها مرسيل وغنتها أميمة.
يا عزيزي ايها الحبيب الصادق
ستبقى الملهم والمثال ، ستبقى يا عزيزي الحبيب الصادق .
ايها الحضور الكريم،
ان الكم الكبير من المقالات التي كتبت خلال الاسابيع الماضية والتي تزخر بالوفاء والحب والتقدير لشخص الحبيب الصادق تجعلنا نشعر بالاعتزاز بان هذا الوطن لا يزال يحوي الكثيرين من اصحاب الوفاء والنبل والاخلاق الحميدة.
أخيراً لنادي الخيام الثقافي الاجتماعي بهيئته الادارية واعضائه ألف شكر وتحية ولرنيسة الهيئة الادارية، صديقة الطفولة المحامية البارعة العزيزة وداد يونس كل الشكر والود والتقدير على هذا التكريم.
والى كل من حضر او اتصل او تراسل الكترونيا او كتب له مني ومن كل فرد من عائلة ال صادق كل الحب والتقدير والشكر.
والسلام عليكم
* كلمة ألقيت في المهرجان الوطني الثقافي في نادي الخيام الثقافي الاجتماعي تحية إلى الأديب الأستاذ حبيب صادق
تعليقات: