الفساد بشركتي الخليوي عاد إلى سابق عهده: اللعب بالرواتب

موظفون مسحوقون لا يتجاوز راتبهم 500 دولار وآخرون تتخطى رواتبهم 20 ألف دولار (مصطفى جمال الدين)
موظفون مسحوقون لا يتجاوز راتبهم 500 دولار وآخرون تتخطى رواتبهم 20 ألف دولار (مصطفى جمال الدين)


عوضاً عن الاستعانة بمعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لإجراء دراسة مجانية لإعادة هيكلة شركتي الهاتف الخلوي وظيفياً، كما اقترح أحد مدراء الشركتين، لعدم تكليف شركة خاصة تكبد الخزينة عشرات آلاف الدولارات، كلفت وزارة الاتصالات إدارة شركتي الخلوي إجراء دراسة لرفع مستوى دخل الموظفين. ورغم أن هذا الخيار لم يكن مثالياً لوضع هرمية وظيفية عادلة لسلم الرتب والرواتب، جراء المحسوبيات الإدارية، انتهت الخطة التي وضعت على مرحلتين لزيادة رواتب الموظفين، إلى زيادات وترقيات سياسية وطائفية، وليس على أساس الإنتاجية والحاجة الفعلية للشركتين، تقول مصادر مطلعة في قطاع الخليوي.

مخطط تحسين الرواتب

لتهدئة غضب الموظفين جرى التوافق على تحسين رواتبهم وفق خطة تنفذ على مرحلتين، مع حصول الموظفين على نحو أربعين بالمئة من رواتبهم بالدولار، والباقي على سعر صرف 15 ألف ليرة.

بدأت المرحلة الأولى منذ نحو سبعة أشهر، لرفع رواتب موظفي أدنى سلم الهرم (رواتب تقل عن 3 آلاف دولار) لرفع الظلم عنهم. لكن الزيادات والتحسينات على الرواتب وزعت وفق منطق المحسوبيات ومحاباة بعض مدراء الأقسام للمحسوبين عليهم، وانتهى الأمر بعدم حصول أكثر من 150 موظفاً في تاتش إلا على زيادات بنحو مئتي دولار. ولم تتحسن إلا أوضاع الموظفين المحظيين والتابعين سياسياً للأحزاب المسيطرة على الاتصالات.

وتضيف المصادر أن تنفيذ الجزء الثاني من خطة تحسين الرواتب بات قريباً، للموظفين الذين تزيد رواتبهم عن ثلاثة آلاف دولار. وأسوة بالمرحلة الأولى، تطال التحسينات رواتب الموالين لتيار المردة والتيار الوطني الحر. ليس هذا فحسب، بل ستطال الزيادات محظيين حصلوا على زيادات في المرحلة الأولى، على اعتبار أن رواتبهم ما زالت تقل عن ثلاثة الاف دولار.

المحسوبيات والهدر

أحد الأمثلة على منطق المحسوبيات في توزيع المغانم المتبع في وزارة الاتصالات لإدارة شركتي الهاتف، استفادة مدير رفيع المستوى ج.س. في شركة تاتش من إجازات مدفوعة وغير مدفوعة، للعمل في شركة خاصة في وسط بيروت في مجال الاتصالات. ووفق المصادر، حصل س. على إجازة مدفوعة في نهاية شهر آذار، ثم لحقها إجازات غير المدفوعة حتى نهاية الشهر الحالي. ونظراً لانشغاله في وظيفته الثانية أرسل يوم الجمعة الفائت بريداً الكترونياً تبلغت فيه الإدارة أن س. سيعمل من المنزل منذ مطلع أيلول المقبل. علماً أن هذا الإجراء كان متبعاً خلال أزمة كورونا فقط.

يعرف س. بكفاءته على المستوى المهني، والشركة بأمس الحاجة لخدماته التقنية. لكن موظفين في قطاع الخليوي بدأوا يتداولون بأن الفساد لم يعد يقتصر على منطق المحسوبيات في خطط تحسين الرواتب، بل وصل حد السماح للمحابين العمل في شركات أخرى والاستفادة من تقديمات تاتش.

وتشرح المصادر أن س. يعمل منذ أكثر من خمسة أشهر، ومن دون تقديم استقالته من شركة تاتش، في شركة BCOM، في وسط بيروت، مستفيداً من راتبه الشهري المرتفع في شركة تاتش، فضلاً عن التأمين الصحي العائلي والأقساط المدرسية، وخطوط الخليوي المجانية وغيرها. وهذا بمثابة هدر للمال العام، لأن رواتب الموظفين تدفع من خزينة الدولة. وعوضاً عن تدخل قسم الموارد البشرية للطلب من س. تقديم استقالته، سيكافأ آخر الشهر الحالي بالسماح له بالعمل مع تاتش من البيت، كي يتسنى له مواصلة العمل مع الشركة الأخرى. ويبدو أن مدير عام تاتش سالم عيتاني رفض هذا الطلب لأن س. موظف في الشركة، ولا يجوز له العمل في شركة ثانية. لكن البعض يعمل على تسهيل حصول س. على هذه الميزة من خلال موافقة استثنائية من وزير الاتصالات جوني القرم. وبالتالي، الحصول على توقيع عيتاني على طلب س. بعد ممارسة ضغوط سياسية عليه.

عودة الإنفاق إلى العهود السابقة

ما حصل في قطاع الخلوي أن وزارة الاتصالات الحالية عادت لتدير القطاع مثل العهود السابقة. فبعدما رفعت الشركات أسعار الاتصالات على المواطنين، وعوضاً عن اعتماد خطط تقشفية وأسعار مدروسة تراعي تراجع دخل اللبنانيين، عادت شركات الاتصالات لتحقق أرباحاً طائلة، وعادت إلى الإنفاق السابق. فالمصاريف التشغيلية عادت لترتفع أكثر من مرحلة ما قبل الأزمة، تقول المصادر. ففي الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بلغت المصاريف التشغيلية نحو 25 مليون دولار. ما يعني أنها ستكون خلال العام نحو مئة مليون دولار. فيما كانت قبل العام 2018 رغم كل الهدر في المصاريف التشغيلية تصل إلى نحو 180 مليون دولار. وقياساً بالقدرة الشرائية للدولار، يعتبر الإنفاق الحالي أسوأ من السابق، في وقت تراجعت فيه خدمات الاتصالات ومشاكل الشبكات.

وتضيف المصادر أن جزءاً من الهدر في المصاريف التشغيلية يذهب على رواتب الموظفين، لأن تحسين الرواتب لم يتم وفق دراسة الحاجة وعلى أساس الفعالية والإنتاجية. بل منذ بدء مرحلة رفع أسعار الاتصالات أعيد توزيع الترقيات والزيادات سياسياً وطائفياً. أما خطة إعادة هيكلة سلم رواتب الموظفين فانتهت إلى تكريس هامش شاسع بين أعلى الهرم وأسفله، وسط وجود موظفين مسحوقين ولا يتجاوز راتبهم الفعلي 500 دولار، فيما هناك رواتب تتخطى العشرين ألف دولار (نصفها بالدولار النقدي). بمعنى آخر لم يُعَد هيكلة الهرم الوظيفي وسلم الرواتب وفق منطق الحاجة والإنتاجية، بل وفق منطق المحسوبيات وتوزيع الحصص على المحابين.

تعليقات: