يوسف غزّاوي يستدعي «ذاكرة الغياب»

«طفولة» (أكريليك على ورق كانسون ــــ 43 × 31 سنتم ــ 2023)
«طفولة» (أكريليك على ورق كانسون ــــ 43 × 31 سنتم ــ 2023)


خمس وثلاثون لوحة للفنّان والأكاديميّ يوسف غزّاوي يضمّها معرضه الحاليّ في غاليري Escape حتى الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) منحها عنوان «ذاكرة الغياب» وهي ذات مقاسات متفاوتة ومنفّذة بالأكريليك على قماش أو ورق، فضلاً عن عمل تجهيزيّ واحد: «كلنا للوطن»، «عبور نحو الوطن»، «رسائل الريف»، و«بساط الريح»… هذه بعض التسميات التي أطلقها غزاوي على لوحاته، محاولاً استعادة لحظات من طفولة قرويّة اقترنت بالطبيعة والأشجار الملوّنة والمثمرة وبمشاعر وعواطف اختبرها ويستحضرها في أعماله التجريديّة المزدانة بالرموز وبالتوازن بين الدلاليّ الجماليّ. مثلاً، يتوسّل السلّم رمزاً لزمن مضى وكان أداته للهرب من أسر الواقع، أو الطير رمزاً للحرية والهجرة. إنّها الذاكرة التي يحاول غزاوي التقاطها قبل أن تغيب وتتلاشى. لوحات يوسف غزاوي تشبهه، ببساطتها وعفويّتها، فلا تقنيّات معقّدة في دمج الألوان، بل مساحات مقسّمة ليحمل كلٌّ منها لوناً واحداً. ولا أكاديمية صارمة، ولا تعقيد أو «شخبطات» عشوائية نراها لدى آخرين، إذ تطغى العفويّة والأشكال والعناصر الواقعيّة المستحضرة من ذاكرة طفل ينشد اليوم، فنّاناً، صونها من الضياع وتثبيتها ضمن إطار اللوحة. وفي الأمر حنين إلى زمن جميل لم يبق مثيلٌ له في زمننا الحداثيّ.

يقول غزاوي في المنشور التعريفيّ الخاص بمعرضه: «تتركُ الطفولة بذكرياتها أثراً وسحراً فينا مهما بلغنا من العمر عتياً، إذ نبقى أسرى عبثها وبراءتها وزمنها الجميل. زُرعت طفولتي في بستان جدّي، في القرية حيث وُلدتُ. تربّت هذه الطفولة على نبض الأشجار المتنوّعة بألوانها وثمارها وأشكالها وموسيقاها. عرينها كان عرزالاً وسط هذا البستان، نصعد إليه بواسطة سلّم خشبيّ. هذا الصعود كان يعني لي، وبهذه الوسيلة، ارتفاعاً عن الأرض وعالمها ومنازلها».

هذا السلّم الذي يتحدث عنه الفنان أضحى اليوم مادة تشكيليّة وعنصراً متكرّر الحضور في أكثر من لوحة. ومثله العصفور الذي يبدو لنا «عجوزاً» بانت السنين في جسده النحيل. السلّم والعصفور دليلنا إلى ملمح البساطة التي شاءها غزاوي نسقاً تشكيليّاً للوحاته في هذا المعرض، بعيداً عن الإفراط في الأسلبة والتجريد، كي يظل على انسجام مع تيمته الاستعاديّة المضمّخة بحنين الذاكرة.

ميزة أخرى في لوحات يوسف غزّاوي: طريقة بنائها التي تبدو مستمدّة من فنّ العمارة بخطوطها الأفقية والعمودية. يساعد في إبراز هذه السمة خلوّ لوحاته من «التعجيق» والإكثار من العناصر غير الضروريّة التي لا تغني اللوحة، بل تفقرها وتبدّد معناها. تلك الأغراض والمشاهد الأساسيّة العالقة في الذاكرة هي وحدها التي ينبغي أن تملأ مساحة اللوحة، وهذا ما أحسن غزّاوي فعله، رغم أنّه لم يُشغل نفسه كثيراً في الإمساك بإيقاع لوحته، حتى في لحظة اكتمالها، فكثر لديه التكرار الذي قد يصيب العين المتجوّلة بين اللوحات ببعض سأم أو تذمّر. العنوان الجامع لا يمنع التنويع (على التيمة الواحدة ) بمزيد من أعمال المخيّلة لتكوين فريدٍ في كلّ لوحة، فلوحات غزّاوي بدت رخوة طرية بسيطة هنا، مشدودة مضغوطة هناك. كان الأمر يستحقّ من الفنان قدراً أعلى من التوازن و«الشخصية» الخاصة بكلّ لوحة.


* «ذاكرة الغياب»: حتى 23 أيلول ــــ غاليري Escape (شارع مار نقولا ــ مقابل درج الكنيسة ــ الأشرفية/ بيروت). للاستعلام: 78/848806

تعليقات: