هي الازمات تتوالى دوما على رؤوس المواطنين، والموظفين، ولاسيما ذوي الرواتب المتدنية. فكل دولار بالنسبة الى هؤلاء، يحدث فرقاً في ظل تفاقم الازمة المعيشية وتدنّي القيمة الشرائية والارتفاع الجنوني للاسعار.
ووسط استمرار الدوامة نفسها وغياب الحلول الجدية الطويلة الامد، يبرز تأثير الغاء منصة "صيرفة" على المواطنين ذوي المداخيل المحدودة، وليس بعيدا عن هؤلاء موظفو المصارف. فأيّ تأثير على هؤلاء، بعدما لم يعد لـ"صيرفة" قيمة، وهل حان الوقت لتركهم العمل بالفعل؟
معلوم ان منصة "صيرفة" وُلدت او استُحدثت بلا اي شرعية او شفافية او حوكمة، وفق اللغة الاقتصادية العملية، الا انها شكلت حاجة معيشية عند المواطنين، والجميع "استفاد" منها، إذ كانت تهدف الى تعويض الرواتب المتدنية لبعض الموظفين، ولاسيما موظفي القطاع العام الذين كانوا يستفيدون منها. وكانت هذه المنصة تساعد ايضا على ضخ الدولارات في السوق، مما انعكس قليلا على استقرار سعر الصرف او ثباته لفترة لا بأس بها.
باختصار، كانت تلك المنصة آلية او وسيلة لتحقيق بعض الارباح من خلال الفروق بين الاسعار في السوق، فسعت الى سد بعض النقص او الفجوات المرتفعة لا بل الضخمة بين الرواتب الحقيقية والقيمة الشرائية للمواطن وسبل تأمين العيش التي باتت اكثر من باهظة.
ليس في هذا الكلام مديح لـ"صيرفة"، بل هي تبقى اداة تفتقر الى الشفافية والحوكمة، الى حد اعتبارها منصة "غير شرعية"، انما كانت بابا متاحا لاستمرار تأمين لقمة العيش وسط غياب اي خطة جدية مستدامة، لانه، ببساطة، اختارت السلطة ألا تفعل شيئا أمام هول الكارثة! اذ ان الادوات الترقيعية لا تدوم امام ازمة حجمها اكبر بكثير وتداعياتها كارثية على المواطن. واذا كان لالغاء "صيرفة" انعكاس على جميع الموظفين عموما، فماذا يعني عند موظفي المصارف حصراً؟
رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج يقول لـ"النهار" ان "الغاء صيرفة اثّر على موظفي المصارف الذين هم ايضا مودعون، وكانوا يستفيدون من هذا الخيار عبر تحويلهم من الليرة ال#لبنانية الى الدولار ليحدثوا بعض الفرق الذي كان يصل الى حدود 200 دولار أو 300 دولار، في كل عملية، وهذا المبلغ لا شك انه يؤثر عليهم ايجابا في تأمين مستلزمات العيش".
ويشرح الحاج ان "رواتب موظفي المصارف هي بالليرة اللبنانية، ومن البديهي القول انهم تأثروا سلبا بعملية الغاء منصة صيرفة، لاسيما ان بعضهم، وفي عدد من المصارف، كانوا يقومون بعمليتين في الشهر الواحد. وهذا الامر، عند الغائه، سيؤثر سلبا عليهم. وقد كان موظفو المصارف يتكلون على صيرفة لتعويض رواتبهم".
مجزرة واقعة؟
لا يخفي الحاج ان "لالغاء صيرفة تداعيات وآثارا ستنعكس حتما على جميع الموظفين، ومن بين هؤلاء يشكل موظفو المصارف جزءا لا بأس منهم، وغلاء المعيشة الذي يتقاضونه لا يشكل سوى ما يقارب المئة دولار، وبالتالي لن يحدث الفرق الكبير".
ولان الموظف هو مودع، لا شك في ان عمليات "صيرفة" كانت تحسّن ظروفهم، وخصوصا اذا كانوا يستفيدون من اكثر من عملية شهريا.
يعلّق الحاج: "الجميع كان يلجأ الى الى هذه الوسيلة او المنصة، وسيكون للالغاء تأثيراته".
والاهم، هل سينعكس هذا الامر على امكان تركهم العمل؟ معلوم ان القطاع المصرفي كان من ابرز القطاعات التي دفعت من لحمها الحيّ منذ اشتداد الازمة، على صعيد الموظفين.
فهؤلاء الموظفون كانوا يواجهون المقتحمين، لا اصحاب المصارف. وهم من تآكلت رواتبهم المتدنية اصلا، لا اصحاب المصارف. وهم في النهاية سيدفعون الاثمان الكبيرة عند الاقفال او الصرف. فهؤلاء لا يتقاضون رواتب عالية، وبعضهم استقال والبعض الآخر صُرف من العمل او استُغني عن خدمته، لاسباب تقشفية، لاسيما بعدما تقلص عدد الفروع لاكثر من مصرف.
يشير الحاج الى ان "لا احصاء دقيقا يملكه اتحاد نقابات موظفي المصارف عن أعداد الذين صُرفوا او استُقيلوا، لسبب ان المصارف غير ملزمة التصريح للاتحاد عن تسريح الموظفين، وبالتالي لا ارقام دقيقة".
انما وفق تصور مبدئي، يقدر الحاج انه منذ العام 2020 "انخفضت اعداد موظفي المصارف عموما بين 6 آلاف الى 7 آلاف موظف، بحيث ان الرقم الاجمالي كان بحدود 23 الف موظف قبل الازمة، وبات اليوم تقريبا 16 الفا".
الى ذلك، لا يتوقع الحاج ان يكون إلغاء "صيرفة" هو السبب المباشر لترك مزيد من الموظفين اعمالهم، انما "اخطر شيء بالنسبة اليهم سيكون اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف، لان استمرار المصارف او انشاء مصارف جديدة سيتأثر حكماً بهذا القانون، وسيكون الخطر اكبر كلما استمرت الازمة وطال وقت علاجها".
ولا يتوانى الحاج عن وصف الواقع "بالمجرزة. نعم، ستحصل مجزرة في قطاع المصارف في حال اقرار قانون الهيكلة". ويرى ان "تراتبية المسؤوليات في هذه الازمة اكثر من واضحة. اولا، السلطة التنفيذية ووزراء المال مسؤولون، ثم حاكم مصرف لبنان مسؤول، ومن ثم المصارف. هذه هي تراتبية المسؤوليات التي ترتب محاسبة وواجبات تجاه الشعب والموظفين ككل".
... حتما، الترقيعات لن تنفع... والمواطن – الموظف الذي يعيش من عرق جبينه وجهده كل الشهر، سيدفع الثمن الاكبر، ولن يستطيع ربما اكمال شهره وتأمين مقومات عيشه... لقد بتنا في قعر القعر!
مواطنون أمام الصراف الآلي (حسام شبارو).
تعليقات: