السيدة مايا نهرا تلقي كلمة النائب الدكتور الياس جرادي
حضرة السيدات والسادة، اخوتي في المواطنية واخوتي في الإنسانية
اهلا وسهلا بكم جميعا في إبل السقي
أحيّيكم من بلدتي الحبيبة
من عقر دار جمّول
من مربط خيل الفرسان وراياتهم الحمراء الخفّاقة بوجه كل غازٍ، كل متربّص وكل محتلّ.
في أسامي بذكرها، وفي أسامي نسيتها.
في وجوه بعدني بشوفها،
وفي وجوه محفورة بوجداني.
الكن كلكن، رسمت على وجهي أساميكن، الكن كلكن كل التحايا!
واحد وأربعون عامًا على انطلاقة جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة،
هل جعلت السنونُ جمّولٓ ذكرى نحتفل بها كلّ عام؟ أم كرّسٓتْها نهجٓ عيشٍ يزيدنا إصرارًا على الصمود والمواجهة والبناء؟
لا بدّ أن نستذكرٓ رواياتِ الأبطال التي حملت كرامتُهم أكفانٓهم فمشٓوا، أهزوجة حرّيةٍ في براري الإكراه والإخضاع والإذلال...
وأن نستذكرٓ أولئك الذين نبتوا في الأرض عزيمةً، ولاحقوا التحريرٓ كأحلام أطفال، ركضوا خلفها بين طنين النحل وأزيز الرصاص، لم يأبهوا للألم المسكوب فوق أجسادِهم في رحلة تعذيب، فجمعوا أشلاءهم بكوفيّة عنفوان وعادوا ليرسموا بها خريطةٓ وطن.
غير أنّ جمّولٓ أيضًا، حالةُ وعيٍ وطنيّ، ارتقٓت من كثافة المادّيّ وانشغالاتِه بذاته إلى لطافة الإنسانيّة وقضاياها النبيلة فحملت حروفٓها لغةً مقدّسة للأحرار كلِّ الأحرار.
فالجبهةُ تعني الوحدةٓ التضامنيّة في مواجهة خصم أو عدوّ، هي الإطار المشترك لجمع القوى والإمكانات لتحسين شروط تلك المواجهة وتحقيق الانتصار.
كم نحن بحاجة إلى جبهة ائتلافيّة، بين من صدقت مواجهتُهم وثبتت بوصلتُهم، جبهةٍ تتبنّى الأسسٓ وتتركُ هوامشٓ الاختلافِ مساحةٓ حوار، لتبنيٓ قوّةً اختياريّة وطوعيّة في مواجهة المخاطر والتهديدات واستعادة الحقوق وحمايتِها.
أمّا المقاومةُ فتتخطّى بمعناها الحقيقيّ، الأوسعِ والأشملِ، ذاك النشاطٓ العسكريّٓ إلى أبعاد الثقافة والسياسة والاقتصاد، فإنْ نجحتِ المقاومةُ العسكريّة في استعادة جزءٍ من الأرض، فلا بدّ من ترسيخها ثقافةً تُناهضُ الفساد، ومن اعتمادِها سياسةً تستشرف المستقبل، ومن تطويرِها اقتصادًا متعافيًا كي يحافظ على الأرض ويبقي على أهلها فيها. المقاومة هي تثبيتٌ لإرادة المواطنين في الدفاع عن كرامتهم... ونحن اليوم في أشدّ الحاجة إلى استنهاض تلك الإرادة.
أمّا الوطنيّة فتحمل معنى استقلاليّة القرارات وسيادتِها، وتنطلق بدافعيّة المصلحة العامّة، لتدافع عن الوطن ومصالحِ شعبِه وحقوقه.
والوطنيّة ما عادت قصيدةٓ شعرٍ وعواطفٓ نبيلةٍ فقط، إنّما فعلُ مواطنةٍ ومشاركةٍ أوسع في الحياة العامّة لتأكيد أنّنا شركاء في تحديد مصيرِنا وبناء دولتنا. هنا التحدّي وهنا الإصرار وهنا العمل... فهيّا إلى خير العمل.
يبقى من جمّولٓ لبنانيّةُ الانتماء، فكانت حناجرنا تصدح مع نبضات عود مارسيل، فنهتف: إنّي اخترتك يا وطني، حبًّا وطواعية... وكانت قلوبُنا تضخُّ الدماء في أرض الجنوب، دفاعًا عن أرزِ لبنانٓ وترابِه.
ولمّا أصبح لبنانُ وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه... بات علينا جميعًا حملُ مسؤوليّةِ إعادة ثقة شبابِنا بإمكانيّات لبنانٓ وقدرتِه على النهوض ليحتضنٓ الجميع، فيكون بيئةً آمنة لهم لإعادة إنتاج أحلامِهم، فيحيٓون واثقين من قدرتهم على تحقيقها، رافعين رايةٓ لبنان فوق قمم الفخر والاعتزاز.
جمّول يا تاريخًا حفر العزّةٓ في صوّان الوعي،
جمّولُ يا أولئك الأمُهاتِ اللواتي ضحّٓين بإسوارة العروس من أجل شراء بندقيّة أو بعضِ رصاصات...
جمّول يا وعدًا في مستقبلٍ أكثرٓ إنسانيّةً، مستقبلٍ يليق بشعبنا، ويضمنُ الحياةٓ للأجيالِ القادمةِ في ربوع الوطن.
ومع الجنوبِ والجنوبيّين نختم...
إنْ أعدْنا تجديدٓ معنى جمّول وثبّتنا ثوابتٓها، نكون سعٓينا لأداءِ قسطِنا للعلى.
عشتم وعاش الجنوبُ وعاشٓ لبنان
* كلمة النائب الدكتور الياس جرادي في المهرجان الوطني الذي أقامته هيئة مرجعيون حاصبيا في الحزب الشيوعي اللبناني عصر اليوم في بلدة ابل السقي بمناسبة الذكرى الـ 41 لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، القتها السيدة مايا نهرا
تعليقات: