أين نحن من تسخير كل الطاقة المتاحة على كوكبنا ومن تقنيات الطاقة المتجددة؟(Getty)
لآلاف السنين، نظرت الحضارات المتعددة إلى الشمس على أنها كائن ميثولوجي، ولأن حجمها بالعين المجردة يبدو مساوياً تقريباً لحجم القمر، فقد ساد تصوّر بأنهما كانا إلهين شقيقين يتناوبان نهاراً وليلاً على مهمّة إنارة العالم.
أعتبر الكنعانيون أن جبل حرمون هو محور العالم، واعتبر الإغريق أن جبل أوليمبوس هو سرّة الأرض. وبقي "مركز العالم" يتنقّل من نقطة إلى أخرى على "الأرض المسطحة"، حتى جاءت نماذج ومجسمات أرسطو وبطليموس، وهي تصور الشمس والقمر والنجوم والكواكب (المرئية بالعين المجردة) تدور حول الأرض الكروية. كانت محورية الأرض هذه هي الفكرة السائدة (Geocentrism) من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر ميلادي.
قصّة مركزية الشمس
في القرن السادس عشر اشتغل نيكولاوس كوبرنيكوس بموضوع دوران الأجسام السماوية حول الشمس ورغم أن نظريته لم يتم الأخذ بها على الفور، لكنها ساهمت في القرن اللاحق بالتحوّل من الفهم الجيوسنتري للعالم إلى القبول بفكرة محورية الشمس. ترافق ذلك مع إكتشافات يوهانس كيبلر وغاليليو غاليلي حول النظام الشمسي ومدارات الكواكب الإهليلجية حولها، إلى أن استطاع نيوتن إقناع العالم في بداية القرن الثامن عشر بأن الأرض ليست محور الكون.
هي الشمس إذا؟
في منتصف القرن الثامن عشر أدت أعمال توماس رايت وويليام هيرشل إلى اقتراح أن درب التبانة هي محور الكون مع الحفاظ على مكانة شمسنا في مركز المجرة (Heliocentrism).
في عام 1917، قام هيبر دوست كورتيس برصد ما كان يُسمى آنذاك "سديم أندروميدا". بعدها بثمانية أعوام (1925) حصل ادوين هابل على صور لأندروميدا تثبت بأنها مجرة مستقلة بعيدة وليست سديم على أطراف مجرتنا. أرست اكتشافات ادوين هابل أيضاً ما يعرف اليوم بـ "نظرية توسع الكون" من خلال ملاحظته للطيف الأحمر الذي تخلفه المجرات وراءها وهي تتسارع، واستنتج أنه من غير المنطقي أن المجرات كلها تتباعد حولنا ومجرتنا ثابتة في المنتصف. فكانت تلك نهاية قصة البحث عن مركز الكون.
طاقات الشمس
استغرقت البشرية ألفي عام من عمر الحضارة لتدرك أن الشمس ليست مجرد إله فرعوني أو إغريقي. لم تعد الشمس تلك الكرة المعلقة التي تبدو بحجم القمر، لقد تعلمنا أن حجمها يتسع لمليون كرة أرضية، وأن الجزيئات في نواة هذا المُفاعل الاندماجي، قد تستغرق رحلتها نحو السطح أكثر من 200,000 عام قبل أن ترسل إلينا فوتوناتها في غضون ثمانية دقائق.
الحياة على الأرض تدين بوجودها لضوء الشمس ودفئها. لقد بدأت الحياة سريعة وانتهازية في هذه النقطة الصغيرة من الكون، بالمقابل فإن الحضارة ظهرت متأخرة جداً في هذا السياق. أما استخدام الطاقة الشمسية عبر تحويلها إلى كهرباء، فقد بدأت الخطوات الأولى لهذه التقنية في أواسط القرن الماضي.
كان اختراع الخلايا الشمسية بواسطة كريستال السيليكون (Crystalline Silicon Photovoltaic Cells) واحداً من أهم الإنجازات في القرن العشرين، بفضل هذه التقنية تم تأمين الكهرباء بسهولة للأجهزة المنتشرة على آلاف الأقمار الاصطناعية في مدار الأرض. وكذلك تأمين الطاقة للمركبات التي عملت لسنوات على سطح المريخ ومِسبارات الاستكشاف مثل كاسيني (Cassini) والمسبار باركر الذي يمضي عامه الخامس بالقرب من الشمس.
مقياس كارداشيڤ للحضارة
قدم عالم الفلك السوفيتي نيكولاي كارداشيڤ في العام 1964 نظام تصنيف الحضارات في الكون، استناداً إلى مبدأ تفاضلي في قدرة هذه الحضارات على تسخير الطاقة، وهو ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
- حضارة من النوع الأول: تستطيع هذه الحضارة الوصول إلى كل الطاقة المتاحة على كوكبها بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.. والقدرة على تخزينها للاستهلاك اللاحق.
نظرياً ينبغي أيضاً أن تكون هذه الحضارة قادرة على السيطرة على الأحداث الطبيعية مثل الزلازل والثوران البركاني والأعاصير وكل ما يتعلق بحالة الكوكب.
- حضارة من النوع الثاني: تكون قادرة على استهلاك طاقة النجم مباشرة من منطقة قريبة منه، على الأرجح من خلال استخدام نموذج كرة دايسون أو شيئاً مشابهاً. ستكون هذه الحضارة قادرة أيضاً على التحكم الكامل بمجموعتها الشمسية، وحرف مسار الكويكبات والنيازك التي تشكل خطراً على الكوكب الأم.
- حضارة من النوع الثالث: وهي قادرة على التقاط كل الطاقة التي تنبعث من مجرتها، كل جرم فيها، وكل نجمة وكل ثقب أسود وما إلى ذلك. ستكون هذه الحضارة قادرة أيضاً على السفر بين المجرات.
تطوّر تقنيات الطاقة الشمسية
أين نحن اليوم من تسخير كل الطاقة المتاحة على كوكبنا وهل تتطور تقنيات الطاقة المتجددة بالسرعة الكافية؟
خلال السنوات القليلة الماضية اعتقد الجميع أن كفاءة الخلايا الشمسية بواسطة كريستال السيليكون، قد بلغت أقصاها عند نقطة الـ 21%.
بحسب المعهد الأوروبي لاختبار الطاقة الشمسية (ESTI)، قامت شركة LONGi مؤخراً بتصنيع خلايا شمسية ترادفية من البيروفسكايت/كريستال السيليكون، والتي تستند إلى رقائق السيليكون CZ، وقد حققت كفاءة استثنائية بلغت 33.5%.
بالإضافة إلى كونها أكثر كفاءة، فإن الخلايا الشمسية بواسطة البيروفسكايت (Perovskite) هي أيضاً أقل تكلفة في الإنتاج من الخلايا الشمسية التقليدية. ذلك لأن البيروفسكايت مادة أكثر وفرة من السيليكون، ويمكن معالجتها باستخدام طرق أقل تلويثاً للبيئة واستهلاكاً للطاقة. فضلاً عن مرونتها وخفة وزنها (أخف مئة مرة من نظيرتها لكل واط) وكذلك إمكانية تلوينها بألوان تتناسب مع جمالية المبنى أو المنشأة التي ستحملها.
من الناحية التقنية يبدو أن طبقة البيروفسكايت المتوازية فوق طبقة كريستال السيليكون تغطي حيزاً أكبر من الإشعاع الشمسي وموجات إضافية لا يستقبلها عادة اللوح التقليدي، مما يعكس الكفاءة الإستثنائية التي تحققت والتي قد تصل إلى حدود 45% في السنوات القليلة المقبلة.
ربما قد نتمكن في المستقبل التخلي كلياً عن فكرة وضع الخلايا الشمسية تحت القبة الزرقاء في الغلاف الجوي ونقلها إلى ما بعد خط كارمان (Kármán) للحصول على كفاءة 100%.
ما زال لدينا بعضاً من الوقت، إذ من المتوقع أن تستمر شمسنا في الوجود لخمسة مليارات سنة مقبلة. ولكن إذا أردنا الرجوع قليلاً إلى مقياس كارداشيڤ للحضارات، فيمكننا القول في هذه اللحظة إننا قطعنا ثلث المسافة (33.5%) في طريقنا نحو تحقيق "الحضارة من النوع الأول".
تعليقات: