تغير المناخ يقول كلمته: الفيضانات قد تصبح شائعة

هطول الأمطار في ليبيا تجاوز بيومٍ واحد المعدلات المسجلة خلال عامٍ كامل(Getty)
هطول الأمطار في ليبيا تجاوز بيومٍ واحد المعدلات المسجلة خلال عامٍ كامل(Getty)


أظهر التغيّر المناخي وجهه المرعب في الأسابيع القليلة الماضية، حيث ضربت سلسلة من الأحداث المناخية القاسية عشرة بلدان متسببةً بفيضاناتٍ كارثية، يحذر علماء المناخ أنها قد تصبح شائعة بشكلٍ متزايد، مع الانعكاسات السلبية للاحتباس الحراري على العديد من المتغيرات المرتبطة بالمياه، كهطول الأمطار ونشاط الرياح الشديدة، وهي ظواهر ترفع من شدة وسرعة وتيرة الفيضانات.


من أسوأ العواصف في أوروبا

ضربت العاصفة "دانيال" هذا الشهر مساحاتٍ واسعة من منطقة البحر الأبيض المتوسط، ما أدى إلى هطول أمطارٍ في اليونان بكميةٍ توازي ما تشهده البلاد عادةً خلال عامٍ كامل. وتحولت بذلك الشوارع إلى أنهارٍ قاتلة، وأغرقت قرى بأكملها وأجبرت عمال الطوارئ على ركوب قوارب مطاطية لإنقاذ العائلات من منازلها التي غمرتها المياه.

وشعرت تركيا المجاورة بالتأثير أيضاً، حيث سجلت سبعة وفيات على الأقل بسبب الفيضانات. كما ضربت فيضانات شديدة إسبانيا، ذلك أن العاصفة "دانا" التي ضربت معظم المقاطعات الإسبانية، تسببت بهطول أمطارٍ غزيرة في جميع أنحاء إسبانيا وكان لها وقعها الكارثي بإتلاف مقتنيات آلاف المنازل.


إعصاران مدمران في آسيا

وشهدت القارة الآسيوية عاصفة مميتة وغير مسبوقة. إذ تسبب إعصاران متزامنان خلال الأسبوع الأول من أيلول الجاري، وهما "ساولا" و"هايكوي"، بعاصفةٍ هوجاء خلفت أضرارٍ واسعة النطاق في جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، ومدينة هونغ كونغ وأجزاء أخرى من جنوب الصين بما في ذلك شنتشن.

نتيجةً لذلك غمرت الفيضانات محطات المترو وجميع الطرقات، وتسبب الإعصاران، وفقاً لسلطات هونغ كونغ، بهطول أعلى معدل للأمطار في الساعة منذ بدء تسجيل معدلات هطول الأمطار في عام 1884.


أمطار غزيرة في الأميركيتين

وقد غمرت المياه أجزاء من الأميركيتين. إذ سجلت البرازيل أكثر من 30 حالة وفاة الأسبوع الماضي بعد هطول أمطار غزيرة وفيضانات في ولاية ريو غراندي دو سول، وهي أسوأ كارثة طبيعية تضرب الولاية منذ 40 عاماً.

أما في الولايات المتحدة، فقد تصدر مهرجان "الرجل المحترق" عناوين الأخبار الدولية بعد أن ضربت عاصفة ممطرة غزيرة المنطقة، وطُلب من عشرات الآلاف من الحاضرين الحفاظ على الطعام والماء بينما تقطّعت بهم السبل في صحراء نيفادا.

وعلى الجانب الآخر من البلاد، دمرت الفيضانات في ولاية ماساتشوستس مئات المنازل والشركات والبنية التحتية بما في ذلك الجسور والسدود والسكك الحديدية. وتجاوز هطول الأمطار في أجزاء من ماساتشوستس ونيوهامبشاير خلال الأسبوعين الماضيين المعدل الطبيعي بأكثر من 300 في المئة.


كارثة ليبيا

أصعب الكوارث على الإطلاق كانت في ليبيا، حيث تسبب هطول الأمطار الذي تجاوز بيومٍ واحد المعدلات المسجلة في ليبيا خلال عامٍ كامل، بانهيار سديّن، ما أدى إلى إطلاق ما يُقدّر بنحو 30 مليون متر مكعب من المياه في مدينة درنة، كان لها تأثيرها المدمر على بلداتٍ ومدنٍ أخرى.

يقول المتخصصون في الفيضانات إنّ هطول الأمطار كان شديداً في ليبيا على نحوٍ غير معتاد، وقد أدى تغير المناخ إلى تكثيفها بسبب العاصفة "دانيال" التي تشكلت فوق البحر الأبيض المتوسط في الرابع من أيلول، وتسببت في هطول أمطارٍ قياسية على اليونان. وقد أفادت إحدى محطات الأرصاد الجوية في قرية زاكورة اليونانية عن سقوط 750 ملم من الأمطار خلال 24 ساعة، وهو ما تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه "يعادل حوالي 18 شهراً من الأمطار".

ثم اشتدت حدة العاصفة فوق البحر، لتصبح ما يسميه خبراء الأرصاد الجوية بعاصفة متوسطية ذات خصائص شبيهة بالإعصار، لتصل إلى اليابسة الليبية في العاشر من أيلول، متسببةً بخسائر هائلة في الأرواح يزداد تعدادها كل يوم.


تغير المناخ والفيضانات

وإذا ما أردنا الحديث عن التفسير العلمي لهذه الفيضانات التي ضربت عدة بلدان، فنشير بأن العلماء يقولون أنه عندما يمتص الغلاف الجوي المزيد من الرطوبة، فإنه يتسبب في هطول المزيد من الأمطار أثناء العواصف. متوقعين زيادة بنسبة 7 في المئة تقريباً في كثافة هطول الأمطار خلال العواصف الشديدة لكل درجة مئوية واحدة من الاحترار.

أحد العوامل الذي يحدد شدة الفيضانات يتجسد بما إذا كانت المياه تتساقط على شكل أمطارٍ أو ثلوج. إذ يؤدي الجريان السطحي شبه الفوري للأمطار، على عكس إطلاق المياه بشكلٍ أبطأ نتيجة ذوبان الثلوج، إلى المزيد من الفيضانات الشديدة والانهيارات الأرضية وغيرها من المخاطر، وخصوصاً في المناطق الجبلية والمناطق الواقعة أسفل مجرى النهر، حيث يعيش حوالي ربع سكان العالم.

كما تشير النماذج المناخية أن جبال الغرب الأميركي وأجزاء من جبال الآبالاش وجبال الألب في أوروبا وجبال الهيمالايا وجبال هندو كوش في آسيا، من المرجح أن تشهد زيادة بمقدار سبعة إلى ثمانية أضعاف في حدوث ظواهر هطول الأمطار الغزيرة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.


الاستعداد لمستقبل أكثر شراسة

وبينما تتزايد الجهود العالمية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من نافل القول أنه لا يزال يتعين على الناس الاستعداد لمناخٍ أكثر شراسة في المستقبل القريب. وتوفر العواصف المدمرة التي ضربت منطقة البحر الأبيض المتوسط هذا العام حجةً مقنعة لأهمية التكيف، مع تحطيمها للأرقام القياسية من ناحية هطول الأمطار الشديد في العديد من البلدان والتسبب في أضرارٍ جسيمة.


وبما أن انهيار السدّين المحيطين بمدينة درنة شمال ليبيا جاء بسبب عدم الصيانة وعجز السد الأول عن كبح الطوفان إلى التدفق السريع للمياه نحو السد الثاني مما أدى إلى إنفجاره أيضاً، فهذا يؤكد لبقية العالم أهمية تحديث قوانين التصميم ليتم إنشاء بنية تحتية ومبانٍ تتمكن من الصمود في وجه الأمطار الغزيرة والفيضانات في المستقبل، والاستثمار في الحلول الهندسية الجديدة لتحسين المرونة وحماية المجتمعات من الظروف الجوية القاسية. وقد يعني ذلك أيضاً عدم البناء في المناطق المهددة بالفيضانات والانهيارات الأرضية.

تعليقات: