مغارة زود (المدن)
في خبر طرح الكثير من علامات الاستفهام حول ملكية المواقع الأثرية والبيئة، أعادت "الحركة البيئية اللبنانية" نشر إعلان لصفحة بيع عقارات تدعى "MASRY"، وجاء فيه التالي: "نقدم لكم مغارة رائعة للبيع في منطقة بقاععصفرين الضنية، شمال لبنان. استكشفوا الكنز المخفي في منطقة الضنية شمال لبنان. مساحة ضخمة 2520 متر مربع، وتضم 3 طوابق ونبع ماء طبيعي مسجل، يقع في منطقة سياحية مميزة مع فرص استثمارية مفتوحة. لا تدعوا هذه الفرصة الذهبية تفوتكم ".
وهذا المنشور الذي تعمد إعلان المغارة للبيع، وليس الأرض التي يملكها صاحبها (فوق المغارة)، علقت عليه الحركة البيئية بالقول: "واحدة من فصول الجنون أن تقرر بعض شركات العقارات التعدي على الإرث الطبيعي والقيام بعرض مغارة للبيع.. إن هذا الفعل غير قانوني ولا يمكن أن يتم تطبيق هذا النوع من عمليات البيع، لأن هذا الإرث الطبيعي هو ملك لجميع اللبنانيين واللبنانيات. من هنا، تطالب الحركة البيئية اللبنانية وزارة السياحة، التحرك الفوري لمقاضاة الشركة المعنية وإيقاف عملية البيع، لمنع ضرب العمود الفقري للسياحة البيئية في لبنان".
فما قصة هذه المغارة؟
حاولت "المدن" التقصي عن قصة المغارة. واللافت أنه في اتصالين مختلفين مع الشركة العقارية المذكورة، قالت في أحدهما أن سعر المغارة 2 مليون دولار، وفي اتصال آخر 3 مليون دولار.
ورغم أن الترويج في عملية البيع هو للمغارة وليس للأرض، قال مسؤول في الشركة العقارية لـ"المدن"، بأن الأرض هي العقار المعروض للبيع، وأن المغارة تقع تحت هذه الأرض التي تبلغ مساحاتها 2520 متر مربع، وتعود ملكيتها إلى اللبناني نزيه زود، وهو رجل أعمال من أبناء منطقة الضنية، وأن الشركة هي وسيط لإتمام عملية البيع، وأن للمغارة أوراقاً قانونية ورقماً عقارياً ومرسوماً اشتراعياً للدولة.
أرسل لنا الوسيط العقاري صور المغارة، التي تبدو استثنائية في تكوينها وحجمها، وهي تشبه في بعض تفاصيلها مغارة جعيتا. وواقع الحال، فإن هذه المغارة الواقعة على سفح جبل الأربعين في بقاعصفرين، يطلق عليها اسم "مغارة زود"، تيممًا باسم عائلة آل زود، ورغم أنها تعد تحفة بيئية وتراثية، لكنها غير معروفة لدى شريحة واسعة من السكان.
وفي بحث سريع على محرك غوغل على اسم "مغارة زود"، كانت المعلومات شحيحة، باستثناء ما ورد في أحد المنشورات، من دون التمكن من التدقيق بمدى صحته، وجاء فيه التالي: "توجد في بقاعصفرين العديد من المغارات، ولكنّ مغارة زود هي أهم مغارة موجودة فيها. تم اكتشاف مغارة زود في عام 1997 أثناء حفر أحد أبناء البلدة لإنشاء خزان لتجميع المياه. تتألف المغارة من ثلاث طبقات يبلغ ارتفاعها نحو الألف متر. هي مغارة فريدة من نوعها لأنها من صنع الله ولا نجد أي تدخل لليد البشرية فيها. صنّفت من أهم المغارات من قبل أخصائيين فرنسيين قاموا بزيارتها ووضع خرائط لها في عام 2001".
والمثير أن هذه المغارة، والتي تظهر الصور تميزها وفرادتها، غير مصنفة كموقع أثري- بيئي لدى وزارة السياحة اللبنانية. وهو ما يقر به صاحب الأرض نزيه زود في حديث لـ"المدن". ورغم محاولة "المدن" التواصل مع وزارة السياحة لاستيضاح ما لديها من معطيات حول المغارة، كان الجواب أنه لا يمكن التصريح حول وضع هذه المغارة من دون إذن الوزير وليد نصار، وأنه حاليًا خارج البلاد.
وأشار مصدر متابع، بأنه حسب قانون الملكية اللبناني، فإن ملكية شخص ما لأرض، تبين وجود أحد المعالم تحتها، تتيح له بيعها، لأنها قانونيًا عملية نقل عقار من شخص لآخر. ويُذكر المصدر بأن مغارة الزحلان في الضنية مثلًا، هي من ضمن الملكيات الخاصة لأحد الأفراد في المنطقة.
رواية صاحب الأرض..
وفي السياق، يتحدث نزيه زود عن روايته لهذه المغارة، ويقول بأن الأرض المسجلة باسم والده في السجل العقاري، ورثه عنه. ويقول: "هذه المغارة ليست مصنفة أثرية، وفيها مناظر طبيعية فحسب، ووزارة السياحة كشفت عليها سنة 1999". ويستنكر محاولة التشكيك بملكيته للمغارة متسائلًا: "ما الهدف من إثارة قضيتها الآن بعد أكثر من عقدين ونصف من تجاهلها وعدم الاهتمام بها إعلاميًا وشعبيًا؟".
ويشير إلى أن الأرض والمغارة ضمنًا معروضة للبيع بهدف الاستثمار السياحي. وحول قصة اكتشافها يقول: "سنة 1999، وبينما كان والدي يقوم بحفر خزان للمياه في الأرض، تم اكتشاف المغارة، وحضر في ذلك الحين الجيش ووزارة السياحة للكشف عليها، ولم يتم تصنيفها كمعلم أثري، وهي ليست ذات قيمة تاريخية!".
اللافت هنا، بأن صاحب الأرض ولدى الحديث معه حاول التقليل من شأن المغارة وقيمتها، وذلك خلافًا للإعلان الترويجي الذي سوّق لبيع المغارة وليس لبيع الأرض. كما أن اللافت، هو لدى سؤاله عن تاريخ هذه المغارة وقصتها، قال بأن الباحثين الفرنسيين الذين زاروها في ذلك العام، لم يتم التحقق من قصتها التاريخية وإلى أي عصر تعود، "بل قالوا بأنها مغارة عادية ويمكن أن تظهر في أي بلد".
وعندما طلبنا من مالك الأرض إرسال الورقة العقارية للمغارة، أرسلها طالبًا عدم نشرها. وبحسب الورقة العقارية التي اطلعنا عليها، فإن وصف العقار هو: "أرض سقي مشجرة فاكهة حديثة"، وأن نوع العقار "أرض غير مبنية". كما أشارت الورقة العقارية إلى أن هذه الأرض تحتوي على نبع وخزان للمياه. وذلك من دون الإشارة المباشرة للمغارة، فيما يوضح زود بأن لديه صك أخضر بملكية المغارة، لم نطلع عليه.
وواقع الحال، وبمعزل عن التشكيك بقصة ملكية المغارة التي ما زال تاريخها مجهولًا أو ربما جرى تعمد عدم الإعلان عنه، فإن الإشكالية الفعلية تتمحور حول مدى مراعاة القوانين اللبنانية للمواقع الجوفية الطبيعية وكيفية التعامل معها بعد اكتشافها. كما أن السؤال الموجه إلى وزارة السياحة، لتوضيح ما لديها من معطيات حول واقع هذه المغارة، إضافة إلى ضرورة توضيح أسباب عدم تصنيفها كمعلم أثري وطبيعي.
تعليقات: