الكاتبة هيفاء نصّار
كان يعيش وحيدا في بيت منعزل على اطراف المدينة، يتطيب فيه بالعطر الفواح لابعاد رائحته الكريهة. وقد نسج من وحدته ثوبا يقيه برد الوحدة ووجع الشتاء.. واصداء المدينة تأتيه من البعيد، تؤرق نومه الطويل، فينزعج، ويتأرجح مع انزعاجه منزله القديم، ثم يهوي الى هاوية مجهولة.
لم يكن ثمة حاجة ليقول له احد ان كل شعرة بيضاء من شعره إعلان واقرار بإنقضاء عمره.
أجاد في حياته دور النائم، لا بل أتقنه، وقضى عمره يبحث عن اكذوبة، عن حمامة بيضاء تظهر كل خمسين عاما ويسعد كل من يراها.
صفاته ظاهرة، كرهه الحقيقة وسلبيته الاليفة. حتى غدت صفاته طبيعية رافقت جسده المعتل.
رجل مسرح يتقن تمثيل الادوار. يكره المبادئ والتعاليم، لأنها تنساب الى رقاده العميق المغمور بالاحلام وبالانغام الهادئة.
وأما مسرحه، راقد مليء بالاوهام، تعوّد السقم والف الالم...
إن شعرا أبيض كالثلج تدلّى فوق جبهته، وإن أفكارا كثيرة عذّبت روحه، شعر معها بالغربة...
أوجعه ذاك الشيء الذي حطّ في صدره، أفاقه من رقاده العميق، أدرك معه ان الحق ينتزع انتزاعا، وان الحرية واحدة لا تتجزأ وان رائحة الارض واحدة لا تتغير.
مزّق ثيابه، انتشى بإحساسه في سكون مسرحه العتيق، لفظ انفاسه الاخيرة.. .كانت حرّة... ثم رحل.
* هيفاء نصّار - أوتاوا، كندا
الواقع في 7 تشرين أول، 2023
تعليقات: