حياة عادية بالضاحية الجنوبية: خوف وطمأنينة على سطح واحد

وحدهم شبان الدراجات النارية يصيحون كرمال الله..يا سيد يلّا
وحدهم شبان الدراجات النارية يصيحون كرمال الله..يا سيد يلّا


صُوّبت كل الأعين على سكّان جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، منذ اللحظة الأولى لتطور الأحداث العسكرية على الحدود اللبنانية- الفلسطينية، بين عناصر من حزب الله والجيش الإسرائيلي، بالتزامن مع معركة "طوفان الأقصى". الأعين القلقة والمُتعاطفة والمتوجسة من الساعات المُقبلة ومن مصير الشعب اللبناني كله، إن قرّر حزب الله خوض هذه المعركة.. وكذلك الأعين الشامتة إلى حد ما من مصير مناصري حزب الله والبيئة الشيعية. لكن فعليًا يبقى التساؤل اليوم، هل سكان الضاحية الجنوبية باتوا على بُعد خطوات قليلة من الحرب والدمار. وهل حقيقةً أنهم خائفون، مترقبون، وراغبين بترك بيوتهم والنزوح إلى مناطق أكثر أمانًا، أم يترجم هذا التخوف، كحالة طبيعية للمشاعر الإنسانية؟


"يوم عادي"

وفي محاولة للإجابة على جميع هذه التساؤلات، جالت "المدن" في الضاحية الجنوبية، مشت في شوارعها الرئيسية وفي أزقتها الفرعية، تفقدت محالها التجارية ومحطات الوقود فيها، لمعرفة الجو العام المسيطر على المنطقة وسكانها.

نهار الأربعاء 11 تشرين الأول في الضاحية الجنوبية كان عاديًا إلى حد مدهش، إذ يعتقد واحدنا بأن حالة من الخوف لا بد أنها تمكنت من التسلل منذ مساء السبت إلى نفوس المواطنين لتعرقل أعمالهم اليومية. ولكن، يتبين لاحقًا بأن المنطقة بأكملها لا تعيش هذا الجو بالمطلق.

في الواقع، حالة الخوف هذه، تتفاوت وطأتها بين شخص وآخر، وهو أمر طبيعي. والحوار الذي يطغى على كل النقاشات منذ بواكير الصباح وحتى ساعات الفجر، هو الخوف والتوجس من تصعيد مفاجئ قادر على إحياء مشاهد تدمير الضاحية الجنوبية بمبانيها في حرب تموز 2006.

المشاريع العمرانية، بقيت على وتيرتها السابقة، المحال التجارية مفتوحة بالتوقيت العادي نفسه، حتى أن بعض المحال التجارية مددت ساعات عملها، والبعض قرّر "تقوية" تجارته تماشيًا مع الأحداث الأمنية. على سبيل المثال، عرض عشرات أعلام حزب الله وفلسطين أمام واجهة بعض المكتبات لبيعها، علمًا أنها مخصصة أساسًا لبيع اللوازم المدرسية. وكذلك الأمر لبعض متاجر البياضات، التي فرشت على أرصفة الشارع عشرات الفرشات الإسفنجية والوسادات، وهو المشهد الذي يعيد الأهالي إلى مرحلة نزوحهم من الضاحية الجنوبية نحو المدارس الرسمية في بيروت. وأيضًا، أولئك الذين يتحضرون لافتتاح محالهم التجارية، مستمرون في أعمالهم. المتسوقون في برج البراجنة وحيّ السلم والجاموس، يمارسون هوايتهم في التسوق والتجول كما السابق، المقاهي مفتوحةٌ بشكل طبيعي، ولكن دورها التقليدي تبدّل منذ يوم السبت الماضي، فتحولت من مقاهٍ تحتضن رواد الفوتبول وورق اللعب والنراجيل، لتصير مساحة دائمة لمناقشة تطورات الحرب، ورمي التحليلات السياسية والتوقعات للمرحلة المقبلة، وانقلبت محطات التلفزيون فيها، من Bein Sport إلى المنار والميادين والجزيرة..، فيما توجهت مجموعات أخرى من الشبان لمتابعة الإعلام العبري وتحليل المرحلة المقبلة المتوقعة. الصرافون أيضًا، ظهروا بحلة جديدة، فوضع بعضهم النراجيل على حافة الطرقات ومارسوا عملهم اليومي بشكل طبيعي.

أما مساء الإثنين، وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير، فرُصدت حركات استثنائية وطبيعية في الوقت عينه، لأعداد كبيرة من الشبان على الدراجات النارية، على امتداد أوتوستراد هادي نصرالله، وصولًا للمشرفية، حاملين أعلام حزب الله وفلسطين، مرددين بعض العبارات الحماسية وأبرزها "كرمال الله..يا سيد يلّا"، التي تحث أمين عام حزب الله على التدخل في هذه الحرب "لكسر رقبة إسرائيل" وتدميرها بالمئة ألف صاروخ. علمًا أن هكذا حركات باتت مألوفة في المنطقة بعد أي حدث أمني أو سياسي أو حتى اجتماعي. وفي ساعات الليل، يُسمع بين الحين والآخر، دوي إطلاق الرصاص المتفرق، والعشوائي من دون أسباب واضحة، يجرى التداول حينها بأن الرصاص العشوائي ناتج عن بعض النزاعات الفردية أو العشائرية في مناطق معينة، أو تعبيرًا عن فرحهم بالضربات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل.


الخوف من الحرب

أما في البيوت، فيبقى السكان منفردين بهواجسهم ومخاوفهم، متسائلين عن موعد الحرب وعن وجهتهم المقبلة، فتجدهم يجتمعون على شرفاتهم، ترقباً لصوت الـMK المُعروفة باسم "إم كامل" (المسيّرات الإسرائيلية)، ورشقات الرصاص المتفرق أو حتى صافرات الإنذار غير الموجودة في المنطقة كلها، ويترقبون قرار حزب الله، كأن يطلب منهم إخلاء المنطقة. ولم يُخف بعضهم تجهيزات عائلاتهم للحقائب، ووضعها على عتبات البيوت، والتي تضمّ أغراضهم الضرورية، كالذهب، والأوراق الثبوتية وعلى رأسها جواز السفر، تحسبًا لتطورات أمنية خطيرة، والمعلبات وبعض أنواع من الفاكهة، وأدوية الأمراض المزمنة، وحتى الحفاضات والفوط الصحية وبعض الملابس.

ومجموعات أخرى، يرتعبون من مصطلحات الحرب وتداعياتها، التي تذكرهم ببيوتهم المدمرة ومحالهم التي هُدمت منذ أكثر من 17 سنة جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وهم من حملة الجنسيات الأخرى إلى جانب اللبنانية، والذين قدموا إلى لبنان منذ أسابيع لقضاء العطلة الصيفية مع عائلاتهم، فتواصلوا مع سفارتهم، التّي أكدت لهم بدورها، غياب الاضطرار للهرب الآن، طالبةً منهم تفادي "الهلع"، كما أشار البعض "للمدن".

آخرون، انشغلوا لساعات طويلة، للبحث عن شقق للإيجار خارج الضاحية الجنوبية، في الشوف والجبل، للنزوح إليها في حال نشبت الحرب. وتوجهوا إلى محطات الوقود لتزويد سياراتهم بالوقود، بالرغم من جميع التطمينات من الدولة اللبنانية بعدم انقطاع المحروقات. والبعض الآخر، وضع حاجياته الضرورية في السيارة، تحسبًا لساعة الإعلان عن الحرب. أما الآراء فتنوعت بين مؤيد لحرب شاملة، لإزالة إسرائيل من الوجود تحت شعار "الموت أو النصر"، وبين معارض لتدخل حزب الله في معركة مع إسرائيل، تجنبًا لأي حرب تطال لبنان، لأسباب معروفة، وأهمها عدم قدرة الأهالي على تحمل أي حرب في ظل انقطاع الكهرباء، والأدوية، وانهيار الليرة اللبنانية، والشغور الرئاسي، وعدم قدرة المواطن على الطبابة وغيرها الكثير..

على هذا المنوال، تجري الحياة "الطبيعية" وإن طغت عليها النقاشات المتعلقة في ما يحدث في فلسطين اليوم. وفي دواخل جميع اللبنانيين يبقى سؤال: ماذا سيفعل حزب الله على الحدود اللبنانية- الفلسطينية.

تعليقات: