السؤال الأميركي-الإسرائيلي: هل سيفتح حزب الله جبهة الجنوب؟

مع استمرار عمليات القصف الإسرائيلية وتوعد الدولة العبرية بإطلاق عمليةٍ برية واسعة في قطاع غزة، تكثر التحليلات في مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأميركية عن احتمالات تمدد الصراع إلى لبنان، وكيف من الممكن أن ينعكس هذا التطور على مجريات الميدان.


احتمال دخول حزب الله الحرب

في هذا السياق، قال معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أنه بينما تشن إسرائيل حربها ضد حماس في غزة، فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه الولايات المتحدة سيكون منع التصعيد من خلال مشاركة حزب الله، والميليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا أو العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى إيران نفسها. معتبراً إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب يمكن أن يكون له عواقب كارثية على أمن إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة الآخرين، وعلى الاستقرار الإقليمي، وعلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وخارجه.

ورأى المعهد، أنه بدخول حزب الله في الحرب فسيكون بمثابة تطور مزعزع للاستقرار بشكلٍ كبير، ما يجعل ردعه أولوية قصوى، كما يتجلى في رسائل إدارة بايدن الواضحة حول هذه القضية، بدعمٍ من عمليات الانتشار العسكري الأميركي. وحسب المعهد دائماً، يبدو أن كلاً من إيران وحزب الله عازمان على الأقل في الوقت الحالي، على الحد من مخاطر التصعيد الكبير أو غير المقصود الذي قد يضر بمصالحهما الحيوية. وبعد أن نجحا ربما في تعطيل التطبيع السعودي الإسرائيلي، وجر إسرائيل إلى حربٍ مدمرة جديدة في غزة، فقد لا يرغبان في المبالغة في تقديراتهما.

بَيد أن المعهد الأميركي عاد ليشير بأن هناك عدة أحداث يمكن أن تغير حسابات حزب الله وإيران. وتشمل هذه الحسابات حدوث نكسة عسكرية إسرائيلية في غزة، أو التصعيد العرضي أو التدريجي الذي يولد الضغط على حزب الله أو إيران للرد، أو التراجع الملحوظ في الدعم الأميركي أو الأوروبي لإسرائيل. وبذلك، ستحتاج الرسائل الرادعة الموجهة إلى حزب الله وإيران وطبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل إلى تعديلٍ مستمر.


خشية تكرار سيناريو 2006

بدوره، قللّ "المركز العربي في واشنطن"، من فرضيات تمدد الصراع في لبنان، قائلاً أن إسرائيل ستتجنبها لأن الحرب على الجبهة الشمالية تحتاج إلى تركيزٍ كامل، وتخطيط دقيق، وتنفيذ لا تشوبه شائبة، خشية أن تتكرر الحرب المنهكة وغير المثمرة مع حزب الله في عام 2006، والتي استمرت لمدة 34 يوماً، ودمرت البنية التحتية في لبنان وأحدثت أضراراً كبيرة في شمال إسرائيل، وساعدت حزب الله على أن يصبح القوة السياسية والعسكرية المهيمنة في البلاد.

هذا هو السبب الذي جعل، حسب المركز، إدارة بايدن ترى أنه من الضروري إرسال قوة بحرية كبيرة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط كإشارة إلى حزب الله وإيران وآخرين بعدم فتح جبهة أخرى مع إسرائيل. وبينما يُستبعد استخدام الجنود والمعدات الأميركية بشكلٍ مباشر لردع أصدقاء حماس في لبنان وسوريا، فإن وجود حاملة الطائرات "جيرالد فورد" يكفي، وفق وجهة نظر المركز، لتحييد الجبهة الشمالية.


أسباب قد تردع حزب الله

وعن رغبة الحزب في دخول الحرب من عدمها، قال المركز أن هناك ثلاثة أسباب على الأقل تجعل مشاركة حزب الله بعيدة، رغم أنها ليست مستحيلة تماماً. فأولاً وقبل كل شيء، من المؤكد أن الحرب مع إسرائيل ستنتهي بتدمير كل ما لا يزال صالحاً من البنية التحتية في لبنان. ولن تؤدي الحرب مع إسرائيل في وقت الانهيار شبه الكامل للدولة اللبنانية ومؤسساتها وبنيتها الاجتماعية، إلاّ إلى مضاعفة معاناة الشعب اللبناني الذي يلوم الحزب بالفعل على منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ثانياً، لم يعد حزب الله قادراً على كسب موافقة فصائل سياسية كبيرة ومهمة في لبنان على استراتيجيته، كما كان الحال في عام 2006، عندما جمعه تحالف بالتيار الوطني الحر حينذاك. وهكذا، يختلف عام 2023 كثيراً عن عام 2006 عندما فُتحت منازل اللبنانيين لاستقبال الشيعة الذين نزحوا من الجنوب بسبب القصف الإسرائيلي لمدنهم وقراهم. ومن المرجح أن تؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان والكراهية تجاه حزب الله إلى عدم استقبال هؤلاء النازحين في العديد من مناطق البلاد.

ثالثاً وأخيراً، لا يمكن للبنان الواقع تحت نفوذ حزب الله أن يتوقع عملياً الحصول على الدعم المالي من دول الخليج العربية لإعادة بناء ما قد تدمره الحرب. ففي عام 2006، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي المليارات لإعادة تأهيل وبناء الأحياء والبلدات المدمرة في الجنوب والعاصمة بيروت. ولكن كل ذلك تغير منذ عام 2014، بالتوازي مع التوترات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتهجم أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، على دول الخليج، يُضاف ذلك إلى رفض الزعماء اللبنانيين الالتزام بمطالب صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحاتٍ اقتصادية لوقف الانهيار في لبنان. وبعبارةٍ أخرى، يعلم حزب الله جيداً أن دول الخليج لن تسارع إلى المساعدة في إعادة بناء لبنان إذا اندلعت حرب مع إسرائيل.


صورة الدمار المرعب

إلى ذلك، نشر آفي ميلاميد، المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق، مقالةً في موقع "ذا هيل" الأميركي، استبعد فيها تمدد الصراع إلى لبنان، لعدم قدرة الحزب الاعتماد على عنصر المفاجأة، حيث تعمل إسرائيل على تعزيز قواتها تحسباً لتصعيدٍ محتمل في الصراع. ولمنع تكرار صور الدمار في مراكز قوته وسيطرته.

واعتبر ميلاميد تدمير لبنان، الذي أصبح بالفعل على حافة الهاوية، من شأنه أن يؤدي إلى تفككه النهائي، وهو ما قد يصاحبه حرب أهلية لبنانية داخلية، سيتعين على حزب الله فيها تحويل موارده للداخل. من هنا، سيكافح حزب الله برأيه للحفاظ على استراتيجيته المتمثلة في التهديدات المحدودة والمسيطر عليها على الحدود.

تشير كل المؤشرات، وفق ميلاميد، إلى أن إسرائيل تبدو عازمة على القضاء على قدرات حماس العسكرية والتنظيمية. وهذا يمثل تحدياً لإيران، فإما ستقبل بخسارة قاعدة قوتها في غزة، أو ستدفع حزب الله إلى الحرب لمحاولة إنقاذ حماس والجهاد الإسلامي، ما يخاطر بإلحاق أضرارٍ كبيرة بالحزب إياه.


أقوى جيش غير حكومي في العالم

من ناحيةٍ ثانية، تحدثت شبكة "سي أن بي سي" الأميركية مع عدة خبراء حول إمكانية فتح الحزب لجبهة جنوب لبنان، فاعتبر فراس مقصد، الباحث البارز في معهد "الشرق الأوسط"، أنه إذا قرر حزب الله الانضمام إلى الصراع في إسرائيل فسيغير ذلك قواعد اللعبة لكونه يُعتبر أقوى جيش غير حكومي في العالم.

أما الدكتور جوزيف ضاهر، مؤلف كتاب "حزب الله.. الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني"، فقال للشبكة بأن الحزب لم يصبح لاعباً سياسياً وعسكرياً لبنانياً رئيسياً وحسب، بل أصبح لاعباً إقليمياً رئيسياً. مضيفاً "الحزب مرتبط جوهرياً بإيران أيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في حين أنه أيضاً ممثل لبناني يتمتع باستقلاليته الخاصة".


فيما استبعد هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، دخول الحزب المعركة بقوله "بغض النظر عن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لن يفتح حزب الله جبهة من جنوب لبنان ضد إسرائيل لأنه سيعطيها المبرر لتدمير لبنان. لقد أبلغت إيران إسرائيل والولايات المتحدة بالفعل من خلال أطراف ثالثة بأنها ستكبح جماح حزب الله".

تعليقات: