التكنولوجيا في الحرب: كيف تحدّت حماس إسرائيل

القدرة على الاستفادة من كل ما هو متوفر في غزة حتى آخر قطعة خردة (Getty)
القدرة على الاستفادة من كل ما هو متوفر في غزة حتى آخر قطعة خردة (Getty)


في المسلسل البرازيلي "3%"، تتجلى صورة عالمين متضادين: عالم يعاني من الجوع والظلم حيث يعيش الناس في فقر مدقع ويعانون من والقمع، وعالم ينعم بالرفاهية والتقدم، حيث تعيش القلة المختارة في جنة خضراء، ويتمتعون بكل سبل الراحة والتكنولوجيا.

لكن في أزقة العالم الأول الموحلة، تنشأ حركة مقاومة تسمى "القضية" (La Causa)، وتسعى إلى إزالة الجدار وإنهاء الانقسام بين العالمين.

التشابه بين قصة مسلسل "3%" وحالة غزة لا يقتصر على القمع والفصل العنصري، بل يمتد إلى استخدام التكنولوجيا البدائية بطريقة إبداعية كوسيلة للفوز على التكنولوجيا المتقدمة. فقد أظهرت مقاومة غزة في فجر السابع من تشرين الحالي أن التكنولوجيا الحديثة ليست دائماً هي العامل الحاسم في الصراعات. بل الابتكار الذي يجمع بين عناصر تقنية قد تكون بدائية، لكن استعمالها بطريقة إبداعية قد يحقق التفوق في لحظة ما من الصراع.


التخطيط والمباغتة

لا شك أن هجوم السابع من تشرين الأول كان نتاجاً لتحضير طويل الأمد، لكن الملفت في الأمر هو التمويه الذي مارسته حماس في السنوات الأخيرة لإيهام الاحتلال بأنها لديها أولويات أخرى مثل الاقتصاد والخدمات.

قامت حماس بتدريب عناصرها على التحليق بالمظلات تحت ستار الرياضة السياحية، حتى وصل الأمر إلى قيام برلماني ألماني بالتحليق في سماء غزة بواسطة المظلة كنوع من الدعاية لهذه الأنشطة السياحية.

لكن العالم مازال مذهولاً حتى اللحظة من الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في تتبع هكذا عملية ضخمة ومعقدة. وربما جاء التفسير المنطقي الوحيد على لسان المؤرخ "الليبرالي" يوفال نوا هراري في مقابلة قبل يومين، أن نتنياهو قام بتفكيك منهجي لمؤسسات الدولة وتحييد النخب القديمة في إسرائيل. وأشار بطريقة غير مباشرة أن هذا التشرذم قد لحق ببنية الموساد أيضاً.

في المقابل، فإن وسيلة التواصل بين المخططين لعملية "طوفان الأقصى" لا تزال مجهولة، لكن بعض التكهنات ترجح وجود شبكة هاتف أرضية خاصة، بينما استبعد بعض الخبراء استخدام حماس شبكة 2G القديمة في غزة بسبب سهولة اختراقها.

قيل بأن المظليين وراكبي الدراجات النارية من حماس لم يعلموا بالهجوم قبل اللحظات الأخيرة. وهم ظنوا أنهم في رحلة تدريب اعتيادية وهذه يفسر نجاح المباغتة والحفاظ على سرية العملية.


القبة والجِدار

تقوم القبة الحديدية على مبدأ ثلاثي المراحل، حيث ترصد الرادارات أولاً الأجسام الطائرة لا سيماً الصواريخ القصيرة المدى مثل "القسام"، بعدها يقوم برنامج كمبيوتر بتحليل وجهتها وتوقع مكان سقوطها. ففي حال كانت متوجهة إلى أماكن حيوية أو مأهولة، تقوم بطاريات الصواريخ المضادة بإطلاق ما يسمى بصواريخ "Tamir" لاعتراض الصواريخ المهاجمة وتفجيرها في الهواء.

نالت تكنولوجيا القبة الحديدية إعجاب الأميركيين ودفعتهم إلى الاستثمار فيها، لكن مثلها مثل أي تقنية عسكرية تحمل في طياتها نقطة ضعفها عندما يعلم الجميع كيف تعمل.

في فجر الهجوم تم إطلاق ما يقارب 4000 صاروخ من غزة باتجاه المدن والمستوطنات الإسرائيلية. وفقاً للتقارير، استخدمت حماس تكتيكات مثل إطلاق الصواريخ بشكل متزامن من مواقع مختلفة، مما أرهق قدرة القبة الحديدية على إعادة التعبئة من جهة وتتبع المسيرات (Drones) المزودة بقذائف من جهة ثانية التي استهدفت بدورها نقاط المراقبة والاستشعار على مراكز محددة في الجدار تمهيداً لإقتحامه بواسطة الجرافات.

لقد تم استعمال القبة الحديدية هذه المرة من قبل حماس نفسها كعنصر تضليل لضمان هجوم مباغت من قبل المسيرات على نقاط محددة، لتعطيل قدرة الجدار الدفاعية، مما سمح للمهاجمين بالعبور براً بواسطة الدراجات النارية، وجواً بواسطة المظلات المزودة بمحركات.


الحاجة أم الإختراع

لم يكن اقتحام حماس لمستوطنات غلاف غزة لينجح لو تم بطريقة أخرى. وهو إذ يظهر مدى الالتزام بالخطة، فهو يظهر أيضاً القدرة على الاستفادة من كل ما هو متوفر في القطاع حتى آخر قطعة خردة.

وبينت بعض الأفلام الوثائقية هذا الجانب، إن لجهة إعادة تدوير القذائف الإسرائيلية التي سقطت على غزة ولم تنفجر واستخراج المواد المتفجرة منها، أو نبش شبكة الأنابيب القديمة التي كانت تحت مستوطنات غزة قبل الانسحاب في 2004، واستخدام هذه الأنابيب لبناء صواريخ محلية الصنع.

ابتدع الغزاويون طرقاً لفك الحصار، فممنوع على غزة إدخال الفولاذ والإلكترونيات الحديثة ومواد أخرى عديدة، وعمدوا إلى حفر الأنفاق مع رفح المصرية لسنين، مما دفع إسرائيل إلى بناء جدار إسمنتي يمتد تحت الأرض حتى عمق عشرين متراً، فدفع بالغزاويين في السنوات الأخيرة للاعتماد على البحر المراقب أصلاً من السفن الإسرائيلية. لكن حماس قامت باستحداث وحدة مقاتلة من الغطاسين الذين يعملون على التقاط مستوعبات غاطسة، تحتوي على المؤن العسكرية، تلقيها السفن أثناء مرورها بموازاة بحر غزة.


هجرة التكنولوجيا

تعتبر إسرائيل من عمالقة الصناعات التكنولوجية في العالم، وتزايد في العقد الأخير اعتمادها على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. لكن يبدو أن إسرائيل قد نسيت أن الحدود الإسمنتية تتآكل أيضاً في الثورة الرقمية العالمية، وأنه من المستحيل قطع منفذ البشر إلى بعض التقنيات الحديثة رغم الحصار المحكم.

من المستحيل في عام 2023 تصور بناء جدار بين عالم يتمتع بكل التقنيات والرفاهية، وبين عالم يُراد له أن يعيش مع تقنيات القرن الماضي، وفي ظروف اجتماعية وصحية أشبه بمعسكرات الاعتقال، ويتوقع أن ينجح ذلك إلى ما لا نهاية.

لقد قامت إسرائيل بخلق بيئة استثمارية لقطاعات التكنولوجيا في السنوات الماضية بمساعدة الاستقرار النسبي الذي أمنته القبة الحديدية، وافتتحت العديد من الشركات الكبرى مثل فيسبوك وغوغل وأبل مقرات لها في تل أبيب، حتى أن شركة إنتل عملاق صناعة معالجات الكمبيوتر، كانت تخطط لفتح مصنعاً لها في إسرائيل بحلول 2027. لكن بسبب عدم الاستقرار، انتقلت بعض هذه الشركات التكنولوجية الكبرى إلى الهند، والبعض الآخر يخطط لذلك. ومن المتوقع أن تفقد إسرائيل حوالى 100,000 وظيفة في هذا القطاع، في حال استمرت حالة الحرب على قطاع غزة لمدة طويلة.

التكنولوجيا ليست متحيزة، هي مطواعة جداً للعقل الذي يقف وراءها، تظهر التكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية المتطورة وكأنها كتلة جافة مثل جالوت، بسبب العقل الأمني الذي يقف خلفها، والذي ينزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم، في حين ظهرت التكنولوجيا الفلسطينية بأنها مبدعة مثل داوود رغم بساطتها وتقادمها.


لقد قامت إسرائيل بخلق بيئة استثمارية لقطاعات التكنولوجيا في السنوات الماضية بمساعدة الاستقرار النسبي الذي أمنته القبة الحديدية، وافتتحت العديد من الشركات الكبرى مثل فيسبوك وغوغل وأبل مقرات لها في تل أبيب، حتى أن شركة إنتل عملاق صناعة معالجات الكمبيوتر، كانت تخطط لفتح مصنعاً لها في إسرائيل بحلول 2027. لكن بسبب عدم الاستقرار، انتقلت بعض هذه الشركات التكنولوجية الكبرى إلى الهند، والبعض الآخر يخطط لذلك. ومن المتوقع أن تفقد إسرائيل حوالى 100,000 وظيفة في هذا القطاع، في حال استمرت حالة الحرب على قطاع غزة لمدة طويلة.

التكنولوجيا ليست متحيزة، هي مطواعة جداً للعقل الذي يقف وراءها، تظهر التكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية المتطورة وكأنها كتلة جافة مثل جالوت، بسبب العقل الأمني الذي يقف خلفها، والذي ينزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم، في حين ظهرت التكنولوجيا الفلسطينية بأنها مبدعة مثل داوود رغم بساطتها وتقادمها.

تعليقات: