القصة الكاملة لـ كتائب القسام: مُقعدان غيّرا وجه الشرق الأوسط

الشيخ أحمد ياسين أستاذ اللغة العربية المؤسس (Getty)
الشيخ أحمد ياسين أستاذ اللغة العربية المؤسس (Getty)


لم يكن ليخطر ببال عبد الله صيام عام 1952 أن الفتيان الذين يدربهم على شاطئ غزة سيخرج من بينهم مَن يؤسس لمرحلة اقتحام عسقلان التي تهجّر منها. ولن يكون هذا سوى الفتى الذي أُصيب بشلل نتيجة خطأ وقع أثناء التدريب، أحمد ياسين، ابن قريته الذي عاش يتيماً.


التأسيس والانتفاضة

قُتل العقيد صيام وهو يقود معركة خلدة عام 1982، وقد بعث برسالته الأخيرة "لقد التحم المقاتلون بالأيدي". في العام التالي، يُعتقل أحمد ياسين ويُحكم بخمسة عشر عاماً سجناً، بتهمة حيازة أسلحة والعمل على إزالة "إسرائيل"، لكن جنديين إسرائيليين من أصل ثمانية جنود أسرتهم حركة "فتح" في لبنان، جرى مبادلتهما عام 1985 بأستاذ اللغة العربية الذي بات يُعرف بالشيخ أحمد ياسين، إضافة إلى آلاف الأسرى. في يوم إطلاق سراحه، اختلى الشيخ ياسين ببعض أصدقائه وتلاميذه في غرفة ببيته المتواضع بحي الصبرة بغزة، وقال لهم "إن خروجي بصفقة تبادل يرسخ قناعتي بأنه لا يجب أن نتوقف يوماً عن الإعداد العسكري".

في 8/12/1987 دهسُ مستوطن إسرائيلي مجموعة من الفلسطينيين عند حاجز إيرز، ومقتل أربعة فلسطينيين سيفجر "انتفاضة الحجارة". اجتمع ستة قادة من قطاع غزة ليلاً، وقرروا إطلاق حركة المقاومة الإسلامية التي ستُعرف اختصاراً بـ(ح م س)، قبل أن تصبح "حماس". قرار الانطلاقة جاء بعد تشاور واسع مع قادة الخارج والضفة الغربية. وسيوكل تأسيس جناح عسكري إلى شاب اشتُهر بصلابته أثناء عمليات التعذيب في السجن قبل أعوام قليلة، إنه صلاح شحادة، ابن يافا المحتلة اللاجئ في مخيم الشاطئ بغزة.

لاعب الكاراتيه الحائز على الحزام الأسود، سيجمع أولئك الذين كان يُدرّبهم سراً ويحدثهم عن المقاومة، أو حتى يخوض معهم صحراء النقب بعيداً من العيون في "تجهيز نفسي على مرحلة مقبلة"، ويؤسس "المجاهدون الفلسطينيون". يطمئنهم أن السلاح لن يكون عائقاً رغم ندرته، أو حتى انعدامه. فتنطلق العملية الأولى في بداية نيسان من عام 1988 بحي الصبرة. ثلاثة من الاستخبارات الإسرائيلية قتلى. وقد أوقعت بهم سكاكين التنظيم العسكري الجديد.


في الأسر

تتصاعد عمليات هذا التنظيم، وأكثرها بالسلاح الأبيض، فيشن الاحتلال حملته الأشد ضد الحركة الوليدة في نهاية العام نفسه، ويعتقل المئات من بينهم صلاح شحادة، الذي أصرّ على عدم الاعتراف بمسؤوليته عن كل هذه العمليات، رغم تراكم الأدلة.

شهران مضيا من العام التالي، قبل أن تنفّذ الوحدة (101) في "المجاهدون الفلسطينيون" عمليتها الأكثر جرأة: أسر أول جندي إسرائيلي خلال الانتفاضة. اختاروا رقم (101)، في تطابق مع رقم الوحدة الإسرائيلية (101)، التي نفّذت بقيادة أرييل شارون مذبحة قبية عام 1953 في الضفة الغربية. النتيجة أن آفي سبورتس سُجّل كأول جندي يأسره الجناح العسكري لحركة (حماس)، جرى قتله لعدم إمكانية الاحتفاظ به.

قبل أن تصحو "إسرائيل" من صدمتها، كان جندياً آخر يقع في قبضة الجناح العسكري لحماس بشهر أيار من عام 1989، إنه إيلان سعدون الذي لم يُعرف مصيره إلا حين العثور على جثته بعد سبعة أعوام. اتهم الاحتلال صلاح شحادة بأنه يعطي أوامر أسر الجنود من داخل سجنه، وأخضعه لتعذيب شديد، من دون أن يعترف بمسؤوليته.

لكن حين واجهه قائد المنطقة الجنوبية اللواء إسحاق مردخاي في السجن وقال له "إن رجالك جبناء"، ردّ شحادة بانفعال "بل رجالك الذين بالوا وتوسلوا حين أسرناهم". رواية يرددها عناصر وكوادر الجناح العسكري لحركة "حماس"، للدلالة على أن مؤسس هذا الجناح صمد في جولات التعذيب، لكنه لم يحتمل التشكيك بصلابة عناصره.


ولادة الجناح العسكري

اعتقالات ستطال المئات من أعضاء الحركة، من بينهم الشيخ أحمد ياسين. يأتي الغوث هذه المرة من ولاية فرجينيا الأميركية. طالب الدكتوراه في الهندسة الصناعية موسى أبو مرزوق، المولود في مخيم رفح، والمهجرة عائلته من مدينة الرملة، يذهب إلى غزة مباشرة متخفياً، ويبدأ الاتصال بمن لم تطله الاعتقالات، ويعيد تشكيل التنظيم. ثم في زيارة أخرى، تقرر فصل العمل العسكري عن بقية الأعمال الإدارية، وأُطلق في أيار عام 1991 على المنضمين إليه "كتائب الشهيد عز الدين القسام".

اختيار الاسم لاعتبارات عديدة، أولاً للحضور الغائر لابن مدينة جبلة السورية الشيخ عز الدين القسام في الوجدان الفلسطيني، فمقتله نهاية عام 1935 في أحراش قرية يعبد قرب مدينة جنين، أشعل الثورة الفلسطينية الكبرى. وهو أيضاً السوري الذي يعطي للمعركة بعدها المابعد وطني، وثالثاً لما تتركه رمزيته الدينية من تأثير تعبوي على أفراد القسام. ورابعاً حاجة "حماس" الماسة بأن تثبت أنها امتداد لثورات الشعب الفلسطيني، في رد على الاتهامات بأنها نأت بنفسها عقوداً عن الصراع.

في شهر تموز من العام التالي، يتم إرسال محمد صلاح، من ولاية شيكاغو إلى الضفة الغربية، فيتصل بصالح العاروري، ويتم تأسيس تشكيلات للمقاومة هناك. يُعتقل العاروري ويمضي بالسجن 15 عاماً، قبل إبعاده، كما سيُعتقل صلاح بعدها ويمضي أعواماً بالسجن. يدّعي كاتبان إسرائيليان هما روني شكيد وابيبيا شابي أن كتائب القسام أنشأت سراً في الولايات المتحدة معسكراً لتدريب عناصرها، وإن صحت تلك الادعاءات فقد تكون المحاولة الأولى لإنشاء بنية عسكرية لحماس خارج فلسطين. ما يعطي مصداقية لكلامهما أن بعض من تدربوا في الولايات المتحدة نفذوا عمليات في فلسطين.

توافَق مشروع تأسيس كتائب القسام في الضفة الغربية مع رؤية العاروري واثنين كانا معه في السجن عام 1990. ثلاثتهم من رام الله، توصلوا بعد حوار مطوّل لخلاصة أن العمل الشعبي يمكن أن يتراجع، ولا بد من إطلاق عمل عسكري. إضافة للعاروري فإن الشخص الثاني هو عادل عوض الله الذي درس الرياضيات واغتيل عام 1998. أما الثالث فهو إبراهيم حامد الذي أتم دراسة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، وعاش مطارداً حتى عام 2006، حين قُبض عليه وحُكم بالسجن المؤبد 54 مرة.


النقلة النوعية

قبل انطلاق كتائب القسام بعامين، وبعد انطلاقتها مباشرة، تكثفت العمليات ما بين دهس وقتل بالسلاح الأبيض، أبرزها عملية طعن عامر أبو سرحان لمجموعة من الجنود في القدس، وقتل ثلاثة منهم عام 1990، وتعتبر كتائب القسام العملية بداية التأريخ لما تسميه "ثورة السكاكين".

ستحدث نقلة نوعية في عمل الجناح العسكري لحركة "حماس" مع خروج شاب فلسطيني من السجن في العام نفسه، ولم يكن يبلغ العشرين من عمره. ابن مخيم جباليا، عماد عقل، الذي سيصبح المطلوب رقم 1 في عام 1991. نفّذ أكثر من 40 عملية ضد أهداف إسرائيلية، قتل خلالها 15 إسرائيلياً وجرح العشرات، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين بالأسطورة.

عرفه الفلسطينيون بـ"الملثّم"، وهو يظهر في أفلام تسجيلية يهدد الاحتلال بعد كل عملية، وغالباً ما يحمل بندقيته الكارلو التي استهدف فيها قائد قوات الاحتلال في غزة، وهي قد تكون أول عملية مصورة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال. يتنقل بين غزة والضفة والقدس، يؤسس المجموعات العسكرية، وينفّذ العمليات الجريئة من غزة إلى الخليل. راجت حينها عبارة القتل من مسافة صفر، كناية عن جرأته في الاقتراب من الذين يستهدفهم.

الشاب الذي شغل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء طيلة أعوام، سيُقتل في اشتباك مسلح أثناء تواجده في منزل عائلة صديقه نضال فرحات في غزة نهاية عام 1993. أما نضال فسيصنع أول صاروخ قسام بعد ذلك بسنوات ثماني، ويُغتال عام 2003 وهو يحاول صناعة طائرة مسيرة. وستُصبح والدته رمزاً من رموز كتائب القسام بعد تداول تسجيل مصور لها وهي تودّع ابنها محمد قبل اقتحام مستوطنة عتصمونا، وتوصيه بكيفية إطلاق النار، فيقتل 9 جنود إسرائيليين ويجرح حوالى العشرين.



إنها "حماس" وكتائبها العسكرية، من البدايات المنطلقة بعد غزو لبنان عام 1982، إلى ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى. التشكيل السياسي والخلايا المقاوِمة، وخيار الكفاح المسلح (راجع الجزء الأول). القصة الكاملة لكتائب القسام.

هنا الجزء الثاني:


بعد النقلة النوعية في عمل الجناح العسكري لحركة "حماس"، على يد عماد عقل، مطلع التسعينات، كان حضور حركة "حماس" يتوسع في الضفة وغزة، ومعها جناحها العسكري، كتائب القسام، الذي راح يكتسب خبرات إضافية في التمويه والتصنيع وتهريب السلاح. نهاية عام 1992 وقع حدث سيغير كثيراً من واقع كتائب القسام. فأسر الكتائب للجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو في القدس، بهدف مبادلته بالشيخ أحمد ياسين، ثم مقتله خلال اشتباك، سيدفع الاحتلال إلى إجراء غير مسبوق منذ عام 1948، بإبعاد 400 من قادة حماس إلى لبنان، إضافة إلى 15 من حركة "الجهاد الإسلامي". وبين مبعدي حماس كان الكثير من القادة العسكريين الذين تجهل إسرائيل دورهم، ومن بينهم تلميذ عبد الله عزام، وهو عز الدين الشيخ خليل، الذي سيبقى في الخارج لإسناد كتائب القسام حتى اغتياله في دمشق عام 2004.


يحيى عياش و"العمل الاستشهادي"

قبل الإبعاد بعام، كان حدثاً يقع داخل كلية الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت، سيدفع بمسار كتائب القسام، ويكون بداية لتغيير في مجمل العملية السياسية في المنطقة لاحقاً. الشاب الهادئ القادم من سلفيت يحيى عياش، الذي غالباً ما يلف عنقه بكوفية حمراء، يبوح لصديق له في الكتلة الإسلامية، الجناح الطالبي للحركة، بأنه يستطيع صناعة متفجرات من مواد كيميائية متواجدة في الصيدليات والمحال التجارية. لم يكن يعرف أن هذا الصديق الذي لم يُبدِ أية رد فعل ينتمي لكتائب القسام.

حُمل حديثه إلى أحد قادة القسام، والذي يدرس في الجامعة نفسها. التقاه جانباً على مدرّج الطلاب في كلية الهندسة، كما يُخبر. كان يحيى من الذكاء بحيث اكتشف سريعاً أبعاد الأسئلة، وسبب إلحاح صاحبها على معرفة التفاصيل، فشرح مشروعه. اللقاء الذي استمر لساعتين كان بداية لانطلاقة جديدة لكتائب القسام، كما ستكشف الأيام اللاحقة.

16 نيسان 1993 تؤرخ له كتائب القسام كنقطة انطلاقة العمل الاستشهادي في الكتائب، وأرخ له الصحافي الإسرائيلي ألكس فيشمان "بداية قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية". ساهر تمام، شاب مُنعَم من نابلس لم يتجاوز 22 من عمره، يُفجر سيارته المفخخة بين حافلتين عسكريتين قرب مدينة بيسان فيقتل جنديين.

سيلجأ "المهندس" كما بات يُعرف منذ ذلك الحين، إلى المغاور والكهوف، ينام هناك، تؤنسه صناعة القنابل وتطويرها في كهفه، الذي صار مختبره، وسليمان زيدان الذي سينفذ العملية الاستشهادية التالية حين فجّر سيارته المفخخة بحافلة للجنود، وقتل ثلاثة منهم. الملاحظة الجوهرية أن كتائب القسام حتى ذلك الحين كانت تتجنب قتل المدنيين الإسرائيليين، بل حتى المستوطنين. حدث غير الاتجاه، وأدخل المدنيين الإسرائيليين في لائحة أهداف القسام.

يحيى عياش


بروز محمد الضيف

ففي فجر الجمعة من 25 شباط 1994 نفذ الطبيب الصهيوني باروخ جولدشتاين مذبحة في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل أدت إلى مقتل 29 مصلياً وجرح 150 آخرين. حديث عن تواطؤ جنود الاحتلال. وزاد شكوك الفلسطينيين القرارات التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية إثرها وقسّمت بموجبها الحرم بين المسلمين واليهود. ولتبدأ عمليات انتقام "المهندس" بعد ذلك بشهر ونصف بتفجير الحافلات الإسرائيلية في عمليات استشهادية واسعة. شعور القسام بخطورة استهداف المدنيين رغم "الشعب المحارب" الذي شكله الاحتلال، جعلها تعرض الهدنة بعد ذلك بشهر، وأن يتم إخراج المدنيين من الصراع. لم ترد "إسرائيل" على المبادرة.

في شهر تشرين الأول من العام، سيبرز اسم قائد جديد، يجيد توزيع الأدوار، وصناعة المشهد، وخلفيته الثقافية في المسرح تسمح له بصناعة الصورة. محمد الضيف يشارك يحيى عياش بالتخطيط لعملية أسر جندي إسرائيلي. تنجح عناصر من القسام باقتياد الرقيب نخشون فاكسمان إلى قرية قرب رام الله. قُتل ضابط وجندي إسرائيليان إضافة إلى فاكسمان، أثناء محاولة تحريره.

تصاعدت عمليات القسام وتنوعت ما بين تفجير ومحاولة اقتحام. وفي تموز 1995 يُعتقل رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت كانت تتلقى كتائب القسام الدعم من جهات شعبية غالباً، تتوزع بشكل رئيسي في ثلاث دول، هي الولايات المتحدة والسعودية والكويت. خسارة ساحة الولايات المتحدة حيث الثقل الفلسطيني والعربي الداعم، لم يكن حدثاً هامشياً بالنسبة للكتائب.

في بداية الشهر الأول من عام 1996 يتعرض المهندس يحيى عياش لعملية اغتيال بتفخيخ هاتفه النقال. تعِد كتائب القسام بأن الرد سيكون مؤلماً. قليلون هم من صدّقوا، فمعظم قادتها موزعون ما بين سجون السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" والولايات المتحدة، والبيئة الدولية والإقليمية غير مؤاتية. لكن كان الضيف يجهز الخلايا العسكرية، ويوزع المهام، بعد أن تولى مسؤولية تأمين التمويل اللازم. حسن سلامة، صديق عياش، يصر على أن يكون "أحد الاستشهاديين". لكن الضيف يلحّ عليه بأن يكون المسؤول عن التخطيط والإشراف الميداني على عمليات "الثأر المقدس".


الانتخابات والحروب الأربعة

ابن خان يونس الذي عمل طويلاً مع محمد الضيف، استطاع أن يشرف على عمليات أدّت إلى مقتل 46 إسرائيلياً. مؤتمر دولي في شرم الشيخ رداً على العمليات فشل في إنقاذ شمعون بيريز وعملية التسوية. لم تتوقف عمليات كتائب القسام في عهد نتنياهو الذي جاء إلى رئاسة مجلس الوزراء في العام نفسه، فحاول اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في العام التالي، فشل العملية قاد إلى تحرير الشيخ أحمد ياسين.

سيعلن أرييل شارون دفن عملية التسوية مع اقتحامه المسجد الأقصى، ولتنطلق مرحلة جديدة في تطور كتائب القسام حين اقتربت رؤيتها من رؤية كتائب شهداء الأقصى للصراع مع الاحتلال. وراح ياسر عرفات يهاتف رؤساء الفصائل ويحثهم على المشاركة في المعركة، كما يردد مطلعون. دخول (حماس) في الانتخابات عام 2006، على خلاف نصائح إيرانية بعدم المشاركة، بعث شكوكاً بأن الخطوة ربما تؤدي إلى نهاية كتائب القسام. لكن عملية قادتها الكتائب بعد أشهر قادت إلى أسر الجندي جلعاد شاليط كانت رسالتها واضحة بأنه من الصعب تطويعها بالسياسة. ومن المفارقات أن تاريخ فوز حماس بالانتخابات التشريعية 25 كانون الثاني هو التاريخ نفسه لتجنيد شاليط.

خاضت كتائب القسام خلال حكمها أربع حروب كبيرة، قبل عملية طوفان الأقصى الأخيرة، وهي في أعوام (2008، 2012، 2014، 2021) إضافة إلى المعارك التي دامت أياماً أو ساعات قليلة. تطور الأداء بشكل مذهل تحت قيادة قائد يُقال إنه مقعد نتيجة سبع محاولات اغتيال. صاروخ القسام الذي كان مداه 1.5 كلم عام 2001 أصبح صاروخاً بدائياً مقارنة بصاروخ العياش الذي يبلغ مداه 250 كلم.


مشروع الأنفاق.. ونخبة العلماء

كذلك الأنفاق التي يصفها الاحتلال بأنها غزة ثانية، وهي التي كانت أشبه بحلم يدور في مخيلة رئيس أركان القسام أحمد الجعبري الذي اغتيل عام 2012. عرض المشروع على قيادة حركة (حماس)، بتكلفته الهائلة، والتي ترفض الحركة البوح بالرقم المالي، لكنها استثمرت كل علاقاتها الرسمية والشعبية لتأمين المبلغ، كما عمل عليه مهندسون ليل نهار.

لكن كيف استطاعت كتائب القسام تحقيق كل هذا، واحتمال اغتيال مئات القادة؟ يمكن تخمين عدة عوامل، أولها كثافة الرموز الذين يتمثل بهم عناصر القسام، وقاموا بتضحيات هائلة للوصول إلى هذه الحالة. ثانياً العلاقات الخارجية للقسام التي لم تتوفر لفصيل فلسطيني آخر. فعدا عن العلاقات الرسمية المعروفة، يمكن الحديث عن علاقات شعبية مفيدة إن كانت على صعيد تطوير القسام، وإن على صعيد التمويل.

فمثلاً يمكن النظر إلى رموز قسامية غير فلسطينية. منهم: المهندس التونسي محمد الزواري الذي قام بتطوير طائرات القسام، العالم الكيماوي العراقي طه الجبوري والذي قام بتطوير قدرات القسام الصاروخية، وهو معتقل اليوم داخل العراق. ولولا اغتيال الأول واعتقال الثاني لما عُرف عنهما شيئاً، بما يوحي بوجود طاقات غيرهما.

مسألة ثالثة أَولاها القسام أهمية كبرى هي مسألة التعليم، وإرسال البعثات التعليمية، والاستفادة من الكوادر العلمية الموجودة. وأيضاً يمكن الحديث عن أمثلة كثيرة، منها: عبد الله البرغوثي، الأسير المحكوم بالسجن المؤبد 67 مرة، إضافة إلى خمسة آلاف ومئتي عام، وقد درس الهندسة الإلكترونية في كوريا الجنوبية. الدكتور المهندس جمال الزبدة الذي اغتالته "إسرائيل" عام 2021، وهو الذي عمل في وكالة ناسا، ثم مسؤولاً عن تطوير صواريخ القسام. وهناك فادي البطش الذي اغتاله الموساد في ماليزيا عام 2018، وهو دكتور من غزة لديه براءات اختراع ويحاضر في الجامعات الماليزية، واتهمته "إسرائيل" أنه يقف خلف مشروع الطائرات المسيرة.

استطاعت كتائب القسام أن تتخطى الكثير من الظروف الصعبة، وتحقق صموداً مستفيدة من حاضنة شعبية واسعة، لكن هذه المرة الظروف تغيرت، إذ إن هدف الحرب شبه المعلن هو تهجير هذه الحاضنة، بتأييد من القوى الدولية الأفعل، فهل تنجح "كتائب الشهيد عز الدين القسام" بتحقيق مفاجأة جديدة، تُضاف إلى مفاجآتها السابقة؟


(يُتبع)

صلاح شحادة
صلاح شحادة


عماد عقل
عماد عقل


يحيى عياش
يحيى عياش


ساهر التمام أول الاستشهاديين
ساهر التمام أول الاستشهاديين


محمد الضيف
محمد الضيف


تعليقات: