التدفق السوري عبر الحدود: إحباط 1500 محاولة تسلل بأسبوع

رغم المخاطر التي يواجهها لبنان يحاول الكثير التسلل إليه من سوريا (الأرشيف)
رغم المخاطر التي يواجهها لبنان يحاول الكثير التسلل إليه من سوريا (الأرشيف)


بينما تستعر المناوشات على حدود لبنان الجنوبيّة والجنوبيّة الشرقيّة وتتفاوت وتيرتها بين يومٍ وآخر، في مشهدٍ يشي بمخاطر يتجه نحوها لبنان، بقي التّوتر الحدوديّ شمالًا وفي الشمال الشرقيّ (البقاع الشماليّ) الذي خبرناه في الشهور الأخيرة. إذ تستمر حركة التّهريب غير الشرعيّ للآلاف من المهاجرين السوريين غير النظاميين. هذه الظاهرة التّي كانت المُحرك الأساس للتحريض الشعبوي الأخير، المُطالب بطرد اللاجئين من لبنان كيفما اتفق، بالعنف المنفلت تارةً، والتّجاوز القانونيّ والتّشريعيّ طورًا.. على اعتبار أن طردهم سيكون الفيصل في حلّ أزمات لبنان كافةً، رغم أن الحقائق والمعطيات دحضت مرارًا هذه النظريّة.

فيما لا يزال ملف الشغور الرئاسيّ وما يترتب عنه من تشتت في السّياسات العامة والدبلوماسيّة مع الجانب الأوروبيّ (كذلك العربيّ وتحديدًا الخليجيّ) الذي يضغط على لبنان لحلّ هذا الملف التّي بدأت ارتداداته تنعكس طرديًا على أوروبا، الخائفة من "السّيل البشريّ" في حال انهار السّد اللّبنانيّ المنيع، وفشل الرؤى الاستراتيجيّة الداخليّة، فضلًا عن رداءة الحوار مع الجانب السّوريّ الذي لم يعترف أو يتحمل مسؤوليّة أفعاله لحدّ اللحظة، مستفيدًا من الوضع، في تغذيّة اقتصاد التّهريب، عبر تشغيل عناصره الأمنيّة وتحديدًا "الفرقة الرابعة" على الحدود، كمنظم لهذا الاقتصاد المارق.


توقيف شبكات تهريب

منذ نحو اليومين، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخليّ، أنّه وبتاريخ 17 تشرين الأول الجاري، أوقفت شعبة المعلومات اللّبنانيّ "أ. ح." (مواليد 1970)، المتورط الرّئيسيّ لما أُشير إليه بعملية "تهريب سوريّين بطريقة غير شرعيّة عبر البحر"، وقد تمّ توقيف المُشتبه به في بلدة الحريشة- عكار بعد عملية مراقبة دقيقة من قبل إحدى دوريات الشعبة.

وبعد التّحقيق معه، اعترف بأنه قام في وقتٍ سابق بمحاولة تهريب سوريين بطريقة غير قانونيّة عبر البحر، ولكن تمّ إحباط هذه المحاولة من قبل الأجهزة الأمنيّة. وأكدّت المديرية أيضًا أنه كشف عن نقل سيارتين مسروقتين إلى منطقة البقاع لصالح شخص سوري. وأوضحت أنه تمّ اتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة ضدّه، وتمّ تقديمه إلى السّلطات المُختصة بناءً على توجيه القضاء.

وهذا العمليّة ليست الأولى من نوعها هذه الفترة. فبتاريخ 11 تشرين الأول الجاري، صدر عن قيادة الجيش بيان، أشارت فيه لكونها أحبطت وفي أسبوعٍ واحد، 1500 محاولة تسلّل لسّوريّين عبر الحدود اللّبنانيّة-السّوريّة.


الحدود المنفلتة

والواضح، ومن خلال ما شهدناه في الفترات السّابقة، أن الجيش اللّبنانيّ، للآن عاجزٌ عن الإحكام بكل المنافذ البريّة التّي تربط البلدين، أكان لجهة الصعوبة الفنيّة واللوجستيّة والنقص الحادّ في العناصر العسكريّة (4 أفواج برية، أقلّ من ستة آلاف عنصر موزعين على كامل الحدود مقابل سيل بشريّ من المهاجرين واللاجئين)، المُراقبة والضابطة، فضلًا عن تقاطع العوامل الجغرافيّة (التّضاريس) والسّياسيّة والاجتماعيّة (بحكم القرابة والمصاهرة التّي تربط القرى الحدوديّة على مقلبيْ الحدود).

هذا كلّه مُضافًا لواقع اقتصاد التّهريب الذي تتشاركه أطراف سورية مع حلفائها في الداخل اللّبنانيّ كحزب الله، الذي يَسّرَ التّفلت الحدوديّ الحاصل تحديدًا في المنطقة الحدوديّة الممتدة من أقصى البقاع الأوسط لأقصى البقاع الشماليّ، وما يحدوها من تشعبات، وتُسيطر عليها غالبًا عناصر حزب الله والفرقة الرابعة (راجع "المدن"). وحسب ما تُشير المعلومات والمعطيات الميدانيّة، فإن هذا الواقع عزّز بشكلٍ أو بآخر، مبدأ الإفلات من العقاب، وخصوصًا لأولئك المُهربين الحاصلين على تزكيّةٍ من قوى الأمر الواقع (عشائر وأحزاب) في البقاع الشماليّ، حدّ اعتمادهم وخلال محاولة قوات الجيش القيام واجباتها في إحباط محاولات التّهريب، بإطلاق النار المباشر على العناصر.


مهاجرين غير شرعيين

حاورت "المدن" عددًا من المهاجرين غير الشرعيين، الذين وصلوا لبنان في الفترة الممتدة بين آب الفائت والشهر الجاريّ، وقد أجمع غالبيتهم أن أسباب "تسللهم" هي بالأصل ماديّة، مُصرّين على أن أموال الجمعيات والمنظمات الدوليّة (التّي لا تُقدم لهم)، ليس في اعتباراتهم أو مكمن طمعهم في الوصول إلى لبنان. بل الانحدار المُزمن في سعر صرف الليرة السّوريّة مقابل الدولار الأميركيّ، وسط انفلات هائل في أسعار السّلع والبضائع، وما يتبع ذلك من احتكارٍ له.

ويُشير هنا، محمد ج. (35 سنة، سوريّ) وهو أحد المهاجرين السّوريين (منذ شهر آب) الذين التقت بهم "المدن" في منطقة برج البراجنة، أنّه "اضطر للتسلل إلى الجانب اللبناني عبر الحدود الشماليّة الشرقيّة وتحديدًا من الهرمل، بسبب الظروف الاقتصاديّة الخانقة في سوريا"، "وأنّه جاء للعمل في أي وظيفةٍ كانت، لحين توافر الفرص للهجرة نحو أوروبا". وهذا حسب قوله، لا يتمّ سوى بتأمين مبلغ ماليّ يُحتسب بالدولار لدى تسديده فاتورة السّفر بحرًا عبر القوارب المنطلقة من الشّواطئ اللّبنانيّة، فيما لفت أن أولاده كانوا السّبب الأساس في مجيئه إلى لبنان، إذ يحاول بشتّى الطُرق تسجيلهم في المدرسة، وبذلك يسهل عليهم "الاندماج" في أوروبا، لدى سفرهم. لكنه لم يُخف أن رحلة السّفر الشاقة من ريف حمص باتجاه بيروت، لم تكن سهلة بتاتًا، وأنها كلفته مبالغ استلفها من عددٍ من أقربائه. فيما يبقى حلم اللجوء إلى أوروبا وتحديدًا ألمانيا، هو أولويته.

فيما يستطرد أحد أصدقائه، المُلقب بـ"أبو محمد" قائلًا: "أما أنا فقد رُحلت مرتين تقريبًا منذ مجيئي أول مرة إلى لبنان، وذلك عام 2014 هربًا من الظروف الأمنيّة، وكل مرة كنت أُرحل فيها، كنت أستطيع العودة خلسةً، حاولت تسوية أموري لدى المفوضيّة ولم أنجح، ثمّ حاولت مرارًا توكيل محامي لتسيير أموري القانونيّة، إلا أنني في نهاية المطاف أُرحَّل في كل مرة. هذه المرة أنا وغيري تحت مجهر السّلطات، لذلك أحاول بشتّى الطرق تأمين عمل جانبيّ لتوفير لقمة العيش، وإذا أُتيحت لي الفرصة للسفر، فلن أتردّد ولو تركت عائلتي مدّة وجيزة في لبنان".


اللجوء المُستجد

لوحظ في الفترة الأخيرة أن عددًا لا يُستهان به من القادمين إلى لبنان، وتحديدًا منذ مطلع الشهر الجاري، هم من الفارين من الظروف الأمنيّة في سوريا، والمتوجسين من توسع مروحتها إلى مناطقهم، وخصوصًا القاطنين في محيط إدلب، التّي تستمر فيها الغارات الجويّة الروسيّة منذ نحو الخمسة عشر يومًا. وبالرغم من كون المنطقة المحاصرة غربي سوريا والتّي يقطن فيها ما يربو عن الثلاثة ملايين نسمة (من النازحين والسكّان الأصليين) خاضعة لسيطرة المجموعات المعارضة (القاصرة عن التهدئة والتّسوية) بات السكّان الرازحون تحت ضغوطهم المعيشيّة والخطر الأمنيّ والاستهداف المباشر، أكثر هشاشة وضعفًا.

وحسب ما يُشير مطلعون لـ"المدن" أمام هؤلاء ثلاث خيارات: إما النزوح لمناطق النظام (إذا ما استطاعوا)، أو البقاء تحت رحمة الروسيّ (أحد الضامنين –للمفارقة- لاتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي تم التوصل إليه مع تركيا في عام 2020)، أو اللجوء غير النظاميّ إلى تركيا أو لبنان (كحلّ أخير، خصوصًا أن تركيا قد كثفت تواجدها الأمنيّ على حدودها لمنع موجات لجوء جديدة). وهذا الواقع يضع لبنان الرسميّ مُجدّدًا في مأزقٍ حقوقيّ جديد، إذ أن هؤلاء الهاربين من بطش الأسد واستشراس الروسيّ، لا يحقّ له ترحيلهم، فيما قد يتذرع البعض من المتسللين ومن المهاجرين بهذه الذريعة للمرور من لبنان.


هذا فيما لا تُنكر مصادر حقوقيّة، ورسميّة في الأمن العام، ملاحظتها لحركة نزوح مُعاكسة إلى الداخل السّوريّ من قبل عدد قليل من المقيمين وبصورة نظاميّة في لبنان، أي من القاطنين فيه قبل الحرب السّوريّة، ومن غير اللاجئين من الحرب أو الظروف الاقتصاديّة. خوفًا من تورط لبنان في حرب مع الجانب الإسرائيليّ. كما وأشارت هذه المصادر أن حركة نزوح (راجع "المدن") اللاجئين من المناطق المحاذية للمناوشات الإسرائيليّة – حزب الله على الحدود مستمرة، وسط تخبط في الرؤى الحقوقيّة والإنسانيّة وغياب خطط طوارئ حقيقيّة لحماية من نيران الحرب إذا نشبت.

تعليقات: