المنحتان الأميركية والقطرية تنفدان: العسكر سيخسر المئة دولار والطبابة

محاولات حثيثة لاستئناف الدعم الماليّ للمؤسسات الأمنية والعسكرية (مصطفى جمال الدين)
محاولات حثيثة لاستئناف الدعم الماليّ للمؤسسات الأمنية والعسكرية (مصطفى جمال الدين)


هل سيتمدّد الشغور الرئاسيّ باتجاه قيادة الجيش أيضًا؟ وهل سينهار حصن الدولة اللّبنانيّة المنيع، مقابل فشل "الجهود" لإنجاز الانتخابات الرئاسيّة بصورةٍ عاجلة؟ وما مصير العناصر الأمنيّة المُفقرة في حال نشوب حرب، هم الذين تبدلت أحوالهم جذريًّا، إذا ما أردنا وضع مقارنة مع أحوالهم في حرب تموز العام 2006 (وحتّى ما قبل الانهيار بأشهر)؟ أسئلةٌ وغيرها الكثير، تعتمل في زاوية الاهتمامات الرسميّة والشعبيّة، التّي صُبت مؤخرًا في مستجدات الاعتداءات الإسرائيليّة على قطاع غزّة، وإمكانية تحييد لبنان عن الانخراط في حربٍ إقليميّة.

اليوم، وأمام الخطر المُحدق، بفراغٍ في قيادة الجيش، ذلك بعد انتهاء ولاية العماد جوزيف عون وإحالته إلى التّقاعد في كانون الثاني المُقبل (عطفًا على تعثر انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة)، وانتهاء المنحة الأميركيّة المُقدمة لعناصر قوى الأمن الداخليّ (المئة دولار شهريًّا)، ومشارفة المنحة القطريّة على الانتهاء في آذار المُقبل لعناصر الجيش اللّبنانيّ.. يبدو التساؤل أساسيًّا، عن توجهات السّلطات الرسميّة لتدارك هذا الوضع الذي من شأنه تعميق أزمة هذه المؤسسات وعناصرها أكثر، في هوة الانحلال المؤسساتيّ العميم.


ما هي المنحة الأميركيّة والقطريّة؟

في كانون الثاني الماضي، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في بيروت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عن إطلاق "برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي LAF/ ISF Livelihood Support Program "، والذي وفّر 72 مليون دولار على شكل دعمٍ ماليٍّ مؤقّت لعناصر الجيش اللّبناني (LAF) وقوى الأمن الداخليّ (ISF) ، وقد وُفّرت هذه المساعدة الماليّة بقيمة 100 دولار شهريًّا لكل العناصر المستحقين، وذلك بموجب قانون الولايات المتحدة لمدّة ستة أشهر. (بدأت العناصر الأمنيّة استلامها عبر مراكز OMT بعد إبراز بطاقتهم العسكريّة في هذه المراكز، بداية شهر آذار، حتّى أيلول الفائت، فيما استلمها عناصر الجيش بالآليّة نفسها بداية حزيران الفائت، على أن تكون الدفعة الأخيرة في تشرين الثاني المُقبل). ذلك مقابل التزامٍ لبناني رسميّ بالسّير بالإصلاحات والاستحقاقات الدستوريّة.

أما المنحة القطريّة، في كانون الأول 2022، فقد أعلنت وزارة الخارجيّة القطريّة دعمًا ماليًا بقيمة 60 مليون دولارًا للجيش اللّبنانيّ. وفي آب 2022، أعلن الجيش استلام الدفعة الأولى من هذا الدعم الذي قدمه أمير قطر لدعم رواتب العسكريين، وقام الجيش بتوزيعها بالتساوي على جميع أفراده. وأعلن المتحدث الرسميّ باسم وزارة الخارجية القطريّة، ماجد الأنصاري، في آذار الماضي، عن تسلّم الجيش اللّبنانيّ دفعة جديدة من الهبة الماليّة، التّي أعلنتها دولة قطر، في إطار دعم الجيش اللبناني، وكمساهمة لدعم رواتب عناصر الجيش.

لكن مع بدء توزيع الدعم المالي الأميركي للعسكريين، توقفت الدفعة القطريّة المُخصصة لسنة واحدة، والتّي تنتهي في شهر تشرين الثاني المقبل. وسيتم استكمال الدفعة القطريّة التّي ستنتهي في آذار المقبل. هذا فيما وردت معلومات صحافيّة متفرقة عن إجراء الجهات الأميركيّة لتحقيقات مع ضباط قطعات قوى الأمن الداخليّ، تختص باستفادتهم من هبة المئة دولار، لتعود وتنفي المديريّة هذه المعلومات.


هل هناك أي تمديد للهبات؟

ورد في أكثر من تقريرٍ صحافيّ أن هناك محاولات شتّى لاستكمال الدعم القطريّ – الأميركيّ، للمؤسسات اللّبنانيّة العسكريّة والأمنيّة، أكان بالمال أو المحروقات (التّي كانت توفرها المنحة القطريّة سابقًا)، وكذلك من ناحية العتاد العسكريّ. وقد ساءلت "المدن" عددًا من المصادر الأمنيّة رفيعة المستوى، عن صحّة ما يُتداول، خصوصًا أن العناصر الأمنيّة في قوى الأمن الداخليّ التّي لم تحصل هذا الشهر على المئة دولار أميركيّ، يتململ في صفوفها نوعٌ من السّخط والتّوجس، أكان من جهة "حرمانهم" من المساعدة الرمزيّة التّي من شأنها التّأثير المباشرة على قدرتهم الشرائيّة، هذا في ظلّ التّهديد بحربٍ متوقعة، إلا أن المصادر لم تنف المحاولات الحثيثة لاستئناف الدعم الماليّ، مستبشرةً خيرًا، بالرغم من تأكيدها أن واشنطن والدوحة لم تقوما لحدّ اللّحظة بمفاوضات تتعلق بهذا الصدّد.


عودة الطبابة وغياب المنح الدراسيّة

وبعد سلسلة تظاهرات مطلبيّة اتسمت بطابعٍ تصعيديٍّ عنيف، تمكنت روابط وتجمعات قوى الأمن الداخلي والأمن العام وتحديدًا روابط المؤهلين والمؤهلين أول، من انتزاع حقّهم بمستحقات المحروقات، بناءً على المرسوم 1595/84 الذي ينصّ على تحديد تعويضات المؤهلين والمؤهلين الأول من رتباء الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، مخصصًا نسبة 75 بالمئة من قيمة التعويضات المُخصصة حسب الوضع العائلي لملازم درجة أولى في الخدمة الفعليّة أو في التقاعد (ومن جملتها المحروقات، 5 صفائح بنزين).

أما الطبابة لكل من العناصر في الخدمة الفعليّة والمتقاعدين، فعادت تدريجيًّا، فيما تلتزم بعض المستشفيات بصيغة العمل ذاتها، واستقبال العناصر وذويهم كما جرّت العادة مقابل مبالغ رمزيّة لتسجيل الدخول، فيما تمتنع أخرى عن استقبال هؤلاء على نفقة المديرية العامة لقوى الأمن الداخليّ، على اعتبار أن قوى الأمن الداخلي تُسدد الفواتير على سعر صرف متدنٍ (4 آلاف ليرة عادةً)، وبذلك تقبل التّعهد شريطة دفع الفروقات بمبالغ ضخمة وبالدولار الأميركي الفريش. ويُذكر أن الطبابة لا تشمل المعدات الطبيّة، بل تتوقف على الاستشفاء الأساسيّ. وتحاول المديريّة دفع فواتير المعدات الطبيّة، عبر مساعدات استشفائيّة لاحقًا، لا تتجاوز قيمة هذه المساعدات التّي تُقدم للعناصر لاحقًا نسبة العشرة بالمئة.

وفيما يتعلق بالمنح الدراسيّة التّي تقدمها المديرية والتّي لم تسدد حتّى اللحظة عن عام 2022، رغم الدولرة المستفحلة بالأقساط الدراسيّة في المدارس الخاصة، ومضاعفة رسوم المدارس الرسميّة، ولا تتجاوز نسبتها 37 بالمئة من مجمل القسط الدراسيّ، لا يزال مصيرها مجهولًا، ولا يبدو أن هناك أي بادرة لتسديدها في المستقبل القريب.


هذا كلّه وناهيك بواقع، إحالة ما يربو عن الألف عنصر أمنيّ (على أقلّ تقدير) للتقاعد بداية العام المُقبل، هذا ما يفرض تحدياً آخر، يقع على عاتق الحكومة وكذلك المديرية لتداركه، من جهة تحوّل المؤسسة رسميًّا لمؤسسة هرمة لا تحتضن من العناصر سوى الكُهل، فيما تبقى تعويضات نهاية الخدمة منوطة بقرارٍ حكوميّ، خصوصًا أنه يتمّ ترويج "حلّ" لم يرتضه معظم المشرفين على التقاعد، حيث يقضي بإصدار التّعويضات بصورةٍ شهريّة (مبلغ 5 مليون ليرة كل شهر، نصفها بطاقات شراء في الاستهلاكيات)، ما يعني فقدان العناصر لكلّ آمالهم في الاستقلاليّة الماديّة بعد التقاعد، ورهنهم بمعاش تقاعدي لا يتجاوز المئة والعشرين دولاراً.

تعليقات: