الحظر الظلّي هو سلاح سري لإسكات المستخدمين المزعجين (Getty)
تجتاح فيسبوك مؤخراً موجة استياء بسبب الخوارزميات، يشعر المستخدمون بالإحباط من انخفاض عدد المشاهدات، ويتهمون الخوارزميات بأنها مؤامرة ويدعون إلى مواجهتها من خلال تضليلها والالتفاف عليها.
الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي غير ديموقراطية ولا تتعامل بعدالة مع المستخدمين. كما أنها لا تكشف عن خوارزمياتها التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في ترتيب وتوصية المحتوى، ورغم ذلك يمكننا فهم العديد من خصائصها.
قراءة أعمال الخوارزمي لن تساعدنا على فهم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي. ففهمها يتطلب معرفة هدفها وكيف يستفيد أصحاب المنصات من هذه البرامج التي تستخدم الرياضيات الخوارزمية.
الهدف بيع الإعلانات
يرتبط انخفاض المشاهدات في بعض منصات التواصل الاجتماعي بعاملين أساسيين، من جهة ارتفاع عدد المستخدمين، ومن جهة أخرى حاجة هذه المنصات لعرض الإعلانات حيث يكثر التفاعل في بحر المستخدمين الواسع هذا. عرض الإعلانات كيفما اتفق ليست وسيلة فعالة في ظل ملايين الحسابات الخاملة أو المهملة من أصحابها.
بهدف عرض الإعلانات، تقوم هذه المنصات بتشجيع المستخدم لديها على إبقاء متابعيه منخرطين في التفاعل معه فكلما قام بوضع محتوى يحث على التفاعل وإبقاء متابعيه وقت أطول على المنصة، كلما صعد المستخدم في الترتيب الذي يؤمن له مشاهدات أكثر.
نظام التراتبية في فيسبوك
خوارزمية فيسبوك تحدد أهمية كل منشور بناءً على ثلاثة عوامل تعرف لدى الخبراء أيضاً بالـEdgeRank. هذه العوامل هي التقارب والثقل والانحسار.
التقارب: يقيس مدى ارتباط المستخدم الذي يشاهد المنشور بالمستخدم الذي قام بنشره. كلما زادت التفاعلات بين المستخدمين، زاد التقارب. كما تأخذ الخوارزمية في الاعتبار عدد الأصدقاء أو المتابعين المشتركين بين المستخدمين، بالإضافة إلى تكرار وحداثة تفاعلاتهم.
الثقل: يقيس قيمة كل تفاعل يقوم به المستخدم على منشور. تختلف الأوزان اعتماداً على مقدار الجهد الذي يتطلبه ومقدار التفاعل الذي تولده. على سبيل المثال، التعليق له وزن أكبر من الإعجاب، والمشاركة لها وزن أكبر من التعليق.
الانحسار: يقيس مدى قدم المنشور. كلما كان المنشور أقدم قل احتمال ظهوره للمستخدم. لكن الخوارزمية لا تهمل المنشورات القديمة تماماً. إذا كانت لها درجات عالية من التقارب والثقل، فقد تظهر للمستخدمين الذين لم يروها من قبل أو الذين أبدوا اهتماماً بالموضوعات المشابهة.
فيسبوك لا يعتمد خوارزمية واحدة بل عدة خوارزميات. تركز هذه الخوارزميات على إعطاء الأولوية للمحتوى الأصلي ذات الجودة والذي يتعلق باهتمامات المستخدمين السابقة، ويلبي احتياجات جمهورهم. كما تركز على النشر في الوقت المناسب، وحث المستخدمين على التفاعل.
ولعل أهم عامل يؤثر على ترتيب المنشورات في الخوارزميات، هو استخدام الخدمات المتعددة التي يقدمها فيسبوك. فإذا كان المحتوى المرئي هو السائد حالياً، فلا يمكن للمستخدم الاكتفاء بنشر النصوص. بل عليه استخدام الصور والفيديوهات والصوت لإنشاء محتوى متميز يجذب انتباه المستخدمين ويزيد من التفاعل.
تعتمد تراتبية المستخدمين في فيسبوك على المحتوى الذي يقدمونه. حتى في القضايا السياسية والحقوقية، قد يضيف فيسبوك خوارزمية جديدة لتقليل انتشار الحسابات التي تنشر محتوى لا يتوافق مع الجو العام للسياسة والإعلام الغربي. وفي حين تبدو هذه السياسة غير ذات صلة بالهدف الأساسي من الخوارزمية (فعالية الإعلانات)، لكنها في الواقع وسيلة متاحة وسرّية للقمع المبطّن.
الحظر والحظر الظلّي
في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، هناك طريقتان لمنع أو تقليل ظهور محتوى مستخدم ما. الأولى هي الحظر، وهي طريقة واضحة ومباشرة تمنع المستخدم من الوصول بحسابه إلى المنصة أو نشر أي محتوى عليها. أما الطريقة الثانية فهي الحظر الظلّي (Shadow Ban)، وهي طريقة أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً تعتمد على الخوارزميات، حيث يتم إخفاء محتوى المستخدم عن جمهوره من دون إبلاغه بذلك. الحظر الظلّي هو ببساطة إرسال المستخدم إلى قعر الترتيب الذي أشرنا إليه سابقاً.
لقد بدأ الحظر الظلّي كسلاح سري لإسكات المستخدمين المزعجين الذي يضعون اللينكات بكثرة أو المخالفين لقواعد المنصة. فبدلاً من إبلاغ المستخدم بالحظر، يتم إخفاء محتواه مما يجعله يعتقد أنه لا يزال قادراً على التواصل مع الآخرين. وبذلك يتوقف عن إنشاء حسابات جديدة لمواصلة ما يفعله.
وفي حين تبدو هذه الطريقة فعالة للتعامل مع المخالفين لقواعد المنصات، يثير الحظر الظلّي العديد من المخاوف، حيث يُعتقد أنه يتم استخدامه على نطاق أوسع في الآونة الأخيرة لتقييد حرية التعبير أو عرقلة انتشار المعلومات المهمة. كما أنه يمكن استخدام الحظر الظلّي بشكل جزئي لتخفيض عدد المشاهدات من دون حجبها تماماً، مما يزيد من صعوبة التحقق إذا كان هناك حظر ظلّي فعلاً على هذه الحسابات. عادة ما ترد منصات التواصل الاجتماعي على هذا الأمر بالقول إن هناك خللاً في البرنامج ويتم العمل على إصلاحه.
تعزيز الديموقراطية؟
أحد رواد التدوين في العالم العربي، الكاتب وائل عباس الذي أنشأ مدونة الوعي المصري قبل عقدين من الزمن، فقد الأمل في حيادية وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى السياسي.
قبل 15 عاماً، قال عباس في مقابلة على CNN أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة لتعزيز الديموقراطية. لكن اليوم، بعد أن شهد حظر حساباته وحذف بعضاً من محتواها على يوتيوب وفيسبوك وتويتر عدة مرات، أصبح يعتقد أن هذه المنصات تُستخدم لقمع الأصوات التي تزعج الأنظمة.
يضيف عباس أن حسابه على فيسبوك تم حظره عدة مرات، كما تم إيقاف حسابه على تويتر لمدة خمس سنوات، ولم يتم فك الحظر إلا بعد استيلاء إيلون ماسك على المنصة.
عن يوتيوب يقول وائل عباس أن حسابه الأصلي تم حظره بعد نشره فيديوهات تعذيب قامت بها الشرطة المصرية في المرحلة التي سبقت ثورة 25 يناير. وبعد ضغط إعلامي آنذاك إثر تصريحاته على Fox News وCNN، تراجعت يوتيوب عن الحظر. ولكنها أبقت على حظر ظلّي، فالمحتوى لم يعد يصل للمتابعين ولا يتم التوصية به ليظهر على صفحات الموقع، كما قامت بحذف بعض الفيديوهات التي يكشف فيها عباس أكاذيب الإعلاميين بحجة الملكية الفكرية، رغم أن سياسة يوتيوب تسمح بالتعليق النقدي وتحليل المواد التي لديها حقوق ملكية. هذا الحساب الذي تعدت مشاهداته 60 مليوناً، وبإمكانه تأمين أرباح ليوتيوب، لكنهم قرروا إيقاف خاصية الإعلانات والتمويل على هذا الحساب. مما أدى ببساطة إلى تحوله لمجرد أرشيف فيديوهات قديمة. اضطر عباس بعد ذلك إلى إنشاء حساب جديد على يوتيوب ذات محتوى يتعلق بالتاريخ.
في الختام، يبدو أنني كنت مضطراً لكتابة هذه المقالة لأني لاحظت عدداً من الأصدقاء يقومون بنشر تعويذة "لفك حصار فيسبوك". يحتوي ذلك المنشور على مغالطات عديدة، خصوصاً عند الحديث عن المنشورات المهمة التي تضيع. إن أهمية المنشورات يحددها فيسبوك وفق مصلحته، ويبني عليها تراتبية بين المستخدمين.
الخوارزمية هي أهمية المنشورات نفسها، فإما أن تستخدمها لمصلحتك أو يمكنك ببساطة البحث عن منصة أخرى. فلا شيء يؤلم القيمين على هذه المنصات التي تبيع الإعلانات أكثر من رحيل مستخدميها عنها. أما قصة التضامن وإعادة النشر من أجل كسر "السيستم" فهو هراء خالص.
تعليقات: