المهندس عدنان سمور
ليست فلسطين قارة مجهولة كما كانت حال القارة التي كان يسكن فيها من سمّاهم الغرب ذات يومٍ بـ (الهنود الحمر) وهم الشعب الأصلي الذي كان يسكن في القرون الوسطى وقبلها فيما سمَّاه الغرب الإستعماري أيضاً بالقارة الأميركية لاحقاً ، وليست فلسطين منطقة من العالم اكتشفها الغرب الجماعي والصهاينة في غفلة عن بقية شعوب الأرض ، وليس الشعب الفلسطينيُّ شعباً بدائياً وغريباً عن الحضارة الإنسانية ، بل هو شعب له تاريخ غنيٌّ وحافل في صناعة حضارة منطقته والعالم منذ فجر التاريخ ، وما زال فاعلاً ومؤثراً إلى يومنا هذا ، لا بل هو الشعب الأكثر تأثيراً وفعالية من بين شعوب المنطقة في صناعة الأحداث والتأسيس للمستقبل ، وما تعلُّق الفلسطينيين الإستثنائي بأرضهم وذاكرتهم وتاريخهم ، إلا دليلاً قاطعاً على عظمة هذا الشعب وأصالته وتجذره في المنطقة .
ويعيش العالم اليوم عصر التنوير والإنفتاح وعصر الحرية والعدالة وحقوق الإنسان ، وهذا الأمر يختلف اختلافاً جوهرياً عن الأفكار التي كانت سائدة في القرون الوسطى حيث كان يسود الفكر الإقطاعي والتسلطي والإستعماري والإستعبادي وسيادة الأقوى ، وقد ساهمت سيادة هذه المفاهيم يومها في إبادة الشعوب الأصلية في المناطق التي اكتشفتها القوى الإستعمارية في اميركا وكندا وأستراليا ، في غفلة عن بقية شعوب العالم نتيجة ضعف التواصل والإتصال في تلك الحقبة من الزمان ، ونتيجة الفرق النوعي في القوة والوعي والمعرفة بين الشعوب يومها .
هذه الإختلافات بين الظروف الزمانية والمكانية واللحظة التاريخية والحضارية ، يجعل من المستحيل على قوى الإستعمار القديم إبادة شعب وقضية فلسطين اليوم ، كما لو أن فلسطين وشعبها يمثِّلان خارطة ورقية أو مجسم لوطنٍ ، يمكنهم تحطيمه أو تمزيقه أو محوه ، وتنتهي بذلك حكاية فلسطين واهلها وكل تاريخهم وانجازاتهم ومساهماتهم وتضحياتهم ومقاومتهم وصمودهم ، وتنتهي أيضاً كل المعجزات الأخرى التي صنعوها وادهشوا العدو والصديق بعظمتها وفرادتها وعبقريتها .
يا أيها العالم إن فلسطين اليوم ليست القارة الأميركية التي كانت في القرون الوسطى ، والفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر ، والعالم اليوم متصل ومتواصل بطريقة لحظية ، لدرجةِ أنه لا يمكن لأي حدث أن يحصل في أي بقعة من بقاع هذا العالم إلا ويعلم فيها مباشرة كل سكان هذا الكوكب ، بما فيه أحرارهم ، الذين باتوا يشكلون اليوم الأمل الوحيد المتبقي لملء الفراغ ومعالجة الإعوجاج في النظام العالمي السائد ، الذي تسببت به هيمنة الأنظمة الوارثة للمشروع ، لدرجةٍ تم فيها تعطيل هذا النظام العالمي ، من خلال تعطيل وتشويه ولي عنق منظماته ومؤسساته ، حتى بات الصهاينة يتجرَّؤون على مهاجمة الأمين العام للأمم المتحدة ويطالبون بإسقاطه وتغييره نظراً لتعاطفه مع مظلومية شعب فلسطين المستباح دمه وأمنه وغذاؤه وسكنه وصحته وحريته وكلَّ حقوقه .
هذه المكابرة الطاغوتية لأنظمة الغرب الجماعي ، تفعل ما تفعل اليوم من دعمٍ للكيان الصهيوني في المذبحة العظيمة والمهولة التي ينفذها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزَّة ، لأنها بدأت تتحسَّسُ عنق مشروعها الإستعماري المهدَّد تهديداً حقيقياً ، والذي يمثِّل الكيان الغاصب لفلسطين رأس حربته في منطقتنا ، لذلك نرى الغرب الجماعي اليوم يساعد الكيان الصهيوني بهذا الكم الهائل من السلاح والدعم البحري والجوي والتقني ، لعلهم يتمكنوا مجتمعين من إبادة شعب فلسطين على غرار ما فعلوا بالهنود الحمر ، فيطمئن عندها الكيان على وجوده وبقائه وحفظ دوره الإستعماري الذي أوكله الغرب الجماعي أليه ، ولكن أحرار العالم ومحور المقاومة ، باتوا اليوم فاعلين ومؤثرين وقادرين على حماية وإنقاذ المشروع الحضاري الإنساني من بين أنياب وحوش الغرب الجماعي الذين يريدون إعادة عقارب الزمن إلى الوراء ، ولكنَّ الزمن صُمِّم ليسير إلى الأمام غير عابيء بالذين يتخلفوان عن ركبه وعن فهم طبيعة حركته وعلاقتها بالمكان والظروف ووعي الناس ومستوى قدرتهم على فهم واقعهم وإبداع الحلول لما يواجهون من ازمات ومشكلات مهما كانت صعبة ومعقَّدة وشائكة .
ستبقى فلسطين ويبقى شعبها حيّاً فاعلاً لا يموت ، وسيتمكن هذا الشعب المضحي والعظيم بالتعاون مع أحرار العالم ، من معالجة الأمراض التي يواجهها النظام العالمي ، والناتجة عن أطماع وأنانيات وتوحش أنظمة الغرب الجماعي الإستعمارية.
عدنان إبراهيم سمور.
باحث عن الحقيقة .
28/10/2023
تعليقات: