سجين بارع بالاحتيال: تفنّن بسلب أموال ضحاياه من النساء

قيمة الفدية كانت تختلف من امرأة إلى أخرى حسب وضعها المادي (Getty)
قيمة الفدية كانت تختلف من امرأة إلى أخرى حسب وضعها المادي (Getty)


بحكم المنطق، الغاية الأولى من السجن هي إعادة تأهيل المدانين، بالتوازي مع مُعاقبتهم أو تأديبهم، وحثّهم على ممارسة المواطنية الصالحة، وعدم تكرار الجرم. لكن، هذا الأمر قد يختلف قليلًا في لبنان. ففي سجن رومية، الأكبر في لبنان من حيث المساحة وأعداد المحكومين، يتحول إلى مساحة واسعة من اكتساب الخبرات وابتكار وسائل جديدة من الاحتيال والاستمرار في الجرم. لذلك، لم يعد مستغربًا القول بأن سجينًا يقضي محكوميته بجرم النصب والاحتيال، لم تمنعه قضبان سجن رومية من الإيقاع بضحايا جدد وهو في داخله.


اسم مستعار

سُجن يحيى سلمان (45 عامًا) في عام 2020، بجرم الاحتيال والتزوير والنصب. وكان من المفترض أن يقضي حوالى السنتين داخل السجن. ولكنه قرر متابعة احتياله من داخل زنزانته في رومية. تبدأ حكايته بشراء هاتف محمول، لينخرط في "الحياة الاجتماعية" ويصبح ناشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي، تحت اسم وهمي وهو "داني كرم"، من دون أن يثير الشك بحقيقته.

خلال تلك الفترة، تواصل مع عددٍ لا يُستهان به من النساء من داخل لبنان وخارجه عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتلاعب بعواطفهن من أجل الحصول على مبتغاه، أي تجميع الأموال.

ويمكن القول أنه سعى لأن يكون رجلًا صادقًا، فلم يُخف عن أولئك النساء حقيقة أنه سجين وبحاجة إلى المال لدفع "الفدية". أما الذريعة التي كان يتبناها، فهي تعرضه لحادث سير وصدمه شاباً والتسبب بوفاته، أو أنه بحاجة إلى آلاف الدولارات من أجل عملية جراحية لطفلته الصغيرة.

الخطة المعتمدة ليحيى (داني) هي التمكّن من مشاعر النساء من خلال محادثتهن يوميًا ووعدهن بالزواج، وفور تأكده من نجاح خطته وتعلقهن به واعترافهن بالوقوع في حبه، يبادر بمصارحتهن بأنه مسجون لأسباب معينة ويطلب مساعدتهن المادية، على أن تكون الخطة التالية هي مطالبتهن بمساعدته ماديًا للخروج من السجن.

وللمفارقة فإن قيمة "الفدية" كانت تختلف من امرأة إلى أخرى حسب وضعها المادي، فالمبلغ الذي حصل عليه من الشابة التي تعمل في قطر كان أعلى بكثير من تلك التي تعيش في لبنان.

وواحدة من الضحايا هي شابة تعمل في مركز للتجميل في قطر، وتمكن من الحصول منها على أكثر من 8000 دولار أميركي، بعدما أوهمها بأنه تعرض لحادث سير وبحاجة ملحة لدفع الفدية للخروج من السجن، وأن ابنته مريضة أيضًا، مؤكدًا لها أنه مدين لها عندما يصبح حرًا وواعدًا إياها ببيع منزله كي يتمكن من إعادة مالها. ولشدة دهائه كان يصور هذه المرأة على أنها إحدى أقاربه ليطلب من ضحية أخرى أن تذهب لاستلام هذه الأموال من مراكز تحويل الأموال لصالحه، وتستمر الدوامة بإقناع الشابة في قطر بأن المرأة التي تستلم المال هي قريبته أيضًا.


شركات وعقارات

توفر السيولة لم يشكل عائقاً لديه، فالضحية الثانية أقنعها بأنه يملك شركة عقارية وهو في صدد تجهيز أوراقه للسفر إلى قطر، ويملك الكثير من العقارات، ولكنه صارحها بعد فترة بأنه مسجون وبحاجة إلى حوالى 45 ألف دولار أميركي كتعويض لعائلة الشاب الذي تسبب بمقتله، فما كان منها، وهي الفقيرة، إلا بيع مقتنياتها من الذهب وهي عبارة عن سوار وعقد، والاستدانة من صديقاتها إضافة إلى تسليمه حوالى 25 مليون ليرة لبنانية.


"المصداقية" أولًا..

احترافيته في الاحتيال دفعته إلى تسجيل بعض من الديون المزعومة على شكل ايصال من أجل "المصداقية". وبغية إبعاد الشكوك عنه، وبعث الطمأنينة في صدورهن وإقناعهن بأن الأموال محفوظة في حال لم يعد قادرًا على إيفاء ديونه، قام بإقناع بعضهن بأنه يملك منزلًا مرفقًا حجته بصورة عن سند بيت "مزور" يدّعي أنه بيته وسيقوم ببيعه أو بيع سيارته عند الحاجة فور خروجه من السجن.

تجدر الإشارة إلى أنه أب لطفلة صغيرة، كما أنه كان لديه معاونون خارج السجن لتيسير أموره، منهم أحد أقربائه يعاونه في استلام الأموال من ضحاياه.


مواهب متعددة

ويحيى متعدد المواهب، فتبين أنه يُمارس "السمسرة" أيضًا. إذ حاول في البداية أن يُساعد امرأتين على خلفية بيع وشراء منزل على أن يحصل على نسبة عمولة معينة من هذه العملية، إلا أنها باءت بالفشل بسبب بعض الأوراق الرسمية، حتى أن أحد معارفه يملك متجرًا للذهب قد وقع في مصيدته أيضًا، بعد أن طلب منه أن يعطي لإحدى ضحاياه عقدًا ذهبيًا، بلغت قيمته حوالى 3000 دولار أميركي، مؤكدًا له أنه سيسدد حسابه قريباً، ووافق البائع على طلبه لأن يحيى من الزبائن الذين يترددون إلى متجره بين الفينة والأخرى، فيما كان لافتًا أنه أقنع الضحية التي استلمت هذا العقد على أنه مساعدة بسيطة من صديقه لمساعدته في الخروج من السجن، فطلب منها بيعه وتسليمه المبلغ. وكان لافتًا أنه لم يوفّر حتى صديقته التي سلّمته مبلغ 200 دولار أميركي فقط.

لم يكن قد تبقى على حرية يحيى إلا فترة قصيرة، إلا أن حقيقته كُشفت بعدما تعرّف إليه شخص مقرب من إحدى الضحايا، من خلال صورته على منصة فيس بوك، فحذّرها منه وفضح اسمه الحقيقي، لتبادر الأخيرة إلى تقديم شكوى ضدّه أمام الجهات المعنية، فعمّمت صورته مديرية قوى الأمن الداخلي التي طلبت من جميع الضحايا التواصل مع الجهات الرسمية المعنية، فما كان منهن إلا أن توجه بعضهن إلى القضاء اللبناني، الذي باشر بالتحقيقات وتابع هذه القضية، ومن ثمّ توقيف قريبه بغية التحقيق معه وكشف ملابسات هذه القضية.


يبقى السؤال الأساسي كيف تمكّن من شراء هاتفه المحمول داخل السجن وتوصيل شبكة الإنترنت به ليتحوّل إلى ناشط كغيره من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي؟ والسؤال الأهم كيف تمكن يحيى من محادثة النساء بشكل يومي من دون أن يتم ضبط هاتفه من قبل الجهات الأمنية؟

تعليقات: