هيفاء نصّار: ما أغرب ما تفعله الغربان


إيمان وحب وأمل. وللقارئ أن يسلك طريقه ، كل حسب مكان انطلاقه وإنطلاقته. وللعموم والفلاسفة ان يبرروا بعد ذلك ثنائيات الليل والنهار في الخير والشر والحب والكره.

قصّة حقيقية حدثت في حديقة منزلي الخلفية؛ حيث كان المساء باكرا في ذلك اليوم وتلك الليلة. حديقة وغربان وأشجار تزاوج منذ القدم، وكنز بديع الجمال والحزن في آن.

قصّة حقيقية حدثت في حديقة منزلي الخلفية حيث بقي غراب يعاني من عدم الطيران لأكثر من بضع ساعات. وأنا اطلّ من الشباك الى حديقة منزلي الخلفية رأيت أشبه بعمليات داخلية وخارجية حيث تناوبت الغربان على رعايته واحتضانه في قصّة مؤثرة تشهد من جديد على حالة حب ليست نادرة في عالم الطيور والحيوان.

صوت الغربان الغني حمل الرسالة بما هو أبلغ من الكلمات.

غربان اعتدت على رؤيتها واهنة باهتة منطفئة، مطأطأة دوما بحثا عن ماء وطعام. ولم يتبادر إلى ذهني يوما إيجاد تماثلات نقاط تشابه بين عالمنا البشري وعالم الغربان.

حدث أن حطّت غربان في حديقة منزلي الخلفية، وفي حديقة منزلي الخلفية الشمس دخيلة، أشعتها ثمالة و حماستها معرفة. لفتني شعوري بإصرار غراب من بين جمع الغربان ومثابرته التي هي أشبه ما تكون برقصة حب أولى. كان يبدو لي ان هذا الغراب قد إرتكز هناك منذ فترة طويلة بإنتظار إشراقة، وملامح منهكة.

خرجت الى الحديقة حيث ازداد نعيق الطيور فوق الأشجار، حيث أصوات الغربان التي لم تبرح المكان. لقد كانت متضامنة كما الأضواء وسط الظلمات.

إعتدت خفّة الغربان في حديقة منزلي بدون اضطراب. تلك الغربان لم تكن ضائعة في غيبوبة وهي تستر نويف أحدها الداخلي وأنينه الخافت. غربان سوداء إذا أفرط عليها النضج إبيضت وإحمرت وفاحت ولمعت. هذه الغربان التي قرأت حبها النادر أذناي ما فتئت تنصت فإنفرجت تسمع دبيب الحياة المتوجسة خيفة. وهذا النوع من المحبة والخيفة في آن اعتدت عليه فهو يصيبني في الصميم. هذا النوع من الحب الذي يخلق للقلوب حوادث وتواريخ. إعادة تأمل لصياغة رؤية من خلال إثارة الطاقات الإنسانية الكامنة. عالم يتجاوز الكلمات بل قطعة من السينما الحية الخالصة. لقد كانت الصورة ثرية. قوى استمرارنا في لعبة الحياة وضعفنا في قوة حاجتنا للآخر. قصّة معبرة أشبه بورقة تقرير مصير تيبّست برسمية الحروف. كيف نجيد صبّ قلوبنا في تلك القوالب الغير جامدة التي تمنح العقل مصداقيته وتمنح القلب إعجازه.

كنت أتمنى لهذه الغربان في حديقة منزلي الخلفية أن تكون لها مواعيد أكثر احتفاء بالفرح، فأكرس جهدي ووقتي محاولة حينئذ أن أتعلم كيف أتقن كتم صياحها!

كنت أتمنى لهذ الغربان مبارزة من نوع آخر، مبارزة طرشان حيث الاسلحة الخادعة تخطىء الأهداف بوجود لا أهداف!

كنت أتمنى أن يكون هذا الإعلان الملحمي لحشرة تبني بيتا تعيش فيه بفرح من فقاعات الهواء فوق الماء!

فيلم من أفعال بشرية تعرضها بإبداع أوبرا أبطالها من كائنات غير بشرية!

يا لهذا العالم!

* هيفاء نصّار - أوتاوا، كندا

الواقع في 29 أكتوبر، 2023

تعليقات: