قوات اليونيفيل عند الخطّ الأزرق (نبيل اسماعيل
أعادت المناوشات العسكرية الدائرة في الجنوب، القرار الأممي #1701، الذي أوقف الحرب عام 2006، والذي يحمل في بنوده تدابير وإجراءات تُجنّب لبنان حروباً جديدة برعاية أممية، ويسمح للدولة بنشر قواتها على الحدود مع توسيع مهمّ لمهام القوات الدولية، إلى الواجهة.
في الواقع لم يُنفّذ من القرار سوى وقف العمليات العسكرية، وبقيت البنود الأخرى كافة عرضة للانتهاك والخرق بشكل يومي، إذ لم تتوانَ إسرائيل عن خرق المجال الجوي عبر مسيّراتها وطائراتها، لا بل ذهبت إلى استعمال الأجواء اللبنانية لضرب سوريا، بالإضافة إلى الاختراقات العسكرية بين الحين والآخر.
أما من الناحية اللبنانية، فاستمرّ "#حزب الله" ببناء قدراته العسكرية، وفعّل نشاطه أكثر، وتحوّل انتشار الجيش على الحدود رمزياً أكثر ممّا هو واقعي، نتيجة القبضة العسكرية التامة لحزب الله على النشاطات العسكرية في المنطقة الحدودية. أما بالنسبة إلى القوات الدولية، فأصبحت كقوّة تسجيل خروقات بين الجانبين، ولم تقم بأيّ عمل، بالرغم من الصلاحيات الكبيرة التي أعطاها إيّاها القانون الدوليّ. وخلق "حزب الله" حزباً جديداً سُمّي بـ"الأهالي"، له مهمّة محاصرة القوات الدولية، ومنعها عن القيام بأيّ نشاط، وتطويقها وشلّ حركتها. ووصل الأمر بـ"الأهالي" إلى الاشتباك مع قوة منها، فأدّى إلى مقتل جنديّ إيرلندي.
واليوم، لم يفاجئ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب #ميقاتي اللبنانيين بأن حكومته "لا تملك قرار الحرب"، لأن هذا ما يُسلّم به الشعب منذ زمن بعيد، وإنما المفاجئ كان خروج هذه الكلمات بشكل رسمي، على لسان أعلى مرجع سياسي في البلاد في الوقت الحالي، قبل أن يعود ميقاتي ويحاول إصلاح ما أعلنه عبر تصاريح أخرى، أكد فيها التزام الحكومة بالـ1701 والعمل السياسي على عدم سقوطه ومنع الحرب. لكن هناك قدرة للأطراف المعنية على قلب الطاولة لأسباب أو اعتبارات مختلفة، فيما هو يسعى إلى تجنّب ذلك بكلّ قوة. ولاقاه بموقفه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهذا ما دفع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وقوى المعارضة إلى الطلب من المسؤولين (بري وميقاتي)، إن كانا جدّيين بما يقولانه، إرسال الجيش إلى الحدود، وتوليته وحده مهام الأمن هناك. إنما هذه المطالبات ومناشدات اللبنانيين جميعها للالتزام بالقرار الدولي وإبعاد شبح الحرب عن لبنان لم تؤدِّ إلى أي مكان، وسيبقى قرار الجبهات والحرب بيد جهة واحدة، ومَن خلفها إقليمياً، واضعة مجمل القرارات الدولية بحالة سقوط.
وما جرى على الساحة الجنوبية في اليومين الأخيرين من توسّع دائرة الاشتباكات وتجاوزها "قواعد الاشتباك"، التي فُرضت عوضاً عن القرار الدولي، يجعل من هذا القرار يقبع في العناية المركّزة.
في هذا الإطار، يقول عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غياث يزبك إنه "يجب أن يشكّل الإجماع حول خطورة الحرب، إن وقعت، سدّا منيعاً، واستراتيجية دفاعية وطنية في الوقت الحاضر، بدل الاستراتيجية العسكرية التي فشلت الأطراف في التوصل إليها سابقاً، ممّا أبقى قرار الحرب والسلم بيد حزب الله".
ويشير لـ"النهار" إلى أن معظم اللبنانيين، بمن فيهم الطائفة الشيعية، لا يريدون الحرب؛ وهو ما يظهر من خلال المواقف في البلاد. وبالتالي، يجب أن تجتمع كلّ القوى الوطنية بطريقة خالية من التحدّي للقول: لا نريد إدخال لبنان في الحرب التي ستكون مدمّرة".
أما في الشق الدستوري فيعتبر يزبك أنه "على الحكومة والبرلمان والقوى السياسية أن تجتمع حول المواقف، التي تطلقها مجموعة الـ40 نائباً (نواب من كتل معارضة ومستقلون)، للإعلان بشكل رسميّ عن رفض الانجرار للحرب".
ويتوقّف يزبك عند مواقف كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، ويضيف: "لا يمكن مقارنة مواقف ميقاتي بما يقوم به بري، إذ أكد الأول التزام لبنان بالقرارات الدولية، لكن كأنه يقول "لا حول لي ولا قوة في هذا المجال"، علماً بأن الحكومة مقصّرة، ويفترض أن تعلن عبر موقف واضح "لا للحرب"".
وتابع: "أما بري فهو يحمل مفتاح البرلمان، حيث بات المجلس في حالة احتلال؛ وما يقوم به هو تقصير مقصود"، مستطرداً "لا أحد يزايد علينا في هذا الأمر". "أما من الناحية الاستراتيجية فمن المؤكّد أنه ليس هناك من تكافؤ بين الطرفين، والوضع العسكري غير متوازن. وهذا ما خبرناه في حرب 2006، وهو ما لن تتورّع إسرائيل عن القيام به مجدّداً، إن لم نقل أكثر".
يزبك طرح حلاً للخروج من الأزمة الحالية يتمثّل بأن "يطلب ميقاتي من الجيش الانتشار في الجنوب، وسحب كلّ المسلّحين من المنطقة، وإلّا نكون سلّمنا جميعنا بسقوط القرار الدولي".
بدوره، ذكّر النائب السابق فارس سعيد بأن الاتفاق الوطني قام من خلال اتفاق الطائف عام 1989، الذي دعا الدولة إلى بسط سيادتها ونفوذها على كامل الأراضي اللبنانية أولاً، وتسليم كل السلاح غير الشرعي إليها ثانياً، وأن تكون وحدها الكفيلة بالدفاع عن لبنان أمام أيّ اعتداء"، معتبراً أن "مَن يتهرّب من الطائف يحاول إفساد الشراكة الوطنية؛ لذلك هذا "الهروب" أيضاً نلاحظه من خلال عدم تطبيق القرار 1701".
وأبدى سعيد استغرابه من أنّ الذي يطالب بتطبيقه كان بالأمس يتحدّث عن استراتيجية دفاعية، مضيفاً: "منذ 14 آب 2006 وهذا القرار يتمّ انتهاكه. وبالتالي، لم نسمع اعتراضاً من القائمين على المؤسّسات. فالقرار 1701 ينصّ على أن منطقة جنوب الليطاني يجب أن تكون منزوعة السلاح مع انتشار كامل للجيش اللبناني، وذلك بمؤازرة القوات الدولية. لكن منذ هذا التاريخ حصل عكس الاتفاق، ولم يكن هناك أيّ استنكار، فيما علت في الآونة الاخيرة الأصوات، وبدأت تطالب الحكومة المستقيلة، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي لديه همّ السعي للمحافظة على استمرارية المؤسسة العسكرية، بتنفيذ القرار الدولي".
وشدّد سعيد على أن "الدستور واتفاق الطائف و1701 أحزمة أمان ثلاثة، يجب علينا عدم التخلّي عنها، لأنه في حال قرّرنا ذلك نكون قد تخلّينا عن الوحدة الداخلية بين اللبنانيين".
وقال سعيد: "نحن اليوم في قلب الحرب، وما يجري في #جنوب لبنان ستكون له تداعيات سياسية واقتصادية ووطنية، وكأنه لم يعد أحد في البلد سوى حزب الله"، مشيراً إلى أن "دور الجيش والدولة تراجع فيما تقدّم دور المليشيات... وكذلك القرارات الأممية تراجعت مقابل تقدّم مبدأ اسمه قواعد الاشتباك".
وبالنسبة إلى النائب السابق "على قوى الداخل أن تناشد نفسها لتنفيذ قواعد السلام وليس قواعد الاشتباك، بدلاً من مناشدة حزب الله لعدم دخوله الحرب".
تعليقات: