اللاجئون السوريون المهجّرون من القرى الحدودية: تضييق الخناق

هناك عائلات سورية لاجئة لم تستطع الخروج من البلدات الحدودية (Getty)
هناك عائلات سورية لاجئة لم تستطع الخروج من البلدات الحدودية (Getty)


عشرات النّصوص القانونيّة والتّشريعات والبروتوكولات والمعاهدات، قد نحملها ونحاجج بها طويلًا، لتأكيد ما هو فعلًا مؤكد: حقّ كل إنسان على وجه البسيطة، بالتماس السّلامة والأمان بأي جزءٍ من البلد الذي يُقيم فيه (النزوح) أو بلدٍ آخر (اللجوء)، في حالات الاعتداء الداخليّ، أو الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان، وكذلك التّهديد بعنفٍ عام، كالحروب والصراعات المُسلحة.. التّي، وبالمناسبة، يستشرف نذر يسير من اللّبنانيين، سيناريو تحققها، منذ ثلاثة أسابيع، منطلقين من هذه الفرضيّة، لوضع التّدابير الفوريّة، والخطط الطارئة.


النزوح بين اللبناني واللاجئ

وفيما اضطر جزءٌ من اللبنانيين وتحديدًا سكان القرى الحدوديّة الجنوبيّة وسكان الضاحية الجنوبيّة، المتململة والمُهَددة، إلى ترك منازلهم مؤقتًا، هربًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، ممارسين حقّهم البديهيّ بالنزوح، الذي رافقته تسهيلات أتاحتها السّلطات المولجة، وقد تخطى عددهم الخمسة وثلاثين ألف نازح على أقلّ تقدير، يبدو أن مصير اللاجئين السّوريين والفلسطينيين وسائر المقيمين من الأجانب، لا يزال مبهمًا، فيما يتمظهر التقصير الرسميّ جليًّا، مُتيحًا المجال لصعود الظواهر العنصريّة وغير القانونيّة، السّلطويّة والشعبيّة.

وقد أشار المدير التّنفيذيّ لمركز وصول لحقوق الإنسان "ACHR" محمد حسن إلى "المدن"، لكون هذه الظواهر قد وصلت أوّجها في الأيام القليلة الماضيّة، خصوصًا مع توسع مروحة الاعتداءات الإسرائيليّة على القرى الحدوديّة وتواتر حدّتها، قائلًا: "برزت هذه الظواهر على ثلاث صُعد:

الأول: منع اللاجئين السّوريين من الخروج من منازلهم، حيث أشارت المصادر الميدانيّة التّابعة للمنظمة، إلى حقيقة أن الجهات البلدية في كل من بلدات علما الشعب، ميس الجبل، حولا، عيترون وبيت ميماس، طلبت من اللاجئين، الأسبوع الماضي عدم الخروج من منازلهم إلا بإذنٍ من البلديّة، لمدّة يومين، ومن ثمّ باغتتهم بالطلب بمغادرة البلدات بأسرع وقتٍ ممكن. فيما هناك عائلات سورية لاجئة لم تستطع الخروج من البلدات الحدودية.. بحاجة ماسة إلى مساعدة في الخروج.

الثاني: تزامن هذا الواقع، مع رفض عدد من البلدات القريبة استقبال اللاجئين، بل وطردهم منها كبلدة رميش الجنوبيّة، وتجييش حملات شعبيّة، فيما مُنع اللاجئون الذين نزحوا من المناطق هذه، التّوجه نحو بعض بلدات الشمال اللّبنانيّ، وبلدات البقاع الأوسط والشماليّ كسعدنايل وغيرها، وإلزامهم بالبقاء مدّة وجيزة كفترة الأسبوع والمغادرة بعدها.

الثالث: غياب خطة طوارئ حقيقيّة وفعّالة في حال تحقق سيناريو الحرب فضلًا عن خطط الإغاثة والمساعدة، للنازحين من السّوريين، كما يحصل في دور الإيواء المؤقتة المنتشرة في صور وصيدا وسائر المناطق، فيما يعود جزء من غياب دور المنظمات الإغاثية إلى التضييق الحاصل مؤخرًا على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين".


أرقام وأوامر

وبينما توافرت أرقام تناولتها عدّة منابر إعلاميّة ورسميّة، تُفيد بأن حوالى 86 ألف لاجئ نزحوا من الجنوب اللّبنانيّ، تؤكد المصادر الحقوقيّة، أن هذا الرقم قد يُشير إلى أعداد اللاجئين المقيمين في مختلف قرى وبلدات الجنوب لا النازحين منها، والذي لم يتجاوز عددهم الثلاثة آلاف حتّى اللّحظة (يُذكر أن جنوب لبنان، لديه أقلّ نسبة انتشار للاجئين، بما يقارب 11 بالمئة، كما تُشير بيانات المفوضيّة).

وقد أكدّت مصادر "المدن" الأمنيّة في البقاع الشماليّ، أن قطعات الجيش تسلمت أوامر بمنع دخول النازحين من الجنوب من التّابعية السّوريّة إلى البلدات والقرى البقاعيّة، فيما تكثفت التّدابير الأمنيّة على الحواجز المنتشرة على امتداد البقاع، حيث يُجرى التّحقق من هويات المارين، وإذا ما تثبت كونهم من النازحين من الجنوب، فإن الجيش يطلب منهم المغادرة الفوريّة، فيما أتاحت عدّة بلدات، البقاء المؤقت لهؤلاء، شريطة المغادرة لاحقًا. وأعلن فريق عمل "وصول"، أن هناك عائلات مكثت في البقاع مدّة الأسبوع وعادت مرغمة إلى مدينة صور. هذا وقد أكّدت مصادر "المدن" في المفوضيّة أنها تتابع المستجدات، وتُحكم على خططها للطوارئ والإغاثة.


خطط الطوارئ ودور المفوضيّة

وفي خضم الاستعدادات والتنظيم الحثيث لخطط الطوارئ التّي وضعتها الجهات الرسميّة والمنظمات الإنسانيّة، في حال تورط لبنان بحربٍ مع الجانب الإسرائيليّ، تبرز التّساؤلات عن الخطط الرسميّة والإنسانيّة، لنجدة المقيمين الذين اضطروا للنزوح أيضًا، وخصوصًا اللاجئين السّوريين، وهنا تواصلت "المدن" مع المفوضيّة لسؤالها عن هذه الخطط، والتّدابير المرعية الإجراء لتسهيل حركة النازحين من التّابعية السّوريّة، من المناطق الحدوديّة، وخصوصًا بعد انبثاق الأحاديث والأخبار عن الظواهر التّي تحدثنا عنها آنفًا، فأشارت المتكلمة باسم المفوضيّة ليزا أبو خالد لـ"المدن" قائلةً: "تدرك المفوضيّة أن الوضع الحاليّ قد خلق تحديات طاولت جميع المقيمين في لبنان، ونحن نواصل الدعوة لتحقيق المساواة في الوصول إلى الأمان والكرامة لجميع الأشخاص في لبنان، بما في ذلك اللاجئين. وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانيّة، تدعم المفوضية الاستعداد والاستجابة لتلبية احتياجات جميع السّكان المتضررين، بما في ذلك اللبنانيين واللاجئين، بالتنسيق الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى وشركائها. وهذا يعني أنه سيتم تقديم الدعم للنازحين داخليًّا في لبنان، بغض النظر عن وضعهم أو جنسيتهم".

واستطردت أبو خالد، بالقول: "على سبيل المثال، في مدينة صور، تقدم المفوضيّة الدعم بالتّنسيق مع اتحاد البلديات. ومنذ بداية الأزمة، قامت المفوضيّة، بدعم من شريكتها منظمة شيلد "SHEILD"، بتزويد النازحين المقيمين في الملاجئ الجماعيّة في صور بـ 400 بطانية و500 مرتبة و150 غطاء بلاستيكيي. كما يقدم شركاء المفوضيّة الدعم النفسيّ والاجتماعيّ عبر الإنترنت للاجئين اللبنانيين والسّوريين المعنيين. وتدعم المفوضية أيضًا تقسيم وترميم الجامعة الألمانيّة اللّبنانيّة في صور للمساعدة في ضمان خصوصية النازحين داخليًّا الذين يقيمون في هذا الملجأ الجماعي (حوالي 210 أفراد حتى الآن).


مخيم للاجئين على الحدود اللّبنانيّة السّوريّة؟

انتقدت منظمات حقوقيّة وجهات متابعة عدّة تصريحات لوزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، الذي اعتبر أن الأسلم هو إنشاء مخيمات للاجئين السّوريين على المقلب اللّبنانيّ، للحدود اللّبنانيّة- السّوريّة من أجل إيواء النازحين من السّوريين فيها، على اعتبار أن إيواءهم، في المدارس والمؤسسات الاجتماعيّة جنوبًا، قد يؤدي "لخطر" بقائهم فيها حتّى بعد زوال التّوتر. وهذا ما عرضه على ميقاتي. وكذلك تصريحات المسؤولين الرسميين والتّي تنطوي على فكرة مفادها، أن الأولوية للنازحين اللّبنانيّين، فيما اعتبرت المنظمات أن هذا تمييز على أساس الجنسيّة.

وقد سألت "المدن" المفوضيّة عن رأيها في هذا الأمر. فأشارت أبو خالد لكون، مخيمات اللاجئين لا تُعد الخيار الأفضل لدى المفوضيّة، معلقةً: "يُنظر إليها عمومًا على أنها الملاذ الأخير. وعلى الصعيد العالميّ، تتجنب المفوضيّة، إنشاء مخيمات للاجئين، حيثما أمكن ذلك، بينما تسعى إلى إيجاد بدائل للمخيمات التي تضمن حماية اللاجئين ومساعدتهم بشكلٍ فعّال وتمكينهم من تحقيق الحلّول. وفقاً للموقف الرسميّ للحكومة اللّبنانيّة، يعيش اللاجئون السوريون في المناطق الحضرية أو في مخيمات صغيرة غير رسمية. وهذا حلٌّ أفضل بكثير لأنه يسمح أيضًا للاجئين بالمساهمة في الدورة الاقتصادية. والدعم المقدم لهم يمكن أن يفيد أيضًا المجتمعات المضيفة (على سبيل المثال، من خلال مشاريع دعم المجتمع)".


بل وأكدّت أبو خالد، أن المفوضيّة قد وضعت خطط الطوارئ الخاصة بها والوكالة مستعدة لدعم كل النازحين بغض النظر عن جنسيتهم وبالتّساوي، فيما تشمل الخطط، إجراءات تُراعي وضع اللاجئين السّوريين الذين يعيشون في مناطق سكنيّة ومخيمات غير رسميّة. معتبرةً أن الحقّ بالتماس السّلامة، هو مُطلق ولا يتجزأ على أساس الجنسية والانتماء.


تعليقات: