شبح الحرب: 100 ألف شخص غادروا لبنان الشهر الماضي

ضمور في حركة المطار (المدن)
ضمور في حركة المطار (المدن)


تحوّلت الاشتباكات على الحدود الجنوبيّة للبنان إلى روتين يومي، رغم التصاعد النسبي في حدّة المواجهات منذ بدء الحرب في غزّة. وهكذا، تأقلم اللبنانيون تدريجيًا مع المشهد الجنوبي، رغم قساوته على المقيمين في القرى الحدوديّة. وهو ما خفّف من الهلع الذي أصاب المقيمين في بدايات التوتّر الشهر الماضي، حين ساد الخوف من تحوّل هذه المواجهات إلى حرب شاملة. ورغم ذلك، ما زالت مختلف المؤشّرات الاقتصاديّة تعكس شبح الحرب الذي يخيّم فوق المقيمين في لبنان، ومنها مثلًا حركة المغادرين عبر مطار بيروت الدولي، أو حتّى حركة المطار بشكل عام. مع الإشارة إلى أنّ الأرقام المتاحة تعرض التغيّرات التي طرأت خلال الشهر الماضي، تشرين الأوّل، ما يعني أنّ هذه الأرقام لم تشمل بعد التحوّلات التي حصلت خلال الفترة المنقضية من الشهر الراهن.


حركة المغادرين والوافدين عبر المطار

قبل بدء المواجهات، كانت أرقام المطار هذه السنة تعكس انتعاشة كبيرة وملحوظة، مقارنة بالسنوات الثلاث السابقة، أي مقارنة بسنوات ما بعد الانهيار المالي.

فلغاية أواخر شهر أيلول، كان عدد الوافدين إلى المطار خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة قد تجاوز 2.85 مليون وافد، ما عكس زيادة بنسبة 21% مقارنة بالفترة المماثلة تمامًا من العام الماضي، والتي لم يصل خلالها إلا 2.36 مليون وافد. وعلى النحو نفسه، ارتفع عدد المغادرين بنسبة 19%، ليصل إلى حدود 2.91 مليون مغادر خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، مقارنة بـ 2.44 مليون مغادر في الفترة المماثلة من العام الماضي.

لم تكن هذه السنة مميّزة بالنسبة لحركة المطار مقارنة بالسنة الماضية فقط، بل أيضًا مقارنة بالسنوات 2021 و2020. فعدد الوافدين منذ بداية السنة الحاليّة ولغاية شهر أيلول، بلغ 1.85 أضعاف مثيله في الفترة المُطابقة من العام 2021، و3.12 أضعاف مثيله في الفترة المُطابقة من العام 2020. بالتأكيد، لم تلامس أرقام العام الحالي مثيلتها في العام 2019، لكنّها كانت انتعاشة كبيرة مقارنة بجميع السنوات التي تلت ذلك العام، والتي كانت تشهد أحداث غير مؤاتية للاقتصاد اللبناني، مثل تفشّي وباء كورونا وانفجار المرفأ وانقطاع المحروقات واشتباكات الطيونة والاضطرابات الاجتماعيّة المُصاحبة للانهيار.

بعد بدء المواجهات في أواخر الأسبوع الأوّل من شهر تشرين الأوّل، تغيّر المشهد بشكل جذري. فإحصاءات المطار الشهريّة بالنسبة للشهر الماضي، تُظهر تراجع حركة المطار بنسبة 33.44%، مقارنة بالفترات السابقة، ما يعني أن المطار خسر خلال هذا الشهر نحو ثُلث حركته. أمّا بالنسبة إلى ركّاب الترانزيت على وجه الخصوص، فتراجعت حركتهم لتقتصر على 261 راكبًا فقط خلال ذلك الشهر، وهو ما يوازي نصف حركة الترانزيت التي تم تسجيلها في الفترة المماثلة من العام الماضي.

الدخول في الأرقام أكثر، يُظهر أن المطار سجّل مغادرة نحو 308 آلاف راكب، في مقابل نحو 208 آلاف وافد، وهو ما يعني أن صافي حركة المطار قد سجّل مغادرة 100 ألف شخص لبنان خلال هذا الشهر. وبهذا الشكل، عكست هذه الأرقام التحذيرات التي وجّهتها السفارات الأجنبيّة لمواطنيها المقيمين في لبنان، والتي طلبت منهم المغادرة أو تفادي السفر إليه. كما عكست مغادرة نسبة معتبرة من اللبنانيين الذين يحملون جنسيّات أو إقامات أجنبيّة، بفعل الخوف من توسّع الاشتباكات في المستقبل.


أرقام العام ما زالت إيجابيّة

في جميع الحالات، من المفترض انتظار أرقام الشهر الراهن، تشرين الثاني، لتبيان الحصيلة الكاملة لأثر الاشتباكات التي تحصل اليوم. إذ من الممكن، بل من المرجّح، أن تعكس هذه الأرقام المزيد من الضمور في حركة المطار، وربما المزيد من حركة المغادرين عبره. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ هذه الحركة لا تشمل حركة العبور عبر المعابر البريّة مع سوريا، أو عبر خطوط التهريب غير الشرعيّة، والتي يمكن أن تتأثّر بمغادرة السوريين القرى الجنوبيّة القريبة من الحدود.

لكن بمعزل عن تطوّرات شهري تشرين الأوّل وتشرين الثاني، يمكن القول أن حركة المطار خلال العام الحالي ما زالت إيجابيّة مقارنة بالسنوات السابقة، حتّى بعد أن نضيف إليها الضمور الحاصل في شهر تشرين الأوّل، وذلك بفعل الحركة النشطة التي تم تسجيلها في الأشهر التي سبقت بدء التوتّر الراهن. فبشكل عام، ما زالت حركة الوافدين خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة أعلى بنسبة 17.51% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فيما تزيد حركة المغادرين بنسبة 18.57% عن تلك التي تسجيلها خلال الفترة المُطابقة من العام الماضي.

أخيرًا، من الضروري الإشارة إلى أنّ عدد الرحلات المتوجّهة إلى المطار أو المُغادِرة منه لم يتأثّر خلال الشهر الماضي، بمعزل عن تعليق بعض شركات الطيران رحلاتها من لبنان وإليه. إذ خلال شهر تشرين الأوّل، ظلّ عدد الرحلات المتوجّهة إلى بيروت أعلى بنسبة 6.58% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، في حين ارتفع عدد الرحلات المُغادرة بنسبة 5% بين الفترتين. وهذا ما يشير إلى أنّ شركات الطيران خسرت جزءاً من ركّاب الرحلات، التي كانت مخططة مسبقًا، من دون أن يتم تخفيض عدد الرحلات التي تقصد بيروت.


في جميع الحالات، من المبكر الحديث اليوم عن تهدئة قريبة على الجبهة الجنوبيّة، طالما أنّ الحرب مستمرّة في غزّة من دون أفق. لكنّ أكثر ما يمكن الرهان عليه حاليًا، هو تثبيت نطاق التصعيد عند حدوده الراهنة، وهو ما قد يهدّئ من مخاوف توسّع نطاق الاشتباكات والاعتداءات الإسرائيليّة. أمّا أكثر ما يخشاه العاملون في القطاع السياحي، فهو أن يستمر التوتّر لغاية نهاية العام الراهن، وهو ما سيؤثّر حتمًا على موسم الأعياد، الذي يراهن عليه عادة أصحاب المطاعم والفنادق، والذي يستقطب في العادة جزءاً كبيراً من الاغتراب اللبناني.

تعليقات: