تعرف هوية صاحبتها من تطريزاتها وألوانها وطريقة نسجها
تعرف هوية صاحبتها من تطريزاتها وألوانها وطريقة نسجها،
لا تزال العباءة اللبنانية تحافظ على التطريز بالخيوط الملونة،
العباءة اللبنانية معروفة بدقة صناعتها وأناقتها،
وهي أيضا جزء من الفولكلور اللبناني،
بيروت:
لم تفقد العباءة وهجها في لبنان رغم تغير طبيعة الحياة وإيقاعها. لكن رغم أنها ارتبطت بعراقة التراث ولا تزال تعتبر جزءا لا يتجزأ من الفلكلور المحلي، الا انها لم تتخلّف عن ركب الموضة العصرية، سواء لناحية التصميم أو القماش أو الألوان أو الاكسسوارات التي أدخلت عليها.
العباءة في التاريخ اللبناني لها جذور قديمة جدا، حيث كانت الزي الرسمي لأميرات لبنان، اللواتي كن يحرصن ان تكون من الحرير المستخرج من دود القز، لينسج بعد ذلك على النول (وهي آلة نسيج بدائية). ومع الوقت اصبحت هوية العباءة وموطنها تعرف من النول المستخدم لحياكتها، فقد كانت هذه الصناعة سريعة ونشيطة بشكل ملحوظ قبل الحرب الأهلية في لبنان، وكانت منطقة الشوف، في جبل لبنان، هي الاشهر حتى يومنا هذا لأن اهالي المنطقة لا يزالون يحافظون على المهن اليدوية التي ورثوها عن أجدادهم أكثر من أي منطقة أخرى. ولا تزال لحد الآن سيدات المجتمع يتباهين بارتداء العباءة اللبنانية او بإهدائها الى صديقات اجنبيات، كما تبرز في الحفلات العالمية مثل حفلات انتخاب ملكات الجمال. مصممة الازياء سمر يمق، مثلا، قدمت 36 عباءة ارتدتها الفتيات المشاركات في مسابقة ملكة جمال اوروبا التي اجريت في لبنان عام 2002 واحتفظن بها كهدية. ومن انواع العباءات المعروفة ايضا، تلك المطرزة بزهرة «الاويا» والمشغولة باليد مع الترصيع بالخرز والحياكة بالشراريب و«شرنقة القز» المصنوعة من قماش المخمل الاسود والقصب الذهبي، و«الصرما» اي المطرزة بالخيوط الذهبية على الطريقة السورية بواسطة ماكينات خاصة. ويقترن ارتداء العباءة بحلول شهر رمضان المبارك، لا سيما في دعوات الإفطار والسحور. وتشهد بعض هذه المناسبات عرضاً غير مباشر للعباءات المتجددة، كما ان بعض بطاقات الدعوة أصبحت تطلب بلطف من المدعوات ارتداءها في بعض المناسبات.
ورغم شيوع ظاهرة ارتداء العباءة لدى اللبنانيات، فإن أهميتها تختلف ليس فقط بين طبقة وأخرى بل حتى بين طائفة وأخرى، وإن كانت خزانة أي سيدة لبنانية، بغض النظر عن انتماءاتها وذوقها، لا تخلو من هذا الزي، لا سيما اذا كان عبارة عن عباءة من المخمل المطرز. وغني عن القول ايضا ان كل عباءة تعكس البيئة، أو المنطقة، التي تنتمي إليها صاحبتها. فالعباءة التي يدخلها نسيج المعدن المدقوق تشير إلى أنها من صنع بعلبك، وتلك المصنوعة من قماش الساري المطرز تكون من طرابلس، اما تلك التي يغلب عليها الحرير فهي من العاصمة بيروت. وتكمن أناقة العباءة اللبنانية في اساليب تطويرها من خلال قصات جانبية تمنحها انوثة وحرية حركة، أو من خلال التطريز الدقيق على الصدر، كما اصبح بعضها يأتي بطبقتين، قميص طويل وبنطلون واسع مريح، على الطريقة الهندية. وكلها أساليب أصبحت تشكل خطاً جديداً في موضة العباءة، وتستقطب شرائح الفتــيات قبــل الأمــهات. فجاذبيتها بالنسبة لهن تكمن في الراحة التي تمنحها وإلى قدرتها على تحريرهن من قيود الملابس المعقدة، خصوصا في المناسبات الحميمة والعائلية، هذا عدا أنها تخفي الكثير من العيوب إذا كانت الواحدة منهن تميل إلى الامتلاء أو البدانة. ولتتماشى مع كل الأزمنة والأمكنة، كان لا بد من هذه التغييرات والتطويرات التي شهدتها العباءة، الا انها بقيت في معظمها تحافظ على التطريز بالخيوط الملونة. ولعل تلك ميزة تلتقي فيها مع العباءة الفلسطينية لتختلف من حيث النقوش والرسومات. فالتطريز اللبناني يعتمد على الورود والشجيرات التي تضاف اليها مواد من الجلد والمعدن. غير ان اللافت في الامر، هو ظاهرة اقبال الفتيات الصغيرات عليها في الآونة الاخيرة، لا سيما مع اطلالة رمضان. تقول ياسمين الموظفة في محل لبيع العباءات: «الطلب على العباءات لا يختلف من موسم الى آخر، ترتديها النساء طوال أيام السنة. فهي حاضرة في المناسبات الخاصة لمرحلة ما بعد الولادة أو خلال فترة النقاهة. انما يمكن القول إنه في شهر رمضان يزيد الطلب عليها نظرا لكثرة المناسبات والدعوات العائلية حيث يصبح هناك سباق على ارتداء أجملها». وتميّز ياسمين بين أذواق اللبنانيات اللواتي يفضلن كل ما هو بسيط والعربيات اللواتي يخترن الملوّن والمزخرف، ولافتة الى أن المحجبات هن أكثر من يلجأن الى هذا النوع من الأزياء طوال السنة، خصوصا إذا كانت بتصميمات فضفاضة. وتؤكد نيكول بلان صاحبة محلات «مفتاح الشرق» التي تتمتع بخبرة 12 سنة في مجال تصميم العباءات، لا يمكن الاستغناء عن الطابع التقليدي. وتشير: «الابتكار الشخصي يتجلى في التفاصيل التي أستوحيها من موضة الأزياء العالمية، وبالذات فيما يتعلق بالألوان ونوع الأقمشة، حيث أحرص على التوازن في كل المجموعات التي اصممها، فأعتمد اما الألوان الجريئة أو التصاميم الجريئة، فأنا لا أدمج الاثنين في القطعة الواحدة، كي تجد كل امرأة ما يخاطبها ويناسبها، أيا كان ذوقها أو جنسيتها». وتؤكد بلان على أهمية القماش بالذات قائلة: «يجب أن يكون قماش العباءة التي ترتديها المرأة في البيت من النوع العملي الذي لا يحتاج الى العناية الدقيقة مثل القطن، أما تلك المصممة لتلبسها في المناسبات فيجب ان تكون مصنوعة من الحرير والقماش الراقي كي لا ينعكس سلبا على مظهر العباءة وقيمتها». وفي ما يتعلّق بالعباءة التي تأتي بقطعتين واحدة كلاسيكية (مقفلة) والثانية واسعة ومفتوحة، تشير بلان الى أن القطعة الأولى تتسم عادة بالبساطة بعيدا عن التكلّف في التصميم لتأتي القطعة الثانية الخارجية مزينة ومزخرفة. تقول «هذا التصميم تفضله ذوات الجسم المائل للامتلاء، لأنه يخفي الكثير من العيوب. أما تلك التي تضيق عند الخصر فهي مناسبة أكثر لذوات الجسم النحيل، او للمرأة التي تريد ابراز رشاقة قدها». ولم تتوقف بلان في تطويرها للعباءة على التفاصيل والألوان وإدخال أقمشة جديدة، حيث ابتكرت تصميمات خاصة بالمراهقات، كالتي أطلقت عليها تسمية «الكوفية» وصممتها بطريقة تجمع بين طابع العباءة والموضة العصرية المريحة بألوانها المتعددة والواسعة من الأسفل وعند اليدين، لتأتي الكوفية، التي تجمع بين الأبيض والأسود والأحمر على شكل حزام يربط على الخصر. كما استوحت من العباءة «البلوزة» الطويلة والواسعة المصممة بطريقة بسيطة ومصنوعة من القماش نفسه الذي تصنع منه العباءات وبألوان متعددة وترتديه الفتيات كأي «بلوزة» مع بنطلون الجينز جامعة بذلك التراث مع الموضة العصرية. ولم تكتف بلان بالتصاميم المخصّصة للاستعمال التقليدي للعباءة فقد صممت عباءة على شكل فستان للعروس يجمع بين طابع العباءة وسحر ثوب العرس الأبيض من دون الاستغناء عن الطرحة. كما خصصت للاطفال بعد سن السنتين، تشكيلة واسعة تشبه عباءات الكبار . تشرح: «تفضل السيدة في كثير من الأحيان أن ترتدي هي وابنتها العباءة نفسها في المناسبات العامة وهذا ما آخذه بعين الاعتبار».
العباءة اللبنانية معروفة بدقة صناعتها وأناقتها
تعليقات: