تحولت المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ إلى مؤسسة هرمة ومفلسة (الأرشيف، علي علوش)
في تقاريرها السّابقة، أشارت "المدن" لحجم الأزمة المعيشيّة التّي يعيشها كل من العناصر الأمنيّة والعسكريّة، أكانوا في الخدمة الفعليّة أو متقاعدين. وهذه الأزمة المقرونة بتبعات الانهيار الماليّ ومن ثمّ الاقتصاديّ، وتفشي اللصوصيّة والنهب العام، في إدارات هذه المؤسسات، قد أفرزت تدهورًا غير مسبوق تعدى الكادر البشريّ المُفقر، ليطال بُنية وهيكليّة هذه المؤسسات، وتحديدًا المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ، التّي كانت عنصرًا إنتاجيًّا يُغذي الخزينة العامة، لتصير مؤسسةً هرمة، شبه مُفلسة، وقريبًا وإن لم يتمّ الاتفاق على مدير عام جديد، أو التّمديد للحاليّ، ستتحول إلى كل هذا مع واقع "تصريف الأعمال".
تظاهرة مطلبيّة
وأما بما يرتبط بالوضع المعيشيّ وتحديدًا حقّ كل المُتقاعدين من رتبة المؤهل والمؤهل أول وبناءً على المرسوم 1595/84 بالمحروقات، التّي لم تصرفها المديريّة لهم منذ نحو الثلاث سنوات، كما هو منصوص قانونًا (5 صفائح)، ذلك وناهيك بالمخصصات التّي تصل نسبة 75 بالمئة من قيمة التّعويضات المُخصصة حسب الوضع العائلي لملازم درجة أولى في الخدمة الفعليّة أو في التقاعد. والتّي حتّى شهرين من الآن قد صدر عن المديريّة ووزارة الداخليّة وعودًا بتسديدها (راجع "المدن"). وبالتّخلف عن تسديدها.. عادت التّظاهرات المطلبيّة والتحركات الميدانيّة إلى الشارع، والتّي توقفت فترة خلال المفاوضات التّي أجراها ممثلو تجمعات المتقاعدين لنيل حقوقهم، وآخرها كان صباح اليوم، الإثنين 27 تشرين الثاني الجاري.
وأمام الشارع المؤدي باتجاه البرلمان اللّبنانيّ وقف عددٌ من المتقاعدين تحت مظلاتهم الشتويّة، للمطالبة بالاستحصال على حقوقهم، وذلك تلبيةً للدعوات التّي بثتها المجموعات على مدار الأيام القليلة السّابقة؛ أما مشهديّة التّظاهرة الخجولة التّي حضرها نذرٌ ضئيل من العسكريين المتقاعدين، بعدما اضطر عددٌ هائل للتّخلف عنها بسبب المنخفض الجويّ وزحمة السّير التّي أدت إليها الأمطار الغزيرة، فكانت على الضدّ من كل التّظاهرات السّابقة وحملت طابعًا رمزيًا، لا يُمكن تحديد مرجعه، إذا ما كان يرتبط بالعوامل الجويّة وحسب، أو انطفاء الحماسة الشعبيّة نحو التّحركات المطلبيّة.
تخوف جديد
أما اللافت كان في التّظاهرة الحاليّة وما يتململ اليوم في صفوف المتقاعدين، وفي طور الإحالة إلى التّقاعد، هو السّجال السّياسيّ – الأمنيّ الذي يشغل الرأي العام حاليًّا؛ وهو انضمام ملف التّمديد لمدير عام قوى الأمن الداخليّ اللواء عماد عثمان، الذي سيُحال إلى التّقاعد منتصف أيار المقبل، بعد وصوله إلى السّن القانونيّ، إلى دائرة الأزمات المُتعلقة بالتمديدات لكل المحالين إلى التّقاعد من أجهزة أمنيّة ووجوه قضائيّة ومديرين عامين، على شاكلة الأزمة المرتبطة بتعيين قائد جديد للجيش اللّبنانيّ أو التّمديد للعماد جوزيف عون، أو تأجيل تسريحه.
فالسّؤال الأبرز حاليًّا الذي انبثق عند العناصر ومن مختلف الرتب، مع اقتراب إحالتهم إلى التّقاعد، هو التّالي: إذا صدر قرار التّمديد أو تأجيل التّسريح، هل سيُطبق عليهم هم وكذلك الذين تمت إحالتهم إلى التّقاعد مؤخرًا؟ وما مصير المؤسسة في حال اجتاح الفراغ مركز المدير العام؟ وهل هناك تجاوب رسميّ مع إمكانيّة اقتراح قانون يقضي بالتّمديد لقادة الأجهزة الأمنّية أو اقتراحٍ آخر يرمي لرفع سن التّقاعد لسواد الملاك في الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة لمدّة سنة (أو سنتين)، ولجميع الرتب؟
وسناريو التّمديد للعناصر، قد تمكن لوحده من إثارة موجة من السّخط في صفوفهم، خصوصًا أن غالبيتهم بقوا حتّى حينه للاستفادة بالتّعويضات التّي استحالت رمزيّة، مفضلًا عدم انتهاج خيار الفرار وما يتبعه من مساءلة قضائيّة ومسلكيّة. فيما بعضهم استمر في خدمته مرغمًا بعد فسخ عقد تطوعه لأن المديريّة أوقفت التّسريح فترة. وللإجابة على هذه الاستفسارات، أشارت مصادر أمنيّة رفيعة المستوى "المدن" لكون "السيناريوهات هذه من المُبكر الحديث عنها والقلق بشأنها، لكنها مطروحة، خصوصًا أن المؤسسة تُعاني نزيفًا مستمرًا في العناصر، مع وقف ضخّ دماء جديدة إليها".
فيما أكدّ المحامي علي عباس لـ"المدن" أن "السّجال الحاليّ حصرًا، وإمكانيّة التّمديد لمنع حصول فراغ في مركز حساس أو تأجيل التّسريح (التّي تستدعي حالة طارئة وظروف قاهرة)، لا تمتد للعناصر، لأنها تستوجب آلية قانونيّة خاصة بها، بدايةً من اقتراح لوزير الداخليّة ومناقشته في مجلس الوزراء، وله مسوغاته وظروفه الخاصة بمعزل عن السيناريوهات المفترضة لمراكز قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخليّ".
تعليقات: