يجمع المهارات السياسية والامنية.. ويبدو قاسياً، وموثوقاً، ومؤثراً ومقبولاً من قبل أصدقائه (أناضول)
خلال أقل من أسبوعين على بدء عملية "طوفان الاقصى"، حوّل الاعلام الاسرائيلي نقطة التركيز الاعلامي من قائد "كتائب عز الدين القسام" محمد الضيف، باتجاه رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار. أعاده الاحتلال الى الضوء بوصفه "المفاوض صاحب القرار"، فيما وصفته وسائل اعلام غربية بأنه "كابوس اسرائيل"، وذلك لارتباط اسمه بالمفاوضات المتعلقة بالأسرى والرهائن.
السنوار الذي وصفته دولة الاحتلال بأنه العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى إلى جانب الضيف، بات يتصدّر العناوين الرئيسية في وسائل الاعلام "بعد أن قطع المفاوضات التي كانت جارية مع الوسطاء القطريين"، و"قال إنه لا يستطيع مواصلة التفاوض ما دامت قوات الاحتلال الإسرائيلي تجري عملياتها في مستشفى الشفاء"، حسب ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية.
مرعب إسرائيل وكابوسها
خلافاً لبعض الشخصيات الأمنية المُلاحقة حول العالم، يجمع السنوار صفتي "القائد الأمني والسياسي". تنتشر صوره، يجري إتصالات، يعقد مؤتمرات صحافية.. يصفه الإعلام الغربي بـ"مرعب إسرائيل"، وكان موقع "ميديا بارت" الفرنسي أكثر تحديداً بالقول إن رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار "أصبح كابوس إسرائيل".
يُركّز المحللون ووسائل إعلام عبرية على شخصية السنوار ودوره المركزي في "تضليل الاحتلال والأجهزة الإسرائيلية". يرى الباحث المختص في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل ابيب ميخائيل ميليشتاين، أن "طوفان الأقصى" هو "تضليل إستراتيجي مدروس، يشمل دعوة سابقة لنتنياهو من قبل السنوار، ذات مرة، لاتخاذ قرار شجاع" حول القبول بتسوية الدولتين، وكل ذلك"يؤكد أننا فشلنا في قراءة جوهرية لحركة "حماس".
وفي مقال سابق لصحيفة "هآرتس" خلال صيف 2021، يذكر أحد المصادر داخل الأجهزة الأمنية أن "يحيى السنوار لم يعد يرى نفسه مجرد زعيم بسيط لحزب فلسطيني، بل يتصرف كما لو كانت لديه مهمة أوكلها الله إليه لحماية القدس والمسجد الأقصى. وهي مهمة ستلحق بإسرائيل واحدة من أسوأ المآسي في تاريخها".
كانت اسرائيل، قبل طوفان الاقصى، تتنبّأ بدوره المستقبلي. صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كتبت مرة أنه "سيكون حلقة وصل قوية بين جناحي الحركة العسكري والسياسي، نظرا لما يتمتع به من خبرة أمنية ومهارات عسكرية، وهو ما استطاع تحقيقه بالفعل". وحسب التقارير الواردة عن دوره وأدائه، لا سيّما ما ورد في تقرير "بلومبورغ" قبل ايام، يبدو السنوار "مفاوضاً بارعاً حتّى تحت النار".
"الرجل الميت"
وُلد يحيى إبراهيم السنوار في مُخيَّم "خان يونس" للاجئين سنة 1962، وترأس "الكتلة الإسلامية" خلال سنواته الجامعية، وهي الذراع الطلابي للإخوان المسلمين في فلسطين. تُشكّل هذه المرحلة محطة أساسية في حياته إذ ساعدته ليتبوّأ الأدوار داخل حركة حماس، علماً أن الرجل لم يكن من المؤسِّسين الأوائل للحركة ولكن بدأ نجمه يلمع داخل التنظيم بعد أن أسس جهاز الأمن الخاص بالحركة الذي عرف باسم "مجد" المعني بالملفات الأمنية الداخلية، كإجراء تحقيقات مع عملاء إسرائيل، ليتطور في ما بعد إلى اقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها.
اعتقل السنوار ثلاث مرات، بدءاً منذ العام 1982، وفي العام 1988 أعيد إعتقاله وأدين بقتل جنود إسرائيليين وحكم عليه بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة، وعلى مدار سنواته الطويلة في الأسر، كان قارئاً ومتابعاً للمجتمع الإسرائيلي، ودأب على متابعة الإعلام العبري باستمرار، كما اطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية التي تناولت الوضع الداخلي الإسرائيلي، الأمر الذي مكّنه من معرفة كيفية التعاطي مع الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي.
وفي وصف لملامح شخصية السنوار، يشير تقييم استخباراتي إسرائيلي أُنجز خلال فترة وجوده في السجن حسب ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى أنه كان "قاسياً، وموثوقاً، ومؤثراً ومقبولاً من قبل أصدقائه، ويتمتع بقدرات غير عادية على التحمل والمكر والتلاعب، ويحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين".
قضى السنوار 23 عاماً متواصلة في سجون الاحتلال، منها أربع سنوات في العزل الانفرادي، أُطلق سراحه عام 2011 ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، حيث أُطلق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً.
من السجن الى القيادة
بعد الإفراج عن يحيى السنوار، شارك في انتخابات حركة حماس الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة، إضافةً إلى تولّيه مسؤولية الجهاز العسكري لكتائب عز الدين القسام. أدرجت الولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر 2015 اسم السنوار على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين"، وفي 13 شباط 2017، انتخب رئيساً للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفاً لإسماعيل هنية.
منذ بداية العدوان على غزّة أعلنت إسرائيل عن نيتها قتل السنوار، كما تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقتٍ سابق خلال مقابلة أجراها مع شبكة "فوكس نيوز بالوصول إلى قادة حماس، ومن بينهم يحيى السنوار، قائلا: "ما زالوا في مدينة غزة أو في أنفاق، إنهم هناك. سوف نصل إليهم". فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ذلك أيضاً عدّة مرات خلال العدوان على غزّة.
مفتاح المفاوضات
يتمتع السنوار بشخصية متميزة عن سواه. اعترف ضباط مخابرات إسرائيليون سابقون وحاليون بـ"قراءة السنوار بشكلٍ خاطئ"، حيث "أعطى انطباعاً بأنه لا يرغب في القتال مع إسرائيل، وأن حماس مهتمة فقط بضمان حصول العمالِ في غزة على تصاريح العملِ الإسرائيلية والمزيدِ من الحوافز الاقتصادية"، في اشارة الى التضليل قبل أن يمضي الى معركة "طوفان الاقصى".
وفي المقابل، يرى عارفو السنوار ومتابعوه أنه "رجل قيادي مُتعدّد المهارات"، فهو "رجل أمني ويمتلك خلفية وذهنية أمنية جعلته قائداً حاضراً في الميدان ومتحكماً بالاتصال والسيطرة ومتخفياً عن أعين الاحتلال ومنظومته الأمنية من جهة". ومن جهةٍ أخرى، "أثبت حضوراً سياسياً وازناً خلال فترة قصيرة نسبياً من خلال تجربته في العمل السياسي".
اليوم، ومع الحديث عن دوره المركزي في مفاوضات الأسرى، من الواضح أن الرجل يملك المفتاح وإدارة المفاوضات مما يعكس دوراً قيادياً مركزياً ليس فقط في ملف الأسرى بل في قيادة العمليات الدائرة في قطاع غزّة بشكل عام وما يرتبط بها من إتصالات خارجية.
تعليقات: