أل.بي.سي.آيه في الجنوب: القصص البديلة كمنفَذ من التكرار

الزميل إدمون ساسين خلال تقرير عن قطاف الزيتون
الزميل إدمون ساسين خلال تقرير عن قطاف الزيتون


وحدها نشرة الاخبار في قناة "أل بي سي أيه"، خلال الحرب على غزة، كفيلة بالإجابة على الأسئلة الاعلامية عن جدوى التغطية في المنطقة الحدودية اللبنانية مع فلسطين المحتلة. كل النقاشات حول إرسال الطواقم الى الحدود، وما تلاها من انقسام حول أولوية حماية الطواقم في ظل صورة مكررة في المنطقة الحدودية، تنحصر في تجربة بدأتها LBCI في اليوم التالي لبدء الحرب في جنوب لبنان، حيث ذهبت القناة ومراسلوها الى تقارير على هامش القصف، تجيب على أسئلة تعكس التزاماً بقضايا الناس.

منذ لحظة اندلاع الحرب، سارت نشرة الاخبار في LBCI، على خطين متوازيين. أولهما التغطية الخبرية غير التقليدية، ضمن الإمكانات المتاحة. هي القناة اللبنانية الوحيدة التي اعتمدت خريطة تفاعلية، حولت الاعلانات المتعاقبة من حركة "حماس" والجيش الاسرائيلي الى مادة بصرية توضيحية، تفسّر التطورات الميدانية وترسم مآلاتها واحتمالاتها، الى جانب سلسلة من تقارير تجيب على السؤال السابع في التغطية الخبرية: "ماذا بعد؟"، في اشارة الى الخلفيات والتداعيات.

وكما هو الحال في غزة التي تُنتج حولها في كل نشرة تقارير عديدة، ميدانية وسياسية ودبلوماسية، كذلك الأمر في جبهة الجنوب اللبناني. انتشر المراسلون في قطاعين بالحد الأدنى، الغربي والشرقي، لتزويد مشاهدي القناة بالأنباء الميدانية وتطورات المنطقة الحدودية. لكن مهام الطواقم في ذلك الانتشار، لم تقتصر على المادة الميدانية، إذ تحول المراسلون الى إعداد القصص على هامش الحرب، وهي الإضافة الكفيلة بتبديد الاسئلة عن ضرورات التغطية والبدائل عن "الحظر الناري" الذي فرضته قوات الاحتلال على تغطية الصحافيين، ترهيباً واستهدافاً.

والبديل هنا، هو مروحة من القصص على هامش التغطية الخبرية. يدخل المراسل إدمون ساسين، الى بلدة علما الشعب الحدودية، التي أشعلت القذائف الاسرائيلية فرص الحياة في محيطها، لسرد حكاية "صمود أم جورج وأبو جورج". حكاية انسانية بمثابة رواية بديلة عن أخبار الحدود المكررة.

وتتسع مروحة القصص منها الى حيوات الناس في المنطقة الحدودية. "شح في أدوية الصيدليات" في المنطقة، تكشفها المراسلة ريمي درباس في تقرير منفصل، في علاج خبري لأزمة انسانية يعيشها أبناء المنطقة في ظل الحرب، وتذهب منها الى أزمة اقتصادية أخرى، تتمثل في تراجع الإقبال على الصوبيات (وجاق التدفئة) في موسم يعول عليه الجنوبيون من صانعي المدافئ في الشتاء.. وتنتقل ريمي في تقرير آخر الى فوارق الحياة بين الحدود ومدينة صور التي تبعد 15 كيلومتراً، لتعكس حركة الناس واستعداداتها لموسم الأعياد.

ولأن تداعيات الحرب لا تقتصر على المقيمين في المنطقة الحدودية، تتوسع القصص الى مواقع النزوح في العاصمة، فتعرض القناة معاناة النازحين في بيروت، الى جانب قصص أخرى للنازحين في مدينة صور. تبحث القناة، عملياً، عما هو غير مستهلك. تختار وجهات لم تلحظها وسائل الاعلام الدولية التي تقصد معظمها مواقع معروفة ومعلنة من قبل السلطات، ما يؤدي إلى تشابه القصص، ودورانها في فلك واحد.

ومثلما بحثت القناة عن قصص إنسانية تحت هول القصف، بحثت عنها أيضاً بعد الحرب. عرضت القناة قبل يومين قصة لمزارعي الزيتون الذين لجأوا الى قطاف المحصول بمجرد تطبيق الهدنة، وجال مراسلوها في القرى الحدودية، وأنتقوا قصصاً عن حصر الاضرار ودفع التعويضات.

يمثل السرد القصصي على هامش الحدث، أبلغ إجابة على سؤال تردد في الاسابيع الماضية: "ما جدوى التغطية في الحدود طالما أن الصور مكررة؟"، إذ أن طرح السؤال من دون البحث عن بدائل، يعكس ضموراً في الابتكار الاعلامي، بينما تنفيذ البدائل، يعبر عن استجابة انسانية لأسئلة الناس وحيواتهم. لا خلاف على أن غالبية التغطيات المباشرة، كانت تنقل صورة مكررة، غير مؤثرة، لا تتضمن محتوى خاصاً مؤثراً في ظل البيانات الجاهزة التي يتم تداولها في منصات "تيليغرام"، وبينها مشاهد القصف المعممة التي يوزعها "الاعلام الحربي" التابع لـ"حزب الله"، وهو ما يفرض مقاربات أخرى للتغطية، بمروحة أوسع، تخرج من قيود البيانات.

حين نسأل عن غرفة الأخبار في "ال بي سي أيه"، تأتي الإجابة بأن بعض المسؤولين لم يذهبوا في اجازة طوال فترة الحرب، فيما تنسق مديرة الأخبار، لارا زلعوم، مع المراسلين والطواقم لحظة بلحظة، لإنتاج محتوى خاص، يراعي هذا الجانب القصصي على هامش الحرب، من دون تجاهل الجانب الخبري اليومي المطلوب للوقوف على تطورات الأحداث الأمنية، وبأولوية حماية الطواقم.

تعليقات: