اسرائيل قتلت عصام عن سابق تصوّر وتصميم

كاميرا عصام عبدالله المهشّمة شاهدة على الجريمة (أ ف ب)
كاميرا عصام عبدالله المهشّمة شاهدة على الجريمة (أ ف ب)


بعد قرابة شهرين على استشهاد المصوّر في «رويترز» عصام عبدالله وإصابة عدد من زملائه، أصدرت «منظّمة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» نتائج تحقيقهما التي خلصت إلى أنّ الاستهداف الإسرائيلي كان مباشراً للصحافيين، فيما لا تزال وكالة «رويترز» تمارس لعبة التهرّب والتملّص

على باب المؤتمر الذي عقدته «منظّمة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» أمس في مبنى جريدة «السفير» (نزلة السارولا في شارع الحمرا)، جلست ليلى عمّة الشهيد عصام عبدالله محاطة بزملاء المصوّر في «رويترز». استعادت مع رفاقه اللحظات الأخيرة التي قضوها معاً، واختلطت دموعها بأوجاعهم. تكشف لنا أنّ أحد أصدقاء عصام يرتدي سلسلته، بينما زميله الآخر يتصل بها كل مدة للاطمئنان عليها. هكذا، كان المؤتمر مناسبةً لاستدعاء ابن الـ 37 عاماً الذي استُشهد يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أثناء استهداف العدو الإسرائيلي له مع مجموعة من زملائه (الأخبار 16/10/2023) أثناء تواجدهم في منطقة علما الشعب (جنوب لبنان)، وإصابة مراسلة قناة «الجزيرة» كارمن جوخدار والمصوّر إيلي براخيا، كما إصابة مصوّر الفيديو في «فرانس برس» ديلان كولينز، والمصورة الفوتوغرافية لدى الوكالة كريستينا عاصي التي لا تزال تتلقّى علاجها في أحد مستشفيات بيروت. مع العلم أنه بعد ساعات على استشهاد عصام، أصدرت «رويترز» بياناً مخزياً تهرّبت فيه من تحميل العدو الإسرائيلي مسؤولية استهداف المصور اللبناني!في المؤتمر، أعلنت «منظمة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» نتائج تحقيقين منفصلين قامتا بهما، وتزامن نشرهما مع تحقيق لوكالة «فرانس برس». التحقيقات الثلاثة أظهرت أنّ قذيفة دبابة إسرائيلية قتلت عصام عبدالله وأصابت ستة صحافيين آخرين، بينهم صحافيا «فرانس برس» ديلان كولينز وكريستينا عاصي. وحمّلت المنظّمتان إسرائيل مسؤولية استهداف الصحافيين، ما يستدعي تحقيقاً في «جريمة حرب». تحدّث في المؤتمر كل من: كارمن جوخدار، وديلان كولينز، ونائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو آية مجذوب، والخبير اللبناني في «هيومن رايتس ووتش» رمزي قيس. وحضر المؤتمر الصحافيون الجرحى، باستثناء كريستينا عاصي، مستعرضين الساعات الأخيرة قبل استشهاد عصام.

ما يجمع بين الصحافيين الناجين أنّ جراحهم النفسية والمعنوية لا تزال مفتوحة. لا يفارق أذنهم صوت القذيفة التي استهدفتهم، وأنين إصاباتهم التي تنوّعت بين المتوسطة والخطيرة.

انطلق المؤتمر بدقيقة صمت، حداداً على الصحافيين الذين استُشهدوا أثناء تغطيتهم العدوان على جنوب لبنان، آخرهم فرح عمر مراسلة قناة «الميادين» وزميلها المصوّر ربيع معماري (الأخبار 22/11/2023). إضافة إلى الشاب المرافق لهما حسين عقيل الذين قضوا بصاروخ إسرائيلي أثناء تواجدهم في منطقة طيرحرفا (قضاء صور - جنوب لبنان).

كانت كلمة ديلان كولينز مؤثرة، وخصوصاً حين راح المصوّر الأميركي يسرد أحداث يوم الـ 13 تشرين الأول الماضي، متوقّفاً عند كل مشهد جمعه بأصدقائه الجرحى وزميله الشهيد في رحلتهما الأخيرة. شرح كولينز كيف أنّه لم يستوعب بعد رحيل عصام، ثم انتقل للحديث عن زميلته كريستينا، مؤكداً أنه يواصل تقديم الدعم لها، لكي تستعيد قدرتها على المشي مجدداً. وتعليقاً عن نتائج التحقيقات، قال: «لست متأكداً من فائدة هذه التحقيقات. أعلم أنها لن تحيي عصام، وأعلم أنها لن تساعد كريستينا على المشي مجدداً. لكن ما أتمناه هو أن تكون على الأقل بمثابة بداية لآلية عدالة ومساءلة».

أما كارمن جوخدار، فقد استعادت صورة زميلتها الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة (1971 ــ 2022) التي استُشهدت في نيسان (أبريل) عام 2022 اثناء تغطيتها اقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين. وأكّدت جوخدار أنّ إسرائيل استهدفت الصحافيين بهدف إسكاتهم ومنعهم من نقل ما يحدث في جنوب لبنان. ولفتت إلى أنّ التحقيقات في جريمة الاستهداف مهمّة، ولكن «الجزيرة» علمت منذ اللحظات الأولى أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يقف خلفه. وأشارت إلى أنّ تحقيقَي «منظمّة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش»، يؤكّدان المؤكد، مطالبةً بعدم إفلات إسرائيل من العقاب ووجوب تحقيق العدالة، وأخذ الملفّ إلى المحاكم الدولية.

أما رمزي قيس، ففنّد تفاصيل التحقيقين، قائلاً: «بعد شهرين من التحقيق، تأكد بأنّ الضربتين اللتين استهدفتا الصحافيين في 13 تشرين الأول الماضي، كانتا هجوماً إسرائيلياً متعمّداً على الصحافيين، بالتالي هو جريمة حرب». وشرح بالأدلة والبراهين نتائج التحقيقين، لافتاً إلى أنهما «يشيران بقوة إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تعرف، أو كان يجدر بها أن تعرف أن المجموعة التي هاجمتها من الصحافيين».

قذيفة دبابة من عيار 120 ملم مصدرها «إسرائيل» تسبّبت في الجريمة

من جانبها، أكّدت آية مجذوب أنه «تجب محاسبة المسؤولين عن انتهاك القانون عبر قتل عصام وإصابة ستة صحافيين آخرين بجروح. لا يجوز أبداً استهداف أو قتل صحافي لمجرد أنه يقوم بعمله. كما لا يمكن السماح لإسرائيل بقتل الصحافيين ومهاجمتهم، ثم الإفلات من العقاب. يجب إجراء تحقيق مستقلّ ونزيه في هذا الهجوم المميت». وأكدت مجذوب أن «الهجمات المباشرة والعشوائية على المدنيين، بمن فيهم الصحافيون، محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي ويمكن أن تصل إلى جرائم حرب». وتابعت «أنّ تحقيق المنظمتين خلص إلى نتيجة أن قذيفة دبابة من عيار 120 ملم مصدرها إسرائيل تسبّبت في الحادث». وأردفت أنّ «على حلفاء إسرائيل أي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا، أن تعلّق مساعدتها العسكرية لإسرائيل، بسبب خطر استخدام هذه الأسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة».

مع ذلك، ما زالت وكالة «رويترز» تحاول التهرّب من اتّهام إسرائيل بالجريمة. إذ أطلّت مديرة مكتب «رويترز» في لبنان وسوريا والأردن مايا جبيلي، في تسجيل مباشر عبر أحد التطبيقات، لتحكي كلاماً شاعرياً عن «الفراغ الذي تركه عصام». لكنّها لم تشرح الأسباب التي دفعت «رويترز» إلى إصدار بيانات مخزية فور انتشار خبر استشهاده، بل حاولت التملّص من الغوص في قضية استهداف إسرائيل الصحافيين، من دون الكشف عن أيّ خطوات مستقبلية قد تتخذها الوكالة إزاء نتائج التحقيقين المذكورين. وكانت «لجنة حماية الصحافيين» رحّبت بنشر التقارير أمس، داعية إلى «تحقيق مستقل وشفاف يحاسب المرتكبين». وتعليقاً على النتائج، أعلن رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي بأنّ «الحكومة ستتخذ الإجراءات كافة لضم التقريرين إلى الشكوى المقدمة أمام مجلس الأمن الدولي ومتابعتها».

يُذكر أن تحقيق «منظّمة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» ليس جديداً على اتهام إسرائيل، فقد أعلنت منظّمة «مراسلون بلا حدود» قبل شهر تقريباً، نتائج أوّلية للتحقيق الذي خلص إلى «أن مقتل عبدالله كان نتيجة ضربة مستهدفة من اتجاه الحدود الإسرائيلية».

تعليقات: