نازحو القرى الحدوديّة واللاجئون السّوريّون بمواجهة نكبة الشتاء

نزوح ما لا يقلّ عن 55,183 شخصًا من الجنوب اللبناني (Getty)
نزوح ما لا يقلّ عن 55,183 شخصًا من الجنوب اللبناني (Getty)


لعلّ السّؤال الأبرز في المرحلة الراهنة، ينضوي تحت تصور مُلّح وجوهريّ مفاده: هل سيكون التّصعيد الأمنيّ جنوبًا، النافذة نحو نكبة لبنانيّة جديدة؟ وبالرغم من ضيق الأفق لتوقع أي سيناريو مُحتمل في ظلّ التّسارع الدراماتيكيّ لمجريات الأحداث الأمنيّة والسّياسيّة، يبدو بالفعل أن التّصعيد هذا وبالرغم من واقع "انحساره" بات يُلّمح لما هو أبعد وأشدّ خطورة في سياقه اللّبنانيّ. فإذا ما أخذنا بالاعتبار الأثر الاقتصادي والسّياسيّ والأمنيّ وقمنا بإسقاطه على المحنة التّي يعيشها حاليًّا سكان الجنوب وتحديدًا نازحو القرى الحدوديّة، فإن معالم النكبة بدأت تتوضح، والغياب الرسميّ بات متجليًّا أكثر، والانهيار اللّبنانيّ "مُتعدّد الأوجه" بات جزءًا لا يتجزأ من المشهديّة العامة.


النازحون من القرى الحدوديّة

تتفاوت التّقديرات لحجم الأزمة وأعداد النازحين، إلا أن آخر تقريرٍ صدر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة (اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات)، UNOCHA، أشار لنزوح ما لا يقلّ عن 55,183 شخصًا (52 بالمئة منهم إناث)، من الجنوب اللّبنانيّ والقرى الحدوديّة التّي تتعرض للأعمال العدائيّة المستمرة. وقد أكدّ التقرير الأسبوعيّ أن الهدنة الإنسانيّة في قطاع غزّة، التّي استمرت نحو سّبعة أيام، كانت منفذًا لاستتبابٍ أمنيّ جزئيّ في الجنوب، الذي توقفت فيه العمليات العسكريّة برهةً وانكشف مع غيابها حجم الضرر والخسائر، لكنها وفرت الفرصة للسكّان النازحين لزيارة منازلهم والتّأكد ميدانيًّا من حجم الأضرار التّي لحقت بها، أو على الأقلّ لاستئناف نشاطهم الزراعيّ ولو لمدّة وجيزة.


الأزمة المرتقبة

في 29 من تشرين الثاني الفائت، أقرّت الحكومة اللّبنانيّة آلية لتقديم تعويضات للسكّان المتضرّرين من الاشتباكات، على أن يتمّ صرف التّعويضات بعد إجراء "دراسة استقصائيّة للأضرار"، وقد جاء القرار بناءً على موافقة الحكومة على اقتراح مجلس الجنوب بتعديل قيمة التعّويضات بالليرة اللّبنانيّة، التّي كانت على سعر صرف 1500 ليرة للدولار. وطلب المجلس زيادة المبالغ بالليرة لتعويض مال دفعه المجلس في عام 2006، حيث كانت القيمة 60 مليون ليرة للمنزل المدمر بالكامل، والذي كان يعادل 40 ألف دولار حينها، بينما يعادل حاليًا 670 دولارًا فقط. ويشمل جدول التعويضات مبالغ تصل إلى 3.6 مليار ليرة للوحدات السكنية المدمرة بالكامل، ومليار ليرة للوحدة التي يتطلب ترميمها، بالإضافة إلى تعويضات للجرحى وذوي الشهداء تتراوح بين 10 و20 ألف دولار. الأمر الذي خلق حالةً من السّخط لدى فئة واسعة من التّي اعتبرت أن المسؤوليّة تقع على حزب الله الذي من واجبه دفع التّعويضات التّي قد تُثقل كاهل الخزينة العامة، على اعتبار أن الدولة ليست صاحبة القرار أساسًا بالحرب.

وعلى هذا الفشل، أكان في تحرير التّعويضات للمتضرّرين أو مساندة ودعم النازحين ماديًّا لانتفاء المقدرة على تمويل خطّة الطوارئ الحكوميّة، وطرح سياسات مُعالجة في خضم الأزمات، بات الاعتماد شبه كلّيّ على شبكات دعم اجتماعية ومنح تمويلية، وفرّتها المنظمات الأمميّة وغير الحكوميّة، لتدارك وطأة الإفقار القسريّ لغالبية الفئات والطبقات الاقتصادية وتعاظم هشاشتها تباعًا. إلا أن هذه المساعدات وكما يُشير العاملون في دور الإيواء الرئيسيّة، في صور والنبطيّة والحاصباني، هي محدودة ولا يُمكن التّعويل عليها والاستعاضة بها عن التّمويل الرسميّ، وخصوصًا أننا مقبلون على موسمٍ شتائيّ، ما من شأنه مفاقمة الأزمة العامة، أكان بما يتعلق بالتدابير اللوجستيّة لمساكن النازحين المؤقتة، والتّدفئة والخوف من تفشي الحالات المرضيّة بسبب المناخ البارد، الذي يقابله قصور في المجال الاستشفائيّ والضغط الذي تعاني منه الفرق والمراكز الطبيّة.

اليوم وبتسارع وتيرة الاشتباكات طرديًّا، وبظلّ التّوقعات بارتفاع أعداد اللاجئين وانخفاض حجم التّمويل اللازم للإغاثة، كيف ستقضي الأُسر النازحة فصل الشتاء في مراكز الإيواء ضعيفة البّنى التّحتيّة والمنتشرة في الأطراف اللّبنانيّ المُهمش؟

v

التّدفئة والتّكييف

لا يُنكر العاملون في دور الإيواء في صور والنبطيّة لدى حديثهم إلى "المدن" أن الأزمة باتت مُلّحة وشائكة، مشيرين لغياب التّدابير الرسميّة وانحسار المساعدات بالمجتمع المدنيّ والهيئات الأمميّة العاملة في لبنان وعلى رأسها المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين، التّي تولت وكما ذكرالقيمون عليها، مهمة إمداد بعض مراكز الإيواء بالمساعدات العينيّة لفصل الشتاء. وفي هذا السّياق تواصلت "المدن" مع المفوضيّة للاستفسار منها عن حجم المساعدات التّي قرّرت تقديمها للنازحين من القرى الحدوديّة وبغض النظر عن جنسيتهم.

وعليه تؤكد ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضيّة، قائلةً: "تقوم المفوضيّة حاليًّا بدعم النازحين في جنوب لبنان بمواد الإغاثة الأساسيّة، وقد قدمت المفوضيّة منذ بداية الأزمة، أكثر من 1100 مرتبة وبطانية، و500 مجموعة من مستلزمات النظافة، و150 غطاءً بلاستيكيًّا، و260 مصباحًا يعمل بالطاقة الشمسيّة لدعم الأفراد في الجنوب. كما يقدم شريك المفوضية الدعم النفسيّ والاجتماعيّ عبر الإنترنت للاجئين اللبنانيين والسّورييّن المعنيين. ودعمت المفوضيّة تقسيم وترميم الجامعة الألمانيّة اللّبنانيّة في صور للمساعدة في ضمان خصوصية العائلات التي تقيم في هذا الملجأ الجماعيّ. وعلى مدى الأسابيع الماضية، وبسبب الأمطار الغزيرة في الجنوب، قامت المفوضية أيضًا بتوفير الأغطية البلاستيكيّة. تواصل المفوضية دعم الملاجئ الجماعية بمواد الإغاثة الأساسية والتدخلات المستهدفة. هذا الأسبوع، دعمت المفوضية وشريكتها منظمة إنترسوس عملية التقسيم في مدرسة في صور والتي يتم استخدامها كمأوى جماعيّ".

لكن تبقى هذه المساعدات ضئيلة أمام هول الأزمة التّي تعتمل في هذه المناطق التّي تحتضن النازحين -حسب ما يُشير عددٌ منهم إلى "المدن"- والذين لم يتمكن جزء منهم من حمل أي من التجهيزات المُتعلقة بالتدفئة معهم أثناء النزوح المباغت، فيما عمد رهطٌ آخر وخلال الهدنة لزيارة مساكنهم واستقدام بعض الفرش والأغطيّة تحسبًا.


مخيمات اللاجئين السّوريين

أما بما يختصّ باللاجئين السّوريّين القاطنين في الجنوب، فتُشير تقارير المفوضية UNCHR، لكون حوالى عشرين ألف لاجئ سوري مُسجل لديها في المناطق الحدوديّة و40 ألفاً هو إجماليّ عدد اللاجئين القاطنين في الجنوب (وتحتمل هذه الأرقام زيادة بسبب توقف المفوضيّة عن التّسجيل). وقد أشارت تقارير صحافيّة لكون حوالى ألف شخص من سكان بلدة "عيتا الشعب"، الواقعة في القطاعين الغربي والأوسط، قد نزحوا، إضافة إلى 700 شخص من بلدة ميس الجبل.

وعلى صعيدٍ مُتصل صدرت عدّة تقارير إنسانيّة تُشير إلى تردي أوضاع المخيمات ومساكن اللاجئين وبناها التّحتيّة وإمدادات التدفئة فيها، أكان من نازحي القرى الحدوديّة الذين لم يلقوا ترحيبًا في دور الإيواء الرسميّة أو بعض البلديات الآمنة جزئيًا (راجع "المدن")، أو في الأطراف اللّبنانيّة الشماليّة والشماليّة الشرقيّة وتحديدًا البقاع الشماليّ الذي تتدنى فيه درجات الحرارة بسبب العواصف الثلجيّة وقربه من الباديّة السّوريّة. وقد شهدنا طيلة السّنوات الفائتة مشاهد مرّوعة لفيضان المخيمات بمياه الأمطار، أو تحطمها بسبب الثلج والجليد، وأعداد من الوفيات لا يُستهان بها بين كبار السّن والأطفال، ناهيك بانقطاع الغذاء والدواء.

وهنا تُشير أبو خالد بالقول: "تواصل المفوضيّة تقديم المساعدة الماديّة خلال فصل الشّتاء، مثل مواد الإغاثة الأساسيّة لفصل الشتاء (البطانيات والمواد العازلة للملاجئ، وما إلى ذلك) وتستمر جهود إعادة تأهيل الملاجئ لضمان مقاومة الملاجئ للعوامل الجويّة وحمايتها من العوامل المناخيّة الصعبة".

لكن "المدن" ساءلت المفوضيّة عن سيرورة العمل، وخصوصًا بعد صدور قرار بتقليص المساعدات مطلع العام المُقبل، ما يعني تفاقم هشاشة هذه الفئة التّي تعيش ما تعيشه حاليًّا من مغبة اللجوء وعنصريّة المقيمين والتّهديد الأمنيّ الدائم، وعليه تتابع أبو خالد: "في كل عام، تقوم المفوضيّة وبرنامج الأغذية العالمي بإجراء مراجعة نقاط الضعف لدى أسر اللاجئين. والمعايير التي نستخدمها تتوافق مع الواقع الاجتماعيّ والاقتصادّي في البلاد. وتواجه المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي تخفيضات كبيرة في التمويل. ونتيجة لذلك، في عام 2024، ستعمل المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي على تقليل عدد الأسر التي تتلقى مساعدات نقدية وغذائية مقارنة بالسّنوات السّابقة. ونظراً للقيود المالية، يجب على المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي الاستمرار في إعطاء الأولوية للمساعدات النقديّة والغذائيّة للعائلات التي تعتبر الأكثر ضعفاً من الناحية الاقتصادية. في عام 2024، ستساعد المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي حوالى 88,000 أسرة لاجئة أقل مما كانت عليه في عام 2023 (تخفيض صافٍ بنسبة 32%)، بما في ذلك انخفاض صافٍ قدره حوالى 53,000 أسرة للمفوضية فقط. تعد المساعدات النقدية المقدمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي حاليًا بمثابة شريان حياة لكل عائلة لاجئة معرضة للخطر بشدة في لبنان تقريبًا (حوالى 90% من السكان الرسميين). سيتم الحفاظ على المساعدة لحوالي 190.000 أسرة، أي حوالى 62% من مجموع اللاجئين- جميع الجنسيات الخاضعة لولاية المفوضية).

مُضيفةً: "ومع ذلك، في ظل الموارد المحدودة، لن يتمكن برنامج الأغذية العالمي والمفوضية من دعم اللاجئين الأكثر ضعفاً في تغطية جزء من احتياجاتهم الأساسية للبقاء إلا من خلال تحديد الأولويات. تعترف المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي بالصعوبات التي يواجهها اللاجئون في هذه الأوقات الصعبة للغاية، وسوف يستمران في الدعوة لمزيد من التمويل لمواصلة تقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات الضعيفة في لبنان. وستحتفظ المفوضية أيضًا بأنواع أخرى من الدعم، بما في ذلك برامج الطوارئ وبرامج الحماية النقديّة".

تعليقات: