معالجة أكثر من 55 شخصاً حتى الآن (علي علوش)
عادت قضية الأمن الغذائي والسلامة العامة إلى الواجهة من جديد. هو السيناريو نفسه يتكرر، حالات تسمم جماعية وسط غياب الحد الأدنى من الرقابة الرسمية. اعتاد اللبنانيون على "خبريات" التسمم طوال الموسم الصيفي، مرة في مطعم، أو حفلة، وأخرى في معامل أجبان وغيرها من تصنيع المواد الغذائية. اليوم، لاحق التسمم أهالي بلدة الجاهلية (قضاء الشوف) إلى داخل منازلهم، مسبباً أمراضاً وعوارض مقلقة تطلبت دخول المستشفيات.
في التفاصيل، وحسب المعلومات التي توصّلت إليها "المدن"، بدأت حالات التسمم بالظهور قبل أسبوع تقريباً، ما استدعى معالجة أكثر من 55 شخصاً حتى الآن، نصفهم احتاجوا لعناية استشفائية. بعد الكثير من التحليلات، انحصرت الأسباب باحتمالين: الأول، وهو الأكثر ترجيحاً حسب البلدية والأطباء، رمي بقايا حيوانات وتحديداً الخنازير في مياه الأنهر التي تصل إلى بيوت الجاهلية. أما الثاني، فهو سوء جودة لحم الملحمة الأساسية في البلدة.
تلوّث المياه ببقايا لحوم الخنزير
يرجّح رئيس بلدية الجاهلية، أمين أبو ذياب، احتمال انتقال البكتيريا من خلال تلوّث مياه النهر الذي يصل إلى منازل البلدة. فحسب تعبيره، "لم يشتكِ أحداً من الملحمة، وفئة كبيرة من المرضى لم تتناول اللحمة أصلاً في الفترة التي سبقت التسمم". يلفت أبو ذياب، خلال حديثه مع "المدن"، إلى أنّ المرضى يتوجهون إلى مستشفى مروان أبو عياش في بعقلين ومستشفى عين وزين، ووصل عددهم لليوم إلى قرابة 23 مريضاً.
من جهته، يشير الدكتور كامل العياص، وهو الأكثر متابعةً لحالات مرضى بلدته الجاهلية، إلى أن المرض سببه انتشار بكتيريا الـTrichinella في مياه الاستخدام. يقول العياص لـ"المدن" أنّ هذه البكتيريا قد تسبب السحايا أو التهابات رئوية في حالات نادرة، خصوصاً إذا كان المرضى يعانون نقصاً في المناعة. كما تطرق إلى نقل أحد المرضى لمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وهو بانتظار نتائج الفحوص التي ستحدد أسباب المرض والعلاج الملائم له.
حسب وزارة الصحة العامة، تجلّت أبرز عوارض المرض بظهور الحمى والإسهال إلى جانب تورّم الوجه. كما باشر قسم الترصد الوبائي بعملية التقصي، بأخذ عيّنات الملحمتين الموجودتين داخل البلدة مع جمع عينات تم إرسالها الى مختبر مصلحة البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة. وحسب بيان "الصحة"، "يتم تقييم سلامة المياه في البلدة مع جمع عينات المياه للفحص المخبري".
بين التوصيات.. وقلق الأهالي
يوصي العياص بإجراءات أساسية يجب اتباعها، كالابتعاد عن تناول لحم الخنزير واللحوم بشكل عام خلال هذه الفترة، أو الحرص على شرائها من أماكن موثوقة في ظل الانتشار الواسع للحوم الفاسدة في لبنان. ويشدد على ضرورة تجنّب استخدام مياه الخزانات التي يرجح أنها ملوثة، وتعقيم الخضار والفاكهة، وتنظيف الخزانات بالكلور.
رغم انخفاض حالات التسمم في اليومين الماضيين، وتحديداً تلك التي تتطلب دخول المستشفيات، يترقب أهالي الجاهلية بقلق ما ستؤول إليه تطورات البكتيريا المنتشرة. حسب الأهالي، عادت فئة منهم إلى إجراءات وقائية أشبه بتلك المتبعة خلال وباء كورونا، ظنّاً منهم أنها عدوى. بعد تطمينات أطباء البلدة الذين سارعوا لمتابعة المرضى، ينصب تركيز الأهالي حالياً على اتباع إجراءات السلامة التي عممها الأطباء، خوفاً من التسمم والحاجة لدخول المستشفيات.
يقلق أهالي الجاهلية من تكاليف دخول المستشفيات، إذ تعدت تكلفة الليلة الواحدة في مستشفيات المنطقة عتبة الـ250 دولاراً أميركياً. هنا، يؤكد رئيس البلدية أنهم وضعوا إمكانياتهم بتصرف الأهالي المنهكين على "أبواب الشتوية" إلى جانب مساعدة أهالي البلدة لبعضهم البعض. وعلمت "المدن" بضغوط مورست على وزير الصحة فراس الأبيض، لإجبار المستشفيات على تسهيل دخول المرضى إليها من دون شرط تسديد مبالغ مالية معينة.
من المؤكد أن حالات التسمم في الجاهلية ليست الأخيرة، لكن اللافت اليوم هو قلق المرضى من تكاليف المستشفيات أكثر من المرض نفسه، مهما بلغت خطورته. في بيانها، أشارت وزارة الصحة إلى أنها ستعلن عن نتائج الفحوصات فور إنجازها. لذلك، حاولت "المدن" التواصل مراراً وتكراراً مع مديرة برنامج الترصّد الوبائي، الدكتورة ندى غصن، إلّا أنّها لم تردّ، وغابت عن السمع رغم تبلّغها باتصالنا من مستشارة وزير الصحة، غادة جبران.
تعليقات: