لم يسدد إلا نحو ثلاثين ألف طالب الرسوم الجامعية الجديدة التي رفعتها الإدارة مؤخراً (جورج فرح)
دعا الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية الطلاب إلى المشاركة في الاعتصام المركزي يوم الثلاثاء المقبل أمام الإدارة المركزية للمطالبة بإقرار ملف التفرغ، الذي ما زال عالقاً في شباك الحسابات السياسية الطائفية "لدوزنة" التوازن الحزبي الطائفي" في أعداد الأساتذة الذين سيشملهم مرسوم التفرغ، وفق مبدأ تقسيطهم على ثلاث سنوات.
تراجع عدد الطلاب
ويبدو من الدعوات المكثفة التي يتناقلها الأساتذة أن الاعتصام سيكون حاشداً خصوصاً أن ملف التفرغ أنجز على مستوى الجامعة، لكنه بحاجة للتوافق السياسي والطائفي لإقراره في مجلس الوزراء. ودعا الأساتذة، في بيان، الطلاب إلى توحدهم إلى جانب اساتذتهم، مشيرين إلى أن الاعتصام التحذيري هدفه الحفاظ على حقوق الجميع وحماية الجامعة اللبنانية من الانهيار.
الترهل الذي وصلت إليه الجامعة اللبنانية في السنوات الأخيرة غير مسبوق وترجم في تراجع عدد الطلاب من نحو تسعين ألف طالب قبل الأزمة، إلى أقل من ستين ألفاً في السنتين الأخيرتين. وثمة تكتم على أعداد طلاب الجامعة لعدم افتضاح هذا التراجع المخيف. أما الفضيحة فستنكشف هذا العام؛ فوفق مصادر مطلعة، لم يسدد إلا نحو ثلاثين ألف طالب الرسوم الجامعية الجديدة، حتى أسبوع مضى . وقد تم تمديد التسجيل حتى نهاية العام الحالي، وسيصار إلى تمديده لفترة أطول، نظراً لضعف الإقبال على التسجيل. والسبب الثاني أن أولاد الأساتذة والموظفين في الجامعة لم يتسجلوا بعد، في انتظار قرار إعفائهم من الرسم.
الطعن بالرسوم لم يبت
ربما يكون ضعف الإقبال على تسديد الرسوم مرده إلى انتظار الطلاب ما سيقرره مجلس شورى الدولة بشأن الطعن المقدم أمامه بالرسوم الجديدة التي فرضتها الجامعة لهذا العام. رغم أن التوجه هو لرد الطعن، خصوصاً أن الشورى لم توقف تنفيذ قرار الإدارة إلى حين البت بالطعن.
سبق ورفعت الجامعة الرسم السنوي للإجازة إلى 12 مليوناً ونصف للبنانيين، وإلى ستين مليون ليرة للأجانب، والرسم السنوي الماستر إلى 17 مليوناُ ونصف للطلاب اللبنانيين ومئة مليون للأجانب، والرسم السنوي للدكتوراه إلى 22 مليوناً ونصف للطلاب اللبنانيين وثلاثمئة مليون للأجانب. ويضاف إليها رسوم التسجيل والمكتبة والامتحانات والمختبر والضمان الاجتماعي والانتساب والتدريب ومباراة الدخول وهي تقدر بنحو خمسة ملايين ليرة. وإلى حد الساعة لم يبت شورى الدولة بالطعن الذي أشار فيه الطلاب إلى أن الرسم الجديد يضرب مبدأ عدالة التعليم ويحرم ذوي الدخل المحدود منه. فواقع الحال أن الرسوم الجديدة رفعت لتوازي خمسين بالمئة عما كانت عليه قبل الأزمة. وباتت غير متوازنة مع التحسينات التي طرأت على مداخيل الموظفين العموميين، التي لم ترتفع إلى أكثر من الربع بعد مساعدات الدولة.
ويعلق أساتذة على هذا الموضوع بأنه كان على إدارة الجامعة عدم رفع رسوم الإجازة بهذا الشكل، مقابل رفعها أكثر لمرحلتي الماستر والدكتوراه. لكنها فضلت رفع الرسوم عشوائياً. إذ لا يجوز أن يكون رسم الإجازة نحو 150 دولاراً فيما رسم الماجستير نحو مئتين، في وقت كلفة الماستر في الجامعات الخاصة يصل إلى نحو تسعة الاف دولار. فالإجازة في التعليم الجامعي توازي التعليم الأساسي في المدارس ويفترض أن تكون مجانية لتأمين العدالة في التعليم. فيما مراحل الدراسات العليا تصبح اختيارية. وقد زاد عدد الطلاب في الماستر بالجامعة اللبنانية بطريقة غير مسبوقة خلال فترة التعليم من بعد، ورفع الرسوم لهذه المرحلة تؤمن المداخيل المطلوبة من الإجازة لتحسين ميزانية الجامعة.
الفساد الإداري وتأديب الأساتذة
إضراب الأساتذة وتراجع الخدمات، حتى البسيطة منها، في الجامعة (عدم توفر الماء والكهرباء والنظافة) وغلاء المعيشة، ولا سيما المواصلات، أدى إلى تراجع عدد الطلاب الذين فضلوا الجامعات الخاصة القريبة من سكنهم. وهذا العام أتى ارتفاع الرسوم ليكشف مدى التراجع في عدد الطلاب. ويقول أحد الأساتذة في كلية الآداب الاونيسكو إنه عندما يسأل الطلاب الحاضرون في القاعة عن زملائهم لهم من السنة الماضية، يأتي الجواب أنهم فضلوا التسجيل في جامعات خاصة قريبة من سكنهم، ورسومها ليست مرتفعة قياساً بكلفة بدلات الانتقال التي يتكبدونها من مناطقهم.
حال الهريان وترجع الخدمات وتراجع عدد الطلاب تباعاً ليس سببه تبعات الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وحده. فصحيح أن تراجع مداخيل الأساتذة أدى إلى عدم حماستهم للحضور إلى الكليات لتعليم الطلاب، إلا أن الفساد الإداري ساهم أيضاً بدوره بتكريس هذا الواقع. فأساتذة من مختلف المناطق يشيرون إلى أن زملاء لهم كانوا يكتفون بالحضور مرة أو مرتين بالشهر إلى الجامعة للتوقيع على جدول دوامات الحضور، للحصول على بدلات الإنتاجية، أو يحضرون مرة بالأسبوع ولا يدخلون الصف لتعليم الطلاب. ورؤساء الأقسام والمديرون كانوا يغطون على هؤلاء الأساتذة، بذريعة تراجع قيمة مداخيلهم. لكن في عمادة كلية التربية وصل الأمر حد نقل أساتذة تأديباً لأنهم اشتكوا من التجاوزات الحاصلة. ويشرح أساتذة أن زملاء لهم قدموا شكوى إلى التفتيش في الجامعة حول تجاوزات أمانة السر، لكن التفتيش لم يتحرك. فإحدى الأساتذة تعمل في الجامعة اليسوعية، وتأتي إلى الجامعة اللبنانية عند الساعة الخامسة عصراً للبصم. وآخرون يحضرون نادراً إلى الدوام وبتغطية من أمانة السر. وعوضاً عن وقف هذه التجاوزات تم نقل الأساتذة المعترضين تأديبياً.
تحسين مداخيل أساتذة الملاك سواء لناحية دعمهم بـ650 دولاراً كبدل إنتاجية إضافة إلى مساعدات مشابهة من صندوق التعاضد، التي تضاف إلى مساعدات الدولة، أدى إلى انتظام التعليم هذا العام في الجامعة. لكن مشكلة الأساتذة المتعاقدين ما زالت بمثابة قنبلة موقوتة نظراً لعدم لحظهم ببدلات الإنتاجية. وبما أن عديد أساتذة الملاك لا يغطي إلا نحو عشرين بالمئة من الهيئة التعليمية، وفي حال عدم إقرار مرسوم تفريغ المتعاقدين، ستشهد الجامعة اضطرابات بعد عطلة الأعياد، ما يساهم أكثر وأكثر بترهل الجامعة وتراجع عدد طلابها.
تعليقات: