طلاب الحدود النازحون بلا علم.. والخطة التربوية بلا جدوى

قرار فتح عشرة مراكز لتعليم الطلاب الذين نزحوا من القرى الحدودية لم يكن موفقاً (عباس سلمان)
قرار فتح عشرة مراكز لتعليم الطلاب الذين نزحوا من القرى الحدودية لم يكن موفقاً (عباس سلمان)


تنتهي سنة 2023 تربوياً في القطاع الرسمي بتحسن طفيف عن مطلع العام، الذي شهد إضراباً مديداً لأساتذة التعليم الرسمي، استمر لنحو ثلاثة أشهر. فهذا الإضراب أدى إلى تخفيض المناهج وإلغاء الامتحانات الرسمية لشهادة البروفيه، وإجراء امتحانات شكلية للثانوية العامة خرج منها جميع الطلاب ناجحين.

لكن، وبعد تأمين وزارة التربية بدلات إنتاجية للأساتذة، انطلق العام الدراسي الحالي، الذي ينتهي الفصل الأول منه بعد أيام، من دون اضطرابات. إنما في المقابل، أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي تبعها تصاعد الاعتداءات على القرى الحدودية اللبنانية، إلى إقفال جميع المدارس في القرى الحدودية، وحرمان أكثر من ستة آلاف طالب من العلم. أما لجوء وزارة التربية إلى تحديد عشرة مراكز لتعليم الطلاب النازحين فلم يكن خياراً مجدياً.


مراكز بلا جدوى

عملياً، انتهت المراكز العشرة التي حددتها وزارة التربية لتعليم الطلاب النازحين من القرى الحدودية بأنها كانت همروجة إعلامية، للقول إن الوزارة قامت بواجبها تجاه النازحين. فالطلاب النازحون في المدارس الرسمية لم يتعلموا بعد خلال هذا الفصل الدراسي الذي ينتهي الخميس المقبل، قبل عطلة الأعياد. وإذا كان طلاب المدارس الخاصة (يصل عددها إلى نحو ثلاثين مدرسة) قد تعلموا نحو شهر ونصف الشهر من الفصل الأول، إلا أن طلاب المدارس الرسمية لم يتعرفوا على أساتذتهم. إذ لم يكن قد بدأ العام الدراسي في القطاع الرسمي عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي تبعها قرار وزارة التربية إقفال جميع المدارس في المناطق المتاخمة للحدود.

تحديد هذه المراكز لتنفيذ خطة طوارئ تربوية لتعليم الطلاب النازحين كان خياراً غير مجدٍ وغير موفق. فعلى حد وصف مدير أحد الثانويات في المنطقة الحدودية، انتهت هذه المراكز بأنها استقطبت التمويل الدولي من منظمات الأمم المتحدة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها.. على مشاريع بلا جدوى. فأقله في مراكز الجنوب، في منطقة صور، لم تؤد هذه المراكز أي دور، لأن الطلاب لم يحضروا إليها. أما الأساتذة فيحضرون للتوقيع على جدول الحضور فحسب.


التعليم من بعد

من جانبه يؤكد مدير أحد هذه المراكز في الجنوب لـ"المدن" أن قرار فتح عشرة مراكز لم يكن موفقاً. كان يفترض جعل كل المدارس مراكز نزوح وإصدار قرار الزامي لالتحاق الطلاب والأساتذة في أماكن نزوحهم، لا تخييرهم بين الالتحاق من عدمه. في مركزه تم استقبال نحو خمسين طالباً، منهم من مدارس خاصة، ثم تراجع العدد لأن أهاليهم عادوا ونزحوا إلى بيروت.

ويضيف، بأن الأزمة طالت وغالبية الطلاب النازحين بلا علم. فطلاب المدارس المقفلة في القرى الحدودية حالياً إما في بيوتهم، أو يذهب بعضهم إلى مدارس رسمية في أماكن النزوح، أو بدأ بعضهم التعلم من بعد منذ نحو أسبوع. هذا رغم أن التعليم من بعد غير مجدٍ. فهو قد ينفع في المواد العلمية، لكن أثبتت التجربة في السنوات الماضية أنه غير مجدٍ.

التحاق الطلاب والأساتذة النازحين بهذه المراكز العشرة كان اختيارياً مثله مثل قرار التحاق الطلاب والأساتذة في المدارس والثانويات القريبة إلى أماكن سكنهم، الذي صدر بعد قرار إقفال المدارس. وبعيداً من تخصيص هذه المراكز بعد نحو خمسين يوماً من الحرب، لم يؤد افتتاحها إلى أي تغيير يذكر. فمنذ بداية الحرب على غزة، التحق عدد قليل من الطلاب والأساتذة في المدارس الموزعة من صور إلى بيروت وحتى البقاع والشمال، حيث نزح أهاليهم. واستمر الوضع على حاله. ثم لجأت ثانويات مثل بنت جبيل وميس والطيبة والخيام إلى خيار التعليم من بعد، فيما ثانويات ومدارس القطاع الغربي ما زالت مقفلة نهائياً. ويؤكد أساتذة بدأوا بتعليم طلابهم من بعد منذ نحو أسبوع، أن التعليم من بعد أفضل من لا شيء. فقرار التحاقهم بالمراكز العشرة أو في المدارس القريبة من نزوحهم كان بلا نتيجة. والتعليم من بعد أفضل الحلول.


معاقبة الأستاذ المجتهد

ويضيف هؤلاء الأساتذة، أن نسبة الحضور في التعليم من بعد تصل أحياناً إلى تسعين بالمئة. ويتم تعليم الطلاب إما عبر منصة الوزارة "التيمز" أو من خلال تطبيق "زووم" أو حتى عبر الواتساب. فالمهم أنهم يلتزمون بالبرنامج وينسقون مع النظار ويسجلون الحضور والغياب وكيفية السير بالدروس. وهذه التجربة دفعت مدراء الثانويات المقفلة إلى بدء الاستعداد للتعليم من بعد مع مطلع الفصل المقبل، كما سمعوا من زملائهم.

أما بما يتعلق ببدلات الإنتاجية، فقد صدر قرار عن مجلس الوزراء بمنح 300 دولار لجميع الأساتذة المقفلة مدارسهم، كسائر أساتذة لبنان. وهو تدبير استثنائي، سواء التحق الأساتذة أو لم يلتحقوا بأي مدرسة في مناطق النزوح. والسبب أن لا ذنب ارتكبه الأساتذة في إقفال مدارسهم. لكن لم يمر هذا الملف من دون تخبط الإدارة في وزارة التربية. فالتعقيدات الإدارية أدت إلى ظلم لحق الأساتذة الذين التحقوا بمدارس في أماكن النزوح. ويشرح أحد المدراء أنه بسبب ارتباط الحوافز بالدوام حرم أساتذة نازحين من جزء من الحوافز بسبب تغيبهم ليوم أو يومين لظروف خاصة عن الدوام في مدارس النزوح. فذنب هؤلاء الأساتذة أنهم مجتهدون، وفضلوا عدم البقاء في بيوتهم وذهبوا للتعليم في مدارس قريبة من نزوحهم. أي كأن وزارة التربية تشجع الأساتذة النازحين على عدم الالتحاق بأي مدرسة للحصول على بدلات الإنتاجية كاملة.

تعليقات: