سيتقاضى الحزب ثمناً سياسياً في الداخل (علي علوش)
يحتكم لبنان إلى مسارات الحرب على قطاع غزة. أي نقاش سياسي أو عسكري وما يرتبط بترتيب الوضع على الحدود الجنوبية، لا يمكن البحث به قبل وقف إطلاق النار في غزة. وهذا موقف واضح أبلغه حزب الله إلى كل الوسطاء، خصوصاً الأميركيين والفرنسيين، الذين يعملون في سبيل تخفيف التوتر ومنع التصعيد.
رغم التهويل
منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات، يكرر المسؤولون الإسرائيليون مواقف أصبحت مملة ولا قيمة لها بالمعنى العسكري، وهي تستخدم في إطار الضغط السياسي. إذ يومياً يخرج أحد المسؤولين الإسرائيليين ويهدد حزب الله من مغبة الحرب والتصعيد، كي لا يجر الويلات على لبنان ويدفعه إلى ملاقاة مصير قطاع غزة. ومؤخراً أصبحت لازمة المسؤولين الإسرائيليين هي مواقف تشير إلى ضرورة إبعاد حزب الله "بثقله العسكري" عن الحدود، بناء على اتفاق سياسي. وبحال الفشل، يمكن لإسرائيل اللجوء إلى التصعيد العسكري لتحقيق ذلك.
ردود حزب الله واضحة في رفض الرضوخ لهذه الشروط حالياً، وتأجيل النقاش إلى ما بعد وقف الحرب على غزة. ولكن ما يتبدى من مواقف الإسرائيليين هو إشارة واضحة إلى التسليم بأمر واقع المواجهات المفتوحة في الجنوب، ولكن بشرط أن لا تتوسع ولا تمتد أكثر. وهو ما يتلاقى عليه الإسرائيليون مع الأميركيين، الذين يشيرون إلى الحفاظ على قواعد الاشتباك. بناء عليه، تتراجع المخاوف من احتمال حصول أي حرب أو تصعيد، على الرغم من كل التهويل الإسرائيلي. فالحل سيكون سياسياً، ونقاطه معروفة، تتصل بانسحاب اسرائيل من الـ13 نقطة المختلف عليها، أي الانسحاب وفق خط الحدود المرسّم في العام 1923، وليس خطوط الـ78، أو ما بعد الاجتياح أو ما بعد التحرير عام 2000، أي الخط الأزرق.
التفاوض بين أميركا وإيران
تبقى المسارات العاملة على خطّ الوصول إلى اتفاق موزعة بين الفرنسيين والأميركيين. فوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا والتي تزور لبنان آتية من تل أبيب، ستنقل رسائل واضحة حول كيفية تطبيق القرار 1701 بشكل يوقف فيه حزب الله العمليات العسكرية، وعدم إظهار السلاح الدقيق والبعيد المدى والمتطور في جنوب نهر الليطاني. الأمر نفسه بالنسبة إلى الأميركيين، وهم الذين يمتلكون أكبر قدر من الأوراق وقدرة على التأثير أكثر من الفرنسيين. لا سيما ان واشنطن تسلك مسار ترسيم الحدود البرية واستنساخ تجربة الترسيم البحري. هذا المسار يقود إلى سياق واحد، وهو التفاوض بين أميركا وإيران والذي سيكون له انعكاس لبناني داخلي.
إلا أن تركيز القوى الدولية على أهمية تطبيق القرار 1701، يثير حفيظة الكثير من المعارضين لحزب الله داخل لبنان وخارجه. إذ أن هؤلاء يعتبرون أن إبقاء القرار 1701 بالواجهة، يهدف إلى طي صفحة القرار 1559. وبالتالي، فإن خلاصة المفاوضات هي تأمين أمن واستقرار اسرائيل، وعدم إيجاد حل أو معضلة لحزب الله المتصلة بالداخل اللبناني. وهو ما يفهمه هؤلاء المعارضون بأنه سيكون تركيز الحزب بعدها على الداخل، والاستفادة من أوراق قوته في هذا السياق. ويعبّر هؤلاء عن خشيتهم من أن يكون التفاوض الدولي والديبلوماسي يتصل بأن يتقاضى الحزب ثمناً سياسياً في الداخل، مقابل إعادة العمل بالتفاهم الذي أرسى الاستقرار على الحدود الجنوبية منذ العام 2006 إلى ما قبل طوفان الأقصى.
مكاسب الحزب
ضمن هذا السياق، لا بد من ربط كل المسار التراكمي للمكاسب السياسية التي حققها حزب الله في الداخل اللبناني، وهي التي لا يمكن التضحية بها بل السعي إلى مراكمتها أكثر. وهذا ما يشير إلى حرص أوسع لدى الحزب حول عدم الانخراط في حرب، كي لا تذهب الأمور إلى ما هو أسوأ في حال تدمير البلد، والذي لن يكون هناك إمكانية للنهوض به مجدداً.
في هذا السياق، يمكن فهم "تصعيد الحوثيين" في البحر الأحمر، وتأثيرات ذلك على الملاحة العالمية ودور إيران في ذلك، من خلال القول إنها التي تسيطر، سواء بما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بالوضع في الخليج. فيكون الحوثيون عصى غليظة كما كانها حزب الله سابقاً في الثمانينيات والتسعينيات على طريق تكريس إيران لدورها ونفوذها في الشرق الأوسط.
تعليقات: