تحت شعار زيادة رواتب موظفي القطاع العام، تمكّنت الحكومة من كسر التضامن بين الموظفين في الخدمة والمتقاعدين. فبعد تعذّر عقد جلسة مجلس الوزراء الجمعة الماضي بسبب إقفال متقاعدي العسكر مداخل السراي، هبّت ريح الفرقة والانقسام بين الموظفين. موظفو الإدارة العامة، أبرز المستفيدين من الزيادة المقترحة، اتهموا العسكريين والأساتذة، من دون تسميتهم، بفرط الجلسة، وتأخير إقرار الزيادة التي لن تدخل في صلب الراتب.على جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم 3 مشاريع مراسيم لزيادة رواتب فئات معيّنة من موظفي القطاع العام، على سبيل المساعدة المؤقتة لا تصحيح الرواتب. المرسومان المتعلقان بموظفي الإدارة العامة والمؤسسات العامة يرميان لإعطاء «حافز يومي» يراوح بين مليون و600 ألف ليرة لموظفي الفئة الخامسة، ومليونين و600 ألف للفئة الأولى، و800 ألف ليرة لرؤساء الهيئات الرقابية، إضافة إلى مشروع مرسوم ثالث يرمي لـ«إعطاء تعويض مؤقت إضافي للعسكريين (4 رواتب إضافية على السبعة) في الأسلاك العسكرية كافة».
فوضى التقديمات التي تشمل كل الوزارات والمؤسسات العامة أدّت إلى اختفاء سلّم الرتب والرواتب الموحّد بين موظفي القطاع العام، لتحلّ مكانه المساعدات الدولية والمحليّة. في وزارة التربية، يحصل الأساتذة وموظفو الإدارة على 300 دولار شهرياً من الحكومة، ومن غير المعلوم مدى استمراريتها بعد نهاية شهر كانون الثاني المقبل. وفي وزارة الصحة، خصّصت شركات استيراد الدواء الصيادلة الموظفين في الدوائر الرسمية بمساعدات شهرية خاصة تُوزّع عبر مكتب الوزير. ويحصل العسكريون في الخدمة على مساعدات من الدول الأجنبية لا تزيد على 100 دولار شهرياً.
أمام هذا المشهد، لم تجد الحكومة سوى توزيع الرشى على الموظفين والهروب من مواجهة الحقائق. فتحت عنوان المساعدات الإضافية، تهرب الحكومة من تحمّل مسؤوليتها بـ«إعادة قيمة الرواتب وفقاً لمؤشر الغلاء»، بحسب النقابي محمد قاسم، إذ إن الزيادة إن حصلت، «لن تعيد أكثر من 40% من قيمة راتب الموظف في الخدمة»، مبدياً الخشية من أن يكون الهدف «إنهاء موضوع التقاعد تماماً». وشدّد على أنه «إما أن يصدر المرسوم بالتساوي بين المتقاعدين والموظفين، وإما الحكم للشارع».
يصرّ المتقاعدون على رفض المشروع الحكومي الذي يزيد 16 راتباً للموظف في الخدمة مقابل معاشين فقط للمتقاعد، ما يجعل من معاش المتقاعد مساوياً لـ15% فقط من راتب زميله في الخدمة. في حين أكّدت المادة 60 من المرسوم الاشتراعي الرقم 47 (نظام التقاعد) «حصول المتقاعد على 85% من راتب مثيله في الخدمة الفعلية»، وبحسب ما هو مطروح، «راتب العسكري الأول في الخدمة يصبح أعلى من معاش لواء متقاعد».
وقد توعّد المتقاعدون، في بيان المجلس التنسيقي لمتقاعدي القطاع العام، بتظاهرات واعتصامات وقطع طرقات اليوم مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، إذ ترى هذه الفئة من الموظفين نفسها مغبونةً مرتين: عندما استُبعدت من المفاوضات على الزيادات أول مرّة، إذ إن مشروع المرسوم بنسخته الأولى لم يأتِ على ذكرهم حتى، وعند إعادتهم شكلياً إلى اللجنة التي أقرّت لهم بمعاشين إضافيين شهرياً، ومن الممكن أن تصل إلى ثلاثة لا غير. ميقاتي أوقع بالمتقاعدين، إذ دعاهم لحضور اجتماعات لجنة «انتظام العمل في القطاع العام»، إلا أنّ اللجنة لم تعقد أيّ اجتماع بعد دعوتهم إليها، وعند مراجعة رئاسة الحكومة قوبلوا بحجة «عدم وجود مبالغ إضافية لرفع تقديمات المتقاعدين».
هذا لجهة المتقاعدين، أما الموظفون، فقد خدعتهم الحكومة التي كان لها «ثلثين الخاطر» بفرط جلسة الثلاثاء الماضي، وإشعال الخلافات في صفوفهم. فالزيادات كان من المفترض أن تكون مرفوضة من جميع قطاعات الموظفين لأنّها تحوّلهم من عقد الوظيفة الدائم إلى العمل بشكل مياوم، إذ يقضي مشروع المرسوم بإعطاء البدل الإضافي في حال الحضور إلى العمل، وفي حال التغيّب، ولو بعذر شرعي، تُقطع المساعدة عن كلّ أيام الشهر.
تعليقات: