هل بات مشروعاً طرح الأسئلة المحرّمة؟
وفي صيدا، هل يمكن طرح السؤال عن موقع جند الشام في المعادلة السياسية المحلية هناك؟ أم يجب أيضاً انتظار الترياق الذي يقول إنهم أيضاً من صنع المخابرات السورية؟ وهل يمكن أن نجد غداً من يخرج علينا بمعلومات، وفقط معلومات، بدون أسماء أو وجوه وأن هناك موقوفاً أقر بأنه يمثّل عنصر الربط بين هذه المجموعة وبين المخابرات السورية وأنه نفسه ينتمي الى خلية الربط بين المخابرات نفسها وبين فتح الإسلام؟ وهل بتنا اليوم أمام شرعية عامة شعبية ورسمية لمجموعات مسلحة تقودها «عصبة الأنصار» الملاحقة بكل قيادييها من المخابرات وفرع المعلومات والقضاء بتهم ارتكاب جرائم هنا وهناك؟ أم كانت هذه التهم مفبركة من الأصل؟ وهل علينا أن نقبل بأن على الجيش تدمير مخيم وتهجير عشرات الآلاف من الناس الآمنين لأن هناك عصابة مسلحة، فيما يجوز تسليم خط التماس بين أكثر مخيمات لبنان اضطراباً وبين مدينة صيدا لقوة أمنية عدادها من المجموعات الإسلامية التي تصفها قوى الأمن اللبنانية بالمتشددة والمتطرفة وتضعها الولايات المتحدة ودول الغرب على لوائح الإرهاب؟ وهل ما كان يقوله أسامة سعد وعبد الرحمن البزري والشيخ ماهر حمود جريمة وصار الآن مخرجاً؟
ثم هل علينا واجب الصمت وأن نخرس بحسب وصفة «القائد المعلم» الذي صار معجباً بالجيش وقيادته وخبراته العسكرية وما الى ذلك من الكلام الزائف؟ وهل جريمة كالتي تحصل ينبغي فيها عدم السؤال عن المسبّب لها وعن المسؤول عن تحولها الى جريمة متمادية من شأنها إنهاء الجيش كقوة قادرة على حماية البلاد والعباد والانتقال الى حكم قوى الأمر الواقع بحثاً عن مصائب تجعل قوى الموت والخراب تشبّه نفسها بالمقاومة حتى يأتيها يوم تقول فيه إن سلاحها يوازي سلاح المقاومة؟ وهل يجب علينا أن نسرّ كالبُلهاء من الذين يسيرون خلف «الزعيم الوطني» لأنه حقق لنا نصراً قومياً بأن أسقط المحرمات وهو يعمل بنجاح على إسقاط الخطوط الحمر أيضاً؟ وهل علينا أن نسامح ونتعاطف مع أنصار «المرجع العالم» بعد فتواه لهم بضرب الإعلاميين وخصومهم؟ أليس في كلام وليد جنبلاط التحريضي على قناة «الجزيرة» ما يفتح الباب لتعرّض العاملين فيها لاعتداءات كالتي رافقت جريمة تفجير سوق عاليه؟ وهل علينا أن نقبل بأن يعتدي رجال أمن على عمال سوريين لأنهم غادروا الى بلادهم ليوم واحد وصوّتوا لمصلحة بشار الأسد في الاستفتاء على ولاية ثانية له في الحكم ونرى في ذلك تصرفاً فردياً؟ وهل علينا أن نراعي غضب إدي أبي اللمع بسبب انفجارات الأحياء الشرقية من العاصمة ثم نقبل به محدثاً عن «قدراتنا الذاتية على الدفاع عن أنفسنا»؟.
هل بات ممنوعاً الى الأبد مساءلة السياسة الاقتصادية لحكومات الرئيس الحريري المتعاقبة لأن في ذلك تعرضاً للشهيد؟ وهل علينا أن نقبل بإدارة الرئيس فؤاد السنيورة لأمور البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية والعدلية لأنه يحظى بمباركة ودعم العواصم الغربية التي تهتم بأمر لبنان الآن؟ وهل علينا أن نقف مشدوهين أمام الاهتمام الدولي بقضايانا ونصدّق أن العالم ليس لديه عمل سوى تحقيق العدالة في بلادنا وأن الدول الكبرى تتفرغ فقط لأمورنا وهي لا تحرّك ساكناً أمام القتل اليومي الذي تقوم به قواتها في العراق وأفغانستان وتغطي ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في فلسطين؟ وهل علينا أيضاً أن نصمت عن ملف المحكمة الدولية كما فرض على الناس يوم شكّلت لجنة التحقيق الدولية وبدأت واستمرت في عمليات التوقيف الكيفي والتزوير المستمر للوقائع والمعطيات؟ وهل علينا أن نصدق أن مصادفة جعلت قرار فتح طريق السان جورج يصدر بعد ساعات على صدور قرار مجلس الأمن بإقرار المحكمة الدولية، وممنوع علينا أن نسأل عن سبب الضغط السياسي لفتح هذه الطريق منذ أشهر طويلة بعدما أنهت لجان التحقيق عملها هناك؟ أم علينا انتظار فبركة المزيد من الشهود المحليين أو العرب أو الدوليين لكي نصل الى خلاصة واحدة اسمها دمار لبنان؟ وهل علينا أن نفتح أعيننا غداً على خبر من نوع أن أحد موقوفي فتح ــــــ الإسلام أو جند الشام أو ما يعادلهما قد اعترف فجأةً بأنه هو من دبّر عمليات التفجير كلها لمصلحة المخابرات السورية، ثم إذا وجد سيرج براميرتس نفسه أمام مجموعة من الإسلاميين متورطة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري فهل علينا أن نقتنع بأن هؤلاء أقروا بأنهم فعلوا ذلك بأوامر من المخابرات السورية...هل علينا أن نعود الى الأسطوانة التي تقول إن سوريا مسؤولة عن فشل اللبنانيين في منع الجريمة القائمة بفعل طبقة سياسية تسرق المال العام وتستخدم الناس والمؤسسات دون حسيب أو رقيب؟.
هل معركة الجيش اليوم تمنع السؤال عن قدرة هذه المؤسسة على تحمل نتائج مثل هذا الاختبار؟ وهل على اللبنانيين أن يصمتوا ولا يسألوا الى أين يُساق أولادهم لأن جهابذة 14 آذار وقادتها قرروا أنها معركة الشرف الكبرى فيما لا أحد من أولادهم يزور لبنان حفاظاً على مزاجه ومزاج أهله؟ وهل يمنع السؤال عن سبب القصف الكثيف والتدميري الذي يصيب مخيم نهر البارد ونصدق قناة «العربية» وهي تكرر تفاهاتها عن الاقتحامات المستمرة لقوات الجيش الى داخل المخيم دون أن تأتينا بصورة واحدة من هناك؟ وهل علينا أن نستمر بممارسة الرقابة ولا ننشر الأعداد الكاملة للخسائر البشرية والمادية في صفوف القوى الأمنية والعسكرية منذ اندلاع المواجهات ونمتنع أيضاً عن وضع عدّاد يُحصي عدد الضحايا من المدنيين والخسائر وننتظر صدقة إعادة إعمار بالية عسى ألّا يصيب أبناء المخيمات منها ما أصاب أبناء الجنوب والضاحية بعد عدوان تموز الماضي؟ وهل ممنوع السؤال عن سبب انحصار حملة المجموعات الإسلامية بالجيش دون غيره من القوى الأمنية بينما يتولّى فرع المعلومات إدارة الملف من اليوم الأول؟
قد تبدو الأسئلة أقرب الى الصراخ منها الى مناقشة باتت من دون جدوى مع فريق يرى نفسه مقتنعاً بأن وجهته صائبة، ثم يكرر أدبيات الأحزاب الشمولية التي يعرفها «المفكر الملهم» عن ظهر قلب، والتي تنهي خطابها الممل عادة بالقول «لقد أثبتت الأحداث صحة تحليلاتنا». وفوق كل ذلك، ينظر هؤلاء إلى مقاومة أثبتت جدواها في التحرير وفي الصمود بأن عليها التعامل بواقعية مع عدو قوي وقادر. ثم يعلنون حرباً على دولة يقولون إنها قوية ونظامها إرهابي. ألم يحن الوقت لاستقالة هؤلاء أو إقالتهم أم متى يتحوّل قرع جرس الإنذار الى قرع لأبواب غاباتهم الأمنية المنتشرة مربّعات مربّعات بين الأحياء؟
تعليقات: