إنجاز عظيم.. أم إغراق الحقيقة في الثرثرة؟!


استطاعت الصحافية هالة قضماني ان تكتب مقالاً كاملاً في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن الكارثة الإنسانية في غزة، المتمثلة بشكل خاص في أن سكانها هم "على حافة المجاعة" - استطاعت ذلك من دون أن تذكر ولو لمرة واحدة، ولو على نحو عابر، أن هذه المجاعة على صلة بالحصار الذي تقوم به إسرائيل وبمنعها دخول الغذاء والماء والوقود منذ بداية الحرب على غزة... ما سبب المجاعة إذن؟ انها الحرب، والمساعدات الغذائية التي "لا تكفى للرد على احتياجات السكان"، وكذلك "القصف وانقطاع الاتصالات مما يجعل عمليات توزيع المساعدات أكثر تعقيداً"! فهل حقاً لم تتناهَ إلى سمعها البيانات المتكررة للمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية التي تدين تجويع سكان غزة وتطالب برفع الحصار، وكان منها بيان منظمة "هيومن رايتس ووتش" قبل أيام (18 ديسمبر/ كانون الأول) الذي تقول فيه "إن الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوباً للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل جريمة حرب"؟

بالتأكيد سمعت هالة قضماني بذلك كله، لكن إنجازها الصحافي العظيم يتمثل على الأرجح في قدرتها على التكيف والمساومة مع الخط التحريري إسرائيلي الهوى لصحيفة "ليبراسيون". فهي تعلم جيداً أن المشرفين على التحرير، ولا سيما مدير التحرير الإسرائيلي، لا يستسيغون الكلام عن تجويع الفلسطينيين ويفضلون أن تكون المجاعة كارثة سقطت من السماء.

وقد كان أيضاً من علامات هذه القدرة على التكيف، أن هالة قضماني، بينما كان الجيش الإسرائيلي يستهدف صحافيي "الجزيرة" والصحافيين الفلسطينيين عامة بالقتل، استطاعت ان تكتب مقالاً في "ليبراسيون" عن قناة "الجزيرة" وتغطيتها للحرب على غزة تحت عنوان "الجزيرة، قناة إعلام شامل في خدمة الغزّاويين... وحماس". ولكي لا يخطئ القارئ في فهم ما يعنيه الإعلام الشامل، جاء عنوان المقال في منصة "اكس": "الجزيرة، سلاح إعلام شامل في خدمة حماس"!

قد تعتبر هالة قضماني أن في هذا الكلام إجحافاً، إن لم يكن تجنياً، فهي التي تعتبر نفسها مناصرة للفلسطينيين وقضيتهم، قد تجد مجرد الحديث عن معاناة الفلسطينيين في صحيفة إسرائيلية الهوى إنجازاً عظيماً... لكن هل حقاً يمثل الحديث عن المجاعة إنجازاً بينما، في الوقت نفسة، يتم تجهيل الفاعل؟ هذا التجهيل هو تحديداً ما كان ميشيل فوكو يسميه "إغراق الحقيقة في الثرثرة".

(*) مدونة نشرها الباحث اللبناني مروان أبي سمرا في فايسبوكه

تعليقات: