«مكافحة الهدر» تغرق صيدا بالنفايات!


في اللحظة الأخيرة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، سحب وزير الداخلية بسام المولوي عن جدول الأعمال بند الموافقة على عقد بين بلدية صيدا وشركة «سيتي بلو» لجمع النفايات، بحجة «وجود فارق كبير في سعر تكلفة الطن الواحد للنفايات الذي تقدمت به الشركة بين العرضين الأول والثاني من 30 دولاراً للطن إلى 47 دولاراً». أسقط المولوي «الخطة أ» لجمع وكنس النفايات التي تغرق عاصمة الجنوب حفاظاً على المال العام، وقد يكون محقّاً، إلا أنه وحكومته لم يقدّما بديلاً لإنقاذ المدينة من الأزمة التي تعانيها منذ أيار الماضي، مع انسحاب شركة «NTCC».مذذاك، لم يدخل أيّ مشغّل مكان الشركة المنسحبة، فـ«من يريد العمل مع بلديات مفلسة، أو بسعر الليرة الذي لا يتحرّك سوى نزولٍ؟»، بحسب مدير في شركة لجمع نفايات. بالنتيجة، يتكدّس 150 طناً من النفايات يومياً في شوارع المدينة. وفي غياب المستوعبات، واستشراء ظاهرة «النكاشين»، وجدت البلدية نفسها أمام أزمة مركّبة. من جهة، لا يمكن استخدام آليات رفع المستوعبات، ومن جهة أخرى انتشرت النفايات على الطرقات بسبب تمزيق الأكياس ونبشها، وعوامل الطقس من رياح وأمطار.

لم تكتف الدولة بالاستقالة من إدارة الملف، وعرقلة الحلول المقترحة، بل تركت قنبلة النفايات تنفجر في وجه المجلس البلدي الذي عقد منذ بداية الأزمة عشرات الاجتماعات مع كل المسؤولين والوزراء المعنيين بمعالجة الأزمة، فيما النفايات تتكدس في مدينة يقع على أرضها واحد من أكبر معامل فرز النفايات في لبنان، لكنه معطّل بنسبة 90% بسبب نقص التمويل، ما أدى إلى انعدام الصيانة وخروج المعدّات عن الخدمة.

إثر خروج «NTCC» وضعت بلدية صيدا دفتر شروط لاستدراج عروض وفقاً لمناقصة عمومية وفق قانون الشراء العام. وبسبب تقدّم شركة واحدة فقط، هي «معوض وإده»، المشغّلة لـ«سيتي بلو»، ألغيت المناقصة، بحسب نائب رئيس بلدية صيدا عبد الله كنعان. ووضع المجلس البلدي دفتر شروط جديداً وفتح مناقصة ثانية، فـ«لم يتقدم أحد. عندها بدأ المجلس التفاوض مع سيتي بلو لتوقيع اتفاق بالتراضي». وبعد التوصل إلى اتفاق أوليّ، أدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في 19 الجاري، إلا أن وزير الداخلية طلب سحب البند في اللحظة الأخيرة «لوجود فارق كبير في كلفة الطن الذي تقدّمت به الشركة بين العرضين الأول والثاني من 30 دولاراً للطن إلى 47»، بحسب بيان الوزير.

مصادر في شركة «معوض وإده» أكّدت رواية البلدية لجهة «تقدمها كعارض وحيد في المناقصة الأولى الملغاة من قبل ديوان المحاسبة». وبرّرت تعديل الأسعار في المفاوضات بـ«الكشف الميداني الذي قامت به الشركة على منطقة صيدا، حيث وجدت أنّ الكمية الفعلية للنفايات على الأرض لا تزيد على 140 طناً، فيما طلبت الدولة تسعير الطن بناءً على إنتاج يناهز 250 طناً يومياً». وأوضحت المصادر أنّه رغم تقليص النفقات التشغيلية بنسبة 20%، إلا أنّ الرقعة الجغرافية المطلوب تغطيتها لا تزال هي ذاتها، وكذلك عدد العمال، وبعد قسمة التكاليف على كمية النفايات التي تجمع يومياً، ارتفعت كلفة الطن الواحد. ورفضت المصادر تسمية تغيير السعر بالعرض، فـ«الشركة لم تتقدّم سوى بعرض واحد في المناقصة الأولى، ولم تكن مهتمة للمناقصة الثانية بعد التعديلات على دفتر الشروط».

الفراغ الذي تركته الدولة، والوقت الضائع والمحروق في المفاوضات، حاولت حركات المجتمع الأهلي سدّهما عبر تولّي مؤسسات أهلية جمع النفايات وكنس الشوارع. كما اعتمدت البلدية على «صناديق التكافل المموّلة من تجار صيدا لتمويل عملية جمع النفايات»، بحسب كنعان. فبعد خسارة البلدية نحو 20 مليون دولار من أموالها في مصرف لبنان، أصبحت من دون موارد مالية تقريباً، ما حدّ بشكل كبير من قدرتها على الاستعانة بمقدّمي الخدمات، حتى على سبيل العمل اليومي.

تعليقات: