معركة بلدية البترون وغيرها: هيا نطرّد اللاجئين السوريين!

اندلعت المزايدات العنصرية بين أبناء التيار السياسي الواحد (Getty)
اندلعت المزايدات العنصرية بين أبناء التيار السياسي الواحد (Getty)


كل التّقديرات بانفلات ملف اللاجئين السّوريّين من إطاره التّنظيميّ بسياساتٍ لائقة وحاكميّةٍ رشيدة وإنسانيّة، تراعي أوضاع المجموعات اللاجئة والمُهاجرة اضطرارًا وكذلك المجتمعات المضيفة، إلى حالة من الفوضى الشعبيّة والمخاتلة والمزايدة السّياسيّة والتأزم الإداريّ، قد تحققت أخيرًا، مستقطبةً معها شتّى أصناف العداوات بين الطرفين، الاجتماعيّة والثقافيّة والسّياسيّة منها، وصولًا للزراعيّة، وأتاحت المجال أمام تعميم العنف، بوصفه أداةً لتحقيق الإنصاف والعدالة المؤجَلين..


مجموعات لاجئة وسكّان غاضبون

الحال، ومنذ بداية شهر كانون الأوّل الجاري، تتفاعل قضية قرى البترون، شماليّ لبنان، وتحديدًا بلدات "بساتين العصيّ" و"كفرحلدا" و"بيت شلالا" وما يجاورها، أكان بين السّاسة والمعنيين المحليين والمرجعيات الدينيّة وأعضاء البلديات، لتدارك ما سُميّ بـ"الاحتلال السّوريّ الجديد"، في كنايةٍ عن انتشار اللاجئين في هذه البلدات واستفادتهم من المساعدات الإنسانيّة التّي تموّلها الجمعيات الإنسانيّة وكذلك من استئجارهم الأراضي الزراعيّة. وبينما اعتبر رهطٌ من الأهالي وممثليهم من النشطاء والرسميين، هذا الواقع هو إجحاف بحقّ المواطنين لصالح "الغرباء"، عدّه آخرون نقمة شعبيّة تجاه اللاجئين وحساسيةٌ دينيّة ومناطقيّة، فيما يستغل المعنيون، ضعف الطرف الأول ونقمة الثاني، للاستفادة الماديّة.

أما وفي التّفاصيل، فقد بدأ السّجال وحسب التّرتيب الزمنيّ له، بنشر عدّة صحف ومواقع إلكترونيّة، أخبار اتهمت رئيس بلديّة "كفرحلدا" أديب موسى، بالتّخاذل عن جمع النفايات التّي يخلفها اللاجئون، ما أدى إلى الفيضانات وخروج النهر عن مجراه!! ومن ثمّ اتهامه بالتّستر على المخالفين ومحاولة تفشيل عمل الأجهزة الأمنيّة التّي تحاول تنظيم اللجوء، ناهيك بلائحةٍ من المسؤوليات التّي يتحملها موسى، منها "دمج اللاجئين" عبر إتاحة المجال أمام أطفالهم للتعلم في المدارس (يا للهول) ناهيك بالاستفادة من خدمات المستوصف الصحّي، واستعمال صالة الرعيّة الكنسيّة لعقد ورشات عمل للعمّال الزراعيين من التّابعيّة السّوريّة، وصولًا لتستره عن المؤجرين للأراضي الزراعيّة في سهل البلدة.. ما يؤدي -وحسب المزاعم- لطرد اللبنانيّين من هذه الأراضي، وامتلاك المجموعات اللاجئة لشاحنات نقل الخضار.. وغيرها. فيما قام رئيس البلديّة (والمحسوب على التّيار الوطنيّ الحرّ!) آنف الذكر بالرّد على هذه الاتهامات. (نص الرّد).


الشبهة في "توطين اللاجئين"

وقد أدّى هذا التّجاذب الذي انسحب ليستحيل نوعًا من السّجالات السّياسيّة بين أبناء التّيار الواحد – التيار الوطنيّ الحرّ راعي التّحريض ضدّ اللاجئ – وتقاذف المسؤوليات والاتهامات بشبهة "تسهيل توطين اللاجئين" - حسب ما ذكرت الصحف المحليّة- إلى استقالة عضويين من مجلس البلديّة المذكورة أمام قائمقام البترون روجيه طوبيا لأسبابٍ شخصيّة كما ورد في نصّ الاستقالة، وبظلّ وفاة عضويين سابقين واستقالة سابقة لعضوٍ آخر، لتصبح البلديّة المُمدّد لها بحكم المستقيلة (حتّى موافقة محافظ الشمال). الأمر الذي دفع إلى تدخل وزير الداخليّة مؤكدًا متابعته للموضوع، ناهيك بتدخل راعي أبرشية البترون المارونيّة المطران منير خيرالله، ومن ثمّ تدخل بكركي عبر البطريرك الذي التقى ومدير المخابرات في الجيش اللبناني طوني قهوجي، للتباحث بالأمر.. وفيما يترقب المواطنون، حسب المصادر المحليّة، انتقال الصلاحيات المنوطة بالبلديّة إلى قائمقام البترون.

ويُذكر أن "المدن" حاولت الاتصال بالمعنيين للاستفسار عن المزيد من التّفاصيل الدقيقة التّي لم تخضع للمزايدة العنصريّة والسّياسيّة، من دون أن تلقى ردًّا من جانبهم. هذا فيما تشهد عدّة بلدات على امتداد لبنان مواقف مشابهة، من البترون نفسها، حيث عايشت القرى المجاورة لـ"كفرحلدا" تبعات السّجال السّياسيّ، بينما تحتّدم مثل هذا السّجالات في بلديات عدّة في البقاع الأوسط والشمالي، وخصوصًا برّ إلياس وما يجاورها وعرسال (البلديّة مستقيلة) والبلدات التّي تجاورها، ودخولًا إلى عمق الهرمل. وهذا ضمن الحملة الشعبيّة التّي يرفدها التّحريض السّياسيّ لشحن التعبئة المناطقيّة. فيما صار من المتوقع موجة استقالات جديدة للبلديات المنهارة في البقاع.

وهذه التّعبئة قد قامت بالرغم من هامش الحريّة التّي أُنيطت به البلديات بما يتعلق بملف اللاجئين وتشديد إجراءاتها ضدهم، بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، أيلول الفائت، والتّي عممها وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال على البلديات، قد باتت تستعمل بطريقةٍ وصفتها الجهات الحقوقيّة بالمسيئة. (راجع "المدن")

أما بالعودة إلى قضية "كفرحلدا"، وفيما يبدو من اللافت كون التّفاعل الأبرز كان ضدّ تأجير المجموعات اللاجئة والمهاجرة الأراضي الزراعيّة لاستصلاحها (مع فوارق الدخل بين المزارعين اللبنانيين والسّوريين)، أو إقامة دورات للمزارعين من كل الجنسيات ممولة من الأمم المتحدّة والاتحاد الأوروبيّ (راجع "المدن")، التّي يستفيد منها كل من السكّان وهذه المجموعات، كان التّناحر السّياسيّ بين الأعضاء والسكّان المنتمين إلى التيار السياسي نفسه مع رئيس البلديّة، والذي أظهر هشاشة الدعايّة التّي يحاول بثّها التّيار منذ بدأ موجات اللجوء بعد عام 2011، وما لحقها من مساعدات نُهبت.

تعليقات: