حصاد عام مرير: بلد يحكمه نظام الإفلات من العقاب

فوضى سياسية وأمنية وفلتان السلاح.. ومعارك في المخيمات الفلسطينية (Getty)
فوضى سياسية وأمنية وفلتان السلاح.. ومعارك في المخيمات الفلسطينية (Getty)


بدأت سنة 2023 وانتهت بشغور رئاسي حملته معها من تشرين الأول 2022، وبأزمة اقتصادية وانهيار مالي حملته من تشرين الأول 2019، وبعدالة ضائعة منذ انتهاء الحرب الأهلية 1989، وبلغت ذروتها عند تفجير مرفأ بيروت في آب 2020، وصولًا إلى مغادرة رياض سلامة لمنصبه في حاكمية مصرف لبنان المركزي في تموز 2023 من دون محاسبة. ناهيك عما سبق ولحق هذه الفترات من أحداث، في بلد يحكمه نظام الإفلات من العقاب، ولا ينزع فيه صاحب حقٍّ حقه، إلى أن تعالت أصداء الحرب من الجنوب اللبناني.

وهنا، نذكر مقتطفات من أحداث شهدها لبنان سنة 2023، قد تكون هامشية، لكنها في الحقيقة جزء لا يتجزأ من حالة الفوضى والفساد.


الشغور

كان الشغور الرئاسي من بداية العام حتى حزيران، نجم الأحداث في لبنان، حيث استقطب حراكًا دوليًا استثنائيًا غربيًا وعربيًا، وبرز فيه نشاط وطروحات اللجنة الخماسية حول لبنان والتي تضم أميركا وفرنسا وقطر والسعودية ومصر، من دون أن تفضي إلى نتيجة، لا بل شهدت خلافات فيما بينها حول إدارة الملف.

إلى أن كانت النهاية بفشل البرلمان اللبناني في 14 حزيران، وللمرة الـ12 في انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما رست المعادلة التعطيلية حينها عند مرشحين، لم يستطع أي من الطرفين إيصالهما: زعيم تيار المردة سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما، والوزير الأسبق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، المدعوم من القوى المسيحية الكبرى (التيار الوطني الحر وحزبي القوات والكتائب) والحزب التقدمي الاشتراكي ومستقلين آخرين.


بلديات

بعد صراعات طويلة ومخاوف من نتائجها، وللمرة الثانية خلال سنتين، أقر البرلمان، في نيسان الفائت، قرار تأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المقرر إجراؤها في شهر أيار 2023، وسط شلل سياسي وأزمة اقتصادية متفاقمة، وفي استكمال لنهج التهرب من انجاز الاستحقاقات في مواعيدها. مع الإشارة هنا، بأنه يوجد في لبنان 1059 بلدية. وبعد الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2016، أصبحت 108 بلديات، إما منحلة وإما يديرها القائم مقام أو المحافظ، أي بنسبة 10% من عموم البلديات من دون رئيس.


جرائم وانتهاكات

كان العام 2023 حافلًا بالجرائم والانتهاكات بحق الأطفال في لبنان. ففي شهر تموز وحده، ضج لبنان بقصص تعذيب وضرب أطفال بإحدى دور الحضانة، ومقتل طفلة على إثر اغتصابها ببيت عائلتها وتوقيف جدها للاشتباه به، والاعتداء الجنسي على طفلتين بالبقاع وطفل بعكار.

وهذا ناهيك عن قصص عثور كلب شارد على طفلة رضيعة مرمية بكيس أسود بطرابلس، وحكم قضائي بحق رئيسة دار للإيواء تُدعى "قرية المحبة والسلام" ومتورطين آخرين بتهم عدة كالاتجار الجنسي بالقاصرات، والعثور على طفلين رضيعين بجبيل، والاتجار بالبشر عبر عرض رُضع للتبني غير المشروع.. وغيرها من قصص صادمة عن عنف يطارد الأطفال في المنازل والمدارس ودور الحضانة والرعاية والمساحات العامة.


عين الحلوة

تصدر ملف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هذا العام المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي في لبنان، خصوصًا مع انفجار الأوضاع الأمنية في مخيم عين الحلوة، إثر معارك دامية بين حركة "فتح" ومجموعات الإسلامية "الشباب المسلم"، أسفرت عن عشرات القتلى، وإلى تدمير أجزاء واسعة من المخيم في تموز الفائت، واستمرت لنحو شهرين، مما خلق بعض التوترات والحساسيات في المخيمات الأخيرة. كما تصاعدت الخطابات السياسية المناوئة للوجود الفلسطيني في لبنان.


اللاجئون السوريون

انفجر ملف اللاجئين السوريين على شتى المستويات في العام 2023، أمنيًا واجتماعيًا وسياسيًا وشعبيًا ودوليًا، وهو ما تناولته "المدن" في تقرير منفصل. ولكن باختصار، يمكن القول بأن لبنان في 2024، سيرث كل أثقال هذا الملف، الذي ما كان ليهدأ قليلًا لولا اندلاع جبهة الجنوب. وحسب المعطيات الميدانية، فإن الحدود البرية ما زالت مشرعة لعمليات التهريب غير الشرعية للاجئين من سوريا إلى لبنان، كما أن استلام الحكومة لداتا اللاجئين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما زالت يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول آلية استخدامها، إضافة إلى عجز الحكومة عن تطبيق أي خطة للعودة بصورة ثنائية مع النظام السوري، وبمعزل عن إرادة المجتمع الدولي.


ضياع السنة

استنادًا إلى المنطق الطائفي الذي يحكم لبنان، شهد العام 2023 بعض نتائج حالة التخبط التي تسود الطائفة السنية في لبنان على المستوى السياسي، منذ خروج تيار المستقبل من الحياة السياسية في الانتخابات البرلمانية 2022. ومما ظهر هذا العام، تشتت الصوت السني في البرلمان بجلسات الانتخابات الرئاسية.

ومع عودة النائب فيصل كرامي إلى البرلمان نتيجة الطعن الذي قدمه بنتائج الانتخابات لدى المجلس الدستوري، أعلن كرامي في حزيران، عن ولادة تكتل "التوافق الوطني"، الذي يضم إلى جانبه نوابًا سنّة آخرين موالين وحلفاء لحزب الله، وهم: عدنان طرابلسي، حسن مراد، محمد يحيى وطه ناجي.

وبناء عليه، كان البرلمان في 2023، أمام تكتل سنّي يتألف من خمسة نواب من نصيب حزب الله ومعه حركة أمل، ويضاف إليهم نحو أربعة نواب سنّة آخرين من نصيبهما أيضًا مثل: جهاد الصمد، ينال الصلح، ملحم الحجيري وقاسم هاشم، إضافة إلى استقطاب الحزب لنواب سنة آخرين شمالًا وجنوبًا. وهؤلاء جميعًا، من أصل 27 نائبًا سنيًا، بعدما كان تيار المستقبل يملك وحده نحو 17 مقعدًا سنيًا.


طرابلس

شهدت طرابلس والشمال عمومًا هذا العام، أحداثًا متفرقة. ورغم أنها لم تتصدر المشهد في لبنان، لكنها شكلت استمرارًا لما تعانيه هذه المنطقة منذ سنوات.

أمنيًا، وإضافة إلى تداعيات انفلات الحدود بين لبنان وسوريا، وتحديدًا من وادي خالد، شهدت عكار في شباط على جريمة مقتل الشيخ أحمد الرفاعي، بعد تعرضه لكمين خطير، أثار بلبلة واسعة في الشمال ولبنان. وبعد يومين من قتله، ضج لبنان بقتل السيدة منى الحمصي على يد زوجها في الشارع علنًا على مرأى الناس في جبل محسن، وذلك في استمرار لجرائم قتل النساء التي لا تنتهى في لبنان. في حين، شهدت طرابلس هذا العام، محاولات لخلق خلايا أمنية إرهابية، لكن معظمها باءت بالفشل. فيما ملف الموقوفين الإسلاميين العالق منذ سنوات في المحكمة العسكرية ما زال بلا حلول، ورهن الحسابات السياسية التي تلحق الأذى بمصير مئات الشبان.

وفي شهر آذار، كشفت "المدن" عن معلومات حول عمليات سرقة مروعة تشهدها أبنية عدد من المدارس الرسمية. ومنها سرقات كبيرة شهدتها عدة مدارس رسمية في طرابلس، وأكثرها في مدارس رسمية تقع في منطقة البداوي. وجاء ذلك فيما بلغ الانهيار التربوي في لبنان هذا العام ذروة جديدة، تهدد مستقبل عشرات آلاف الطلاب.


جريمة بشري

وفي السياق الأمني، انشغل اللبنانيون هذا العام بتداعيات ما عرف بجريمة بشري، وما أسفرت عنه من خطاب سياسي وطائفي تحريضي، كاد أن يشعل حربًا أهلية مصغرة بين أهالي بشري وأهالي الضنية حول القرنة السوداء.

ففي أول تموز، ضج لبنان بخبر مقتل الشابين هيثم ومالك طوق من بشري في محيط القرنة السوداء وسط ظروف غامضة واتهام أهالي بشري لشباب من الضنية بارتكاب الجريمة. وهو ما فجر مجددًا الخلاف التاريخي بين قضائي بشري والضنيّة، حول "ترسيم" الحدود بينهما في منطقة القرنة السوداء، ليتخذ بُعدًا طائفيًا (إسلاميًا – مسيحيًا). وفي ظل الصراع على كميات المياه في هذه المنطقة المتنازع عليها، يصرّ كل من أهالي بشري والضنية على ملكيته للأراضي المتنازع عليها في القرنة السوداء، وكلّ طرف يؤكد حجته استنادًا لوثائقه، من دون أن يُحسم هذا الخلاف التاريخي بعد.


قوات الفجر

في خضم الحرب المصغرة جنوبًا بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، كان لافتًا بعد أكثر من أسبوع على اندلاعها، بروز "قوات الفجر"، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، وإعلانها عن توجيه ضربة صاروخية استهدفت مواقع العدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وتحقيقها لإصابات مباشرة. ورغم رمزية هذه الخطوة في معادلة الحرب، ومحدودية أثرها، لكن كثيرين وجدوا فيها رسالة لكسب مشروعية أوسع داخل لبنان للحرب القائمة جنوبًا، وخصوصًا من الطائفة السنية التي تعبر عن تعاطف استثنائي مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة.

تعليقات: