من أحداث الطيونة
زخرت سنة 2023 بعدد من الأحداث الأمنية الحسّاسة كادت تؤدي خلفياتها إلى ما يقرب من الحرب الأهلية، وذهبت ملفات هذه الأحداث إلى #القضاء بين عسكري ومدني ومجلس عدلي، لتضاف إلى أحداث سابقة لم تنتهِ تداعياتها، بل كانت الأحداث الجديدة امتداداً لها من دون صدور قرارات نهائية بأغلبيتها، وإن كان مسارها القضائي مستمراً لكن بوتيرة بطيئة، ما يبقي هذه الملفات مفتوحة ويبقي معها خطورة تجدّدها في أي لحظة نتيجة عدم الحسم.
ومن الأحداث الحسّاسة التي حصلت هذا العام:
– في 20 شباط خُطف الشيخ أحمد الرفاعي من عكار، الأمر الذي أدى إلى توتر طائفي - سياسي بعد توجيه أصابع الاتهام إلى "حزب الله"، وانتهت القضية بالعثور على جثة الشيخ في 25 شباط، وتبيّن أن القتلة هم من أقارب الشيخ والأسباب شخصية، مع العلم أن القتلة بحسب المعلومات التي رشحت، كانوا على علاقة سياسية مع "الحزب".
– في الأول من تموز اشتباكات مسلحة في القرنة السوداء بين مسلحين من بقاعصفرين وآخرين من بشري على خلفية نزاعات عقارية وعلى رعاية الماشية أدّت إلى مقتل شخصين من بشري وحالة توتر في المنطقة.
– في 9 آب وإثر سقوط شاحنة محمّلة أسلحة لـ"حزب الله" على كوع الكحالة جرت اشتباكات بين مسلحين من "حزب الله" كانوا يواكبون الشاحنة وعدد من أهالي الكحّالة أدّت إلى سقوط ضحيّة لدى كل طرف وحالة توتر استمرت لأسابيع، وقد صادر الجيش الشاحنة ولم يُعرف مصيرها حتى الآن، فيما صدرت مواقف تسأل عن غياب القضاء العسكري وأسباب عدم تدخله في القضية فيما يُسخّر لقضايا تتعلق بالرأي العام أو غيره.
– وفي 8 آب عثر على عضو المجلس المركزي في حزب "القوات اللبنانية"، الياس الحصروتي، مقتولاً في أحد الحقول إلى جانب الطريق بمنطقة جنوب لبنان.
والحصروتي هو من بلدة عين إبل الحدودية في جنوب لبنان، وكان يتولى مسؤولية منسّق القوات في منطقة بنت جبيل، وانتشر فيديو يظهر تعرّضه لكمين من سيارتين واقتياده إلى المكان الذي وجد فيه مقتولاً، وبعدها اتهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع "حزب الله" بتنفيذ عملية الاغتيال.
هذه الأحداث معطوفة على أحداث سبقتها لم تصل فيها التحقيقات أو المحاكمات بعد إلى حكم نهائي، فبقيت رهينة التجاذبات ويمكن أن تؤدّي إلى إحداث جديدة كقضيّة انفجار #مرفأ بيروت، وأحداث #خلدة، وانفجار #التليل وأحداث #الطيونة - #عين الرمانة واغتيال الناشط #لقمان سليم.
جميع هذه الأحداث هي مدار محاكمات وملفات مفتوحة لدى القضاء اللبناني، إلاّ أن غالبية هذه الملفات تخضع للتدخلات السياسية نتيجة حساسيتها، ما يعرقل المسار القضائي فيها. وفيما يخضع بعضها لمساومات ومصالحات سياسية وطائفية جانبية بعيداً عن القضاء كقضيّة خلدة والتليل، يخضع الجزء الثاني لضغوط سياسية هائلة على القضاء لعرقلة اتخاذ القرارات كقضية تفجير مرفأ بيروت، فهل يمكن أن يكون هناك أكثر دلالة على تدخل "حزب الله" فيها من دخول وفيق صفا قصر العدل وتهديد القاضي طارق البيطار علناً؟
في ما خص مصير هذه الملفات، يبدو أن المسار القضائي سلس في قضية الشيخ أحمد الرفاعي على سبيل المثال، بعد إبعاد الخلفيات السياسية عنها وحصرها في الإطار العائلي والشخصي، إذ أصدرت قاضية التحقيق الأولى في لبنان الشمالي سمرندا نصار قرارها الظنّي في قضية المرحوم الشيخ أحمد شعيب الرفاعي الذي خلص إلى الظنّ بالمدّعى عليهم يحيى عبد الكريم الرفاعي وابنه علي يحيى الرفاعي وأبناء شقيقته كل من عبد الكريم وأحمد ويحيى الرفاعي بارتكابهم جرمي الخطف والقتل العمد المنصوص عليهما بمقتضى المادتين 569 و549 من قانون العقوبات اللتين تصل عقوبتهما إلى الإعدام.
التليل
أما في قضية انفجار التليل الذي أودى بحياة 33 شخصاً عدا عن المصابين بعاهة دائمة والجرحى، فقد أصدر المجلس العدلي في كانون الأول 2023 قراراً بإخلاء سبيل جورج إبراهيم، مالك العقار الذي وقع فيه انفجار بلدة التليل – عكار وعلي الفرج صاحب المحروقات، لقاء كفالة قدرها 500 مليار ليرة لبنانية لكل منهما.
وكان القرار الاتهامي بالقضية قد صدر سابقاً عن القاضي علي عراجي في تموز من العام الماضي، واتّهم فيه 8 أشخاص. وطلب القرار الاتهامي محاكمتهم أمام المجلس العدلي، ومن بينهم صاحب المبنى والخزانات المدعو جورج إبراهيم.
وهذا القرار أغضب أهالي الضحايا وذويهم، الذين أكدوا أن الجلسات كانت أمام المجلس العدلي تخضع للكثير من الإبطاء، سواء في تحديد مواعيد الجلسات، ومن ثم التأجيل عند كل جلسة. وكانوا يتخوّفون من أن يكون ذلك سبباً وراء السعي إلى مزيد من إسقاط الحق في هذه القضية (20 من أصل 69 أسقطوا حقهم، أغلبهم سوريون)، وذلك لإجبار من لم يُسقط حقه بعد على توقيع إسقاطات الحق، مقابل تعويضات مادية. وأعاد الأهالي اتهام النائب عن "التيار الوطني الحر" أسعد درغام بالتدخل في القضيّة لصالح صاحب الملك.
أحداث خلدة
أما في أحداث خلدة، ففي كانون الأول 2023 استكملت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي جوني القزّي، محاكمة المتهمين بالقضية التي وقعت بين أشخاص من عرب خلدة، ومسلّحين من "حزب الله" وأدّت إلى مقتل أربعة من مناصري الحزب.
وقرّر القاضي جون القزي أيضاً استدعاء عدد من الشهود ومنهم أمنيون وتقرر إخلاء سبيل 5 موقوفين لقاء كفالة مالية قدرها 400 مليون ليرة لبنانية عن كلّ منهم، ما أبقى عدد الموقوفين في الملف 4 أشخاص فقط.
وفي هذا الإطار كشف الشيخ خلدون عريمط، وهو المكلف من قبل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان متابعة ملف خلدة، أن الملف يسير بسلاسة ووفق الخطوط العريضة للمصالحة المتفق عليها بين دار الفتوى والرئيس نبيه بري و"حزب الله". ويؤكد أن التواصل مستمر بين بري ودريان خارج الإعلام، لمواكبة الأمور وتحقيق المصالحة، وهي ستتم بعد استكمال المسار القضائي، الذي يتوقع أن تنتهي خطواته نهاية العام أو مطلع العام المقبل.
مرفأ بيروت
لم تحمل طوال سنة 2023 أي تطور إيجابي في قضية انفجار مرفأ بيروت وما زال التحقيق متوقفاً وملفاته بدأت تدخل غياهب النسيان، بحكم استمرار العقبات القانونية المثارة أمام القضاء من مدّعى عليهم سياسيين، وما استتبعها لاحقاً من ترك جميع الموقوفين في هذه القضية، مروراً بالعقبات السياسية أيضاً التي حالت دون استكمال العضوية في الهيئة العامة لمحكمة التمييز وعدم موافقة رئيسي غرفتين لمحكمة التمييز على المشاركة في هذه العضوية لعدم تعيينهما أصيلين في مركزيهما، وكذلك رفض أعضاء أصيلين فيهم عضوية قضاة منتدبين في الهيئة الأصيلة التي استقر عددهم فيها على ثلاثة قضاة فحسب مع الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود، فيما الأفق السياسي للإفراج عن انتظام عمل المؤسسات في الدولة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة والإفراج عن مرسوم تشكيلات قضائية عامة والانتهاء من مسألة الانتدابات والتكليفات الجارية في قصر العدل بحكم تقاعد قضاة، لا يزال مسدوداً. والتعقيدات القانونية أيضاً لا تزال تحول دون بتّ الادعاء على قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار في ملف المرفأ بجرم اغتصاب سلطة رغم تعيين رئيس مجلس القضاء الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله لهذه الغاية لعدم تعيين مجلس القضاء الأعلى هيئة اتهامية من ثلاثة قضاة لخلاف على تسمية رئيس هذه الهيئة.
في المحصلة بقي الملف رهينة التجاذبات السياسية والقضائية والنكايات، ولا تقدّم في الملف، وما حدث في 2023 مرشح للاستمرار في 2024.
الطيّونة
اشتباكات أو أحداث الطيّونة التي وقعت في أواخر عام 2021، وأدّت إلى اشتباكات عنيفة بين أنصار "حزب الله" و حركة أمل وأهالي عين الرمانة سقط فيها 7 قتلى غالبيتهم من أنصار "الثنائي" بالإضافة إلى عشرات الجرحى.
وادعى مفوض الحكومةِ لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي في عام 2022 على 68 شخصاً بينهم 18 موقوفاً بجرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة الفتنة الطائفية والتحريض وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة، اضافةً إلى تخريب ممتلكات عامة وخاصة.
ولا يزال الملف في يد قضاء التحقيق العسكري. وفيما أطلق سراح معظم الموقوفين، ما زال هناك أربعة مدعى عليهم موقوفين.
وبحسب مصادر مطلعة على التحقيق فإن هناك دفعاً باتجاه إصدار أحكام في هذا الملف من منطلق القانون والعدالة، مشيرة إلى أن مطلع العام المقبل سيشهد عملاً قانونياً، وحتى سياسياً، من أجل ختم "هذا الجرح" بين أبناء الوطن الواحد على المستويات كافة، لناحية العدالة لكل الأطراف، من دون أي مظلومية على أحد.
أما قضية الكحالة فقد تمت ضبضبتها بخسائرها من الجهتين من دون الكشف عن تحقيق واضح أو تحميل مسؤوليات لأي طرف في حادثة كادت تؤدي إلى حرب أهلية. وكما في ملف الكحالة، لم يصدر أي شيء عن قضية الياس الحصروتي سوى ما تسرّب عن إبلاغ وزير الداخلية بسام المولوي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن الأجهزة الأمنية لم تتوصّل إلى شيء، وما زال التحقيق مفتوحاً من دون تحقيق أي تقدم، ومثله ملفا بشري - بقاع صفرين العالق أمام القضاء منذ سنوات طويلة ولم يجر التوصّل إلى حلّ للموضوع ينهي الخلاف بحكم مبرم بين المنطقتين ما يبقي الأمور مفتوحة على خلافات أخرى تتجدّد كل عام من دون نهاية.
وأخيراً يبقى ملف اغتيال الناشط لقمان سليم مفتوحاً من دون أي دليل أو اتهام أو تحقيق جديد أو حكم ظني على غرار ملف هاشم السلمان، وبالتالي انضمامه إلى بقيّة الملفات مجهولة الفاعل.
تعليقات: