الحرّيّات المنتهكة في لبنان.. عين على أرقام عام 2023


حجب غبار الحرب والدمار الأنظار عمّا ينتهك من حريات في #لبنان في العام المنصرم. ذلك العام الذي افتتح أشهره الأولى بزلزال مدمّر ضرب سوريا وتركيا على حد سواء. في لبنان، انشغل الناس بأمور العالم والإقليم إضافة إلى معيشتهم من دون أن يكترثوا إلى انتهاكات كبرى طالت الحريات في هذا البلد الصغير.

تصف الناشطة النسوية حياة مرشاد العام 2023 بأنه من أخطر السنوات في تاريخ لبنان لناحية الحريات، حيث شهد مزيداً من التضييق على منظمات العمل المدني والأصوات الداعمة لحقوق اللاجئين.

وتتحدّث مرشاد بقلق من تصاعد خطاب الكراهية ضدّ المجتمع الميم/عين، وتشير إلى الهمجية الدينية المخيفة على مساحة الوطن والربط الدائمة بين العمل النسوي وقضايا مجتمع المثليين. بأيديها مجموعة من الدلائل، في مقدمتها ما جرى في طرابلس من تحريض صدر من المساجد ضدّ الجمعيات النسوية واقتحام أحد المراكز الطبية بأهداف وذرائع بسبب التحريض العام.

تتّهم مرشاد السلطة اللبنانية بتغذية مجموعات مسلحة ومنظمة كجنود الربّ وجنود الفيحاء، وهي جماعات خارجة عن نطاق الدولة وبحسب رأيها معروفة التمويل. وبمجرّد السكوت عمّا تقترفه هذا يعني أنّ الدولة اللبنانية بشخصيات من يحكمها اليوم تبارك وتغذّي وجود هذا النوع من الجماعات.

لا يقتصر الأمر على عمل الجمعيات، كان مكتب الجرائم المعلوماتية من أنشط المكاتب التي تستدعي الناشطين والصحافيين، وكانت مرشاد قد استدعيت مرتين العام الماضي، وترى أنّ استفحال مكتب الجرائم المعلوماتية تجاه الصحافيين وكلّ من يتكلم ويفضح المنظومة والمرجعيات الدينية عبر تزايد الاستدعاءات يهدف إلى إسكات الصحافيين. وتقول: "لقد تمّ استدعائي مرّتين في قضايا متعلقة بمواضيع تمّ نشرها حول النساء والكلّ بات يعرف الممارسات المرتكبة في حقّ الصحافيين بغية إجبارهم على توقيع تعهّدات". ومن جملة ما جرى عام 2023 كان التضييق على المساحات العامة، حيث شهد وسط بيروت اعتداء على مسيرة "الحريات"، ورسالة السلطة لكلّ من يتحرّك في هذا الإطار بأن لا حماية له، وستبارك حركة المعتدين على الحريات، حسب تعبير الناشطة النسوية.

"تجمّع نقابة #الصحافة البديلة" الذي يضم عددا من العاملين في الإعلام، عايد متابعيه على منصات التواصل، وقال إنه "سيسجل العام 2023 كأقصى الأعوام على الصحافيين. خلاله خسرنا أصدقاء وزملاء في جنوب لبنان وغزة. وخلاله أيضاً واجهنا آلة القمع والتضييق على الحريات".

وذكرت منسقة تجمع نقابة الصحافة البديلة في حديث للنهار أن العام 2023 كان عام الانقضاض على الحريات أكثر من أي عام سبق، وقالت ألسي مفرج إن ما جرى خلال العام كان عملية انتقام من كل من تحرك في الشارع عام 2019، من صحافيين، قضاة، محامين وفنانين وكذلك الفئات المهمشة كالمثليين. وتشير إلى شيطنة هذه الفئات وعزلها بغية الانقضاض عليها في ما بعد.

على مستوى الصحافة، واجه تجمّع الصحافة البديلة استهداف الصحافيين بأكثر من مناسبة، حتى أنّ عدد الصحافيين الذي وافقوا على المثول أمام الأجهزة الأمنية كان أدنى بكثير من السنوات السابقة. ولكن هذه المواجهة بحسب مفرّج يجب أن تكون مدعومة بقانون واضح عصريّ ويحترم المعايير العالمية بحماية العمل الصحفيّ. وتكشف أنّ هذه المعايير غير موجودة في قانون الإعلام العالق بشوائبه الكثيرة في لجنة الإدارة والعدل النيابية، آملة السماح بمشاركة الصحافيين وأهل الاختصاص ومنظمات حقوقية معنية في مناقشته.

بدورها، وثّقت مؤسسة سمير قصير جملة الانتهاكات ضدّ الحريات الإعلامية والثقافية في لبنان، 59 حالة انتهاك لعام 2023، حيث حلّت بيروت في المرتبة الأولى بنسبة عامة بلغت 56.45 في المئة من جملة الانتهاكات وسجلت 35 انتهاكاً، وحلت بعدها محافظتا النبطية وجبل لبنان وتليها محافظة الجنوب بستة انتهاكات أي 9.68 في المئة، 25 في المئة منها كانت على أيدي الأجهزة الأمنية و12.9 في المئة اقترفتها عناصر حزبية، وفي المرتبة الثالثة كان الجيش الإسرائيلي عبر استهدافه الإعلام، وتجلّى ذلك باستشهاد المصور في "رويترز" عصام عبدالله ومراسليّ قناة الميادين فرح عمر وربيع معماري. كما سجّل للقضاء حصّة بنسبة 6 انتهاكات ما نسبته 9.7 في المئة من رقمها الإجمالي.

وكان الاعتداء الجسدي في المقدمة بنسبة 22.6 في المئة، والاستدعاء الأمني بـ21 في المئة، كذلك التهديد بـ 19.4 في المئة، يليهما التشهير وخطاب الكراهية ثمّ إعاقة العمل الصحافي.

تلخّص أرقام سمير قصير التواطؤ بين المنظومة الأمنية والسياسية بمؤازرة قضائية تابعة وغير مستقلة وينضوي تحتها جماعات متطرفة وميليشيات مسلحة تدّعي الحرص على تطبيق القانون. هذه التركيبة لا يمكن كسرها إلّا عبر إقرار قانون إعلام يحمي الحريات ويتبع أرقى المعايير، شرط أن يلازمه إقرار قانون استقلالية القضاء وحلّ وملاحقة كلّ تجمّعات متطرفة ومحاسبة المعتدين شتى من كانوا على الصعيد الدولي والمحلي. والانتهاكات المسجلة مردّها إلى محاولات الأحزاب الحاكمة بسط سيطرتها على المجتمع الذي استشعرت أنه منفصل عنها إثر ثورة 17 تشرين، وبعدما أثبت الشعب اللبناني عجزه عن التحرّك أمام إقرار ضرائب أو سلب ودائع أو عتمة وجفاف شامليّن.

تعليقات: