الكازينو يدير «القمار الشرعي» بطريقة غير شرعية


في حلقة ترويجية على قناة «المُرّ تي في» أخيراً، قال رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري إنّ «الدولة اللبنانية منحت الكازينو الحقّ الحصري بتنظيم ألعاب الميسر والمراهنات عبر الإنترنت».

وفي هذا نصف الحقيقة. إذ أن الصحيح أنّ وزارة المال ارتكبت خطأً عندما سمحت للكازينو بتنظيم هذه الألعاب. وهو ما حسمه ديوان المحاسبة، قبل شهرين ونصف شهر، في رأيٍ إستشاري، أكّد فيه أنّ «لا صِفة قانونية للكازينو تخوّله تنظيم القمار أونلاين»، واصفاً عقد تلزيم الكازينو للألعاب منذ تشرين الثاني 2022، بـ«غير الشرعي»، وموصياً الحكومة بالتحرّك لحماية المصالح المالية للدولة، وسن قانون ينظم قطاع القمار أونلاين على نحو يحدد الجهة المخولة إدارته، وتضمينه جملة ضوابط تخفّف من آثاره المجتمعية السلبية. إلا أنّ الحكومة لم تدرج الملف على جدول أعمال أيّ من جلساتها في الشهرين الفائتين، وأبقت الوضع على شواذه. ومثلها فعل مجلس النواب الذي لم يخطر لأي من نوابه أو كتله إعداد اقتراح قانونٍ لتنظيم القطاع.عندما خاضت إدارة الكازينو معركة إطلاق ألعاب القمار والمراهنات عبر الإنترنت، شدّدت على أنّ أحد أهم أهدافها «القضاء على أوكار القمار غير الشرعية». بعد أكثر من عامٍ على إطلاق الكازينو لألعاب الميسر أونلاين، لا تزال مكاتب السوق السوداء قائمة ومزدهرة. وباعتراف خوري نفسه، في الحلقة التلفزيونية نفسها، «لم يستطع الكازينو إنهاء ظاهرة القمار غير الشرعي». علماً أن أحداً لم يكن يصدق أنّ بمقدور الكازينو محاربة ملوك السوق السوداء، المحميين من أحزابٍ وجماعاتٍ، لكن خوري ألزم نفسه بما يفوق طاقته لإضفاء مشروعية على تنظيم الكازينو لقطاع القمار، وإظهار الأمر وكأن فيه حاجة اجتماعية تتطلّب السماح للكازينو بدخول عالم «الأونلاين».

وكما بات معلوماً، وقّع الكازينو عقد تلزيم ألعاب القمار والمراهنات عبر الإنترنت مع شركة (Olive Support Systems) OSS، في تشرين الثاني 2022، وجرى خلق تطبيق اسمه BetArabia. وبعد كثير من الأخذ والرّد، نسف ديوان المحاسبة أي حقٍّ للكازينو في تنظيم هذا النوع من الألعاب، وعدّ «العقد المبرم مع OSS تجاوزاً للقوانين، شاركت فيه وزارتا المالية والسياحة، وأضرّ بمصالح الدولة المالية». استناداً إلى أن الكازينو مُنِحَ بموجب قانون القمار لعام 1954، حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد في المعاملتين. وتطبيقاً لذلك، فإن العقد الأساسي الموقّع بين «المالية» والكازينو، عام 1995، يجيز للأخير تنظيم ألعاب القمار «الأرضية» حصراً.

غير أن إدارة الكازينو تجاوزت القانون، استناداً إلى تعديل أدخلته وزارة المالية عام 2008، على المادة 10 من العقد، لجهة السماح للكازينو، بشكلٍ حصري، بتنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية«Online». وفي 22 آذار 2023، وقّع وزيرا المالية يوسف الخليل والسياحة وليد نصّار مع الكازينو ملحقاً تعديلياً، منحا الكازينو بموجبه جميع ألعاب القمار الحاضرة والمستقبلية سواء كانت مصنّفة أو غير مصنّفة بأنّها ألعاب قمار، عبر موافقة استثنائية. لكن رأي الديوان استقرّ على أنّ هذا التعديل «لا يشكّل الغطاء القانوني الكافي الذي يسمح للكازينو بتلزيم القمار أونلاين، ذلك أنّ إعطاء حقّ استثمارها يشكل توسعة لنطاق الامتياز، ويحتاج إلى تعديل قانون الامتياز الصادر عام 1995 بموجب قانون جديد». وهو ما لم يحصل.

عملياً، كان يفترض بمجلس الوزراء التحرّك كونه صاحب الصلاحية في تحديد مصير العقد مع OSS، والذي يرتّب فسخه مبالغ مالية على الدولة. كما يرتب الإبقاء عليه خسارة لجزء من الإيرادات التي يُمكن أن تدخل الخزينة، فيما لو نظمت وزارة المالية عبر مديرية اليانصيب (صاحبة الحق في تنظيم ألعاب الحظ والمراهنات بموجب مرسوم صادر عام 2012) مزايدة لتلزيم ألعاب القمار «أونلاين»، وتقاسمت العائدات مع الشركة الفائزة، من دون إقحام الكازينو كطرفٍ ثالث يحصل على نسبةٍ من الأرباح كما هي الحال راهناً، بينما هو لا يقدم شيئاً، سوى أنه عَمِلَ كوسيط بين الدولة والشركة المتعهّدة تشغيل الألعاب.

إهمال السلطة له تداعياته الإجتماعية أيضاً، سيّما أنّ ملء الفراغ القانوني يفترض أن يكون عبر سنّ قانونٍ يُخضع هذه الشركات العاملة في القطاع لنظام ضرائبي قاسٍ، ويفرض توظيف قسم من الأرباح في قطاعات مفيدة للمجتمع والاقتصاد، تعويضاً عن الأضرار الجسيمة لألعاب القمار، كدعم موازنات بعض الوزارات ومراكز معالجة الإدمان... ووضع حدّ للعب المدمنين بواسطة آليات منع وتحديد سقوف لكل لاعب، إضافة إلى ضمان حصول اللاعب الذي يربح على أمواله، وحماية «الداتا»، والتأكد من خلوّ المراهنات من نقل مموّه للأموال (تبييض الأموال)، عبر استحداث نظام مراقبة يتيح مراقبة المراهنات المشبوهة.

تعليقات: