منازل بيروت المهجورة(1).. بشارة الخوري

منزل الضناوي هو لتاجر مصري اسمه بشارة الخوري، أتى إلى بيروت وعمّر هذا القصر، وقيل إنه هاجر، وأن وريثته تقيم اليوم في أميركا
منزل الضناوي هو لتاجر مصري اسمه بشارة الخوري، أتى إلى بيروت وعمّر هذا القصر، وقيل إنه هاجر، وأن وريثته تقيم اليوم في أميركا


العابر أو سالك طريق محلّة الضناوي – البطركية باتجاه منطقة الملّا أو عائشة بكار أو مار الياس في بيروت، لا بّد أن ينتبه جيداً إلى ذلك البيت التراثي القديم والجميل في مكانه، والمهجور إذ أقفلت بعض نوافذه وبرنداته بحجارة الخفان، والمطل شيّد على ما يشبه الهضبة أو التلّة، المفعم بالوحشة والكآبة لغياب سكانه وشحوب طلاء جدرانه، وهو يبدو في الوقت نفسه "واحة أطلال ونوستالجيا" في وسط صحراء الاسمنت والازدحام العمراني المكدس والتشوه البيئي. لكن ذلك المنزل القديم أيضاً في سكونه ووحشته وغياب ناسه كأنه نقطة انطلاق لرواية بوليسية وهو أشبه بجثة عمرانية خاوية، فـ"البيوت تموت إذا غاب سكانها"، يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

ذلك المنزل في حالة مزرية منذ عقود، بفعل الإهمال والتخلّي وعوامل الزمن، وقد أصابه ضرر وتصدّع وآيل إلى الإنهيار والسقوط إذا ما بقي على هذا الحال، ويقال إنه ضمن الأبنية التراثية على لائحة الترميم، والسؤال الدائم لماذا لم يرممه صاحبه لماذا يتركه بهذا الشكل المحزن؟

من هو صاحبه في الأساس؟

لا بدّ أن للمنزل قصته وروايته التي لا تزال مخفية أو شحيحة، أو لا أحد يقصّها ويرويها بشكل مسهب... أيضاً ثمّة سرّ حول عدم وصول وحوش المقاولات إلى هذا البيت...


المتداول هندسياً وجمالياً حتى الآن عن ذلك المنزل، أنه من الأبنية القديمة التي بنيت في مطلع القرن العشرين، يتألف من طابقين وطابق أرضي. المميز فيه أنه مبني على الطراز التوسكاني ولا يشبه المنازل اللبنانية التقليدية. مدخله درجتان كبيرتان تحضنان مغارة حجرية داكنة اللون تشبه تلك التي تصمم كمغارة في الميلاد، تصميمه الداخلي على الأسلوب التقليدي باعتماد البهو المركزي والشرفات المزينة بالأعمدة والقناطر الرخامية المزخرفة... فيما ترتفع على سقفه رسوم من الجص ملونة بالأزرق، أما الأرضية فمن الرخام.

والمنزل الذي صار محط أنظار "جمعية تراث بيروت" والفضوليين والمهتمين بالأبنية التراثية والقديمة، صورته انعام خالد وميراي صادق وغيرهما، تظهر الصور تصدّعه من الداخل، يتضمن مجموعة كراكيب منزلية من حطام أثاث(كنبيات، وكراس) وخشب وعدة عمل(عربة، ومكنسة، ومفك) وأغراض كثيرة جمعت فوق بعضها في أكثر من زاوية، وفي داره مجموعة أشجار...

وبات الحديث عمن يمتلك المنزل أشبه بحزورة، ويوم قيل إنه للشاعرالغنائي بشارة الخوري الملقب بـ"الأخطل الصغير" (1885- 1968)، سارعت بعض الأقلام الصحافية والإعلامية إلى المطالبة بتحويله متحفاً والمحافظة عليه إلى جانب منزل المطربة فيروز في زقاق البلاط، وكُتبت مقالات في هذا الشأن، وسرعان ما حُذفت، إذ تبين أن بشارة الخوري (الشاعر) لم يكن يسكن في هذا المكان، فالمعروف أن بيته كان في منطقة الدورة ولا يشبه هذا البناء أبدا وقد أزيل وشيّدت مكانه بناية عالية...

يؤكد المعمّرون من أهل المنطقة أن منزل الضناوي هو لتاجر مصري اسمه بشارة الخوري أيضاً، أتى إلى بيروت وعمّر هذا القصر، وقيل إنه هاجر، وقيل أن وريثته تقيم اليوم في أميركا...


(*) الصور لـ: إنعام خالد

(1) مقالة أولى من سلسلة مقالات عن بيوت وأمكنة مهجورة في بيروت.





تعليقات: