ربط السحوبات بسعر الصرف الرسمي: محاولة خبيثة لضرب الودائع

الودائع محدّدة بعملتها الأساسية وليس بسعر الصرف الرسمي (مصطفى جمال الدين)
الودائع محدّدة بعملتها الأساسية وليس بسعر الصرف الرسمي (مصطفى جمال الدين)


يترقّب المودعون إقرار قانون موازنة 2024 وفق سعر صرف موحّد للدولار، ليتم على أساسه تحديد سعر صرف الدولار المصرفي. ويبني المودعون آمالهم على إشارات سبق لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أن أطلقها، وربط فيها بين قانون الموازنة وسعر صرف الدولار المصرفي.

الربط بين الأمرين جرى من قبل منصوري، على الرغم من تجنّب وزارة المال التطرّق في مشروع موازنة 2024 إلى مسألة تحديد سعر الصرف الرسمي. فالموازنة لم تأت على ذكر سعر صرف السحوبات المصرفية من دولارات الودائع. غير أن منصوري أعلن أمام زواره أكثر من مرة، أنه يترّقب استبدال سعر صرف السحوبات المصرفية من 15 ألف ليرة بالسعر المعتمد في الموازنة، والمرجّح أن يكون 89500 ليرة، وذلك على الرغم من اعتراض لجنة المال والموازنة على مسألة الربط بين الأمرين.

ويبقى السؤال، هل سيكون سعر الصرف المعتمد في الموازنة هو السعر المعتمد في كافة التعاملات بما فيها الدولار المصرفي؟ وهل يصب ذلك في صالح المودعين؟


لا علاقة للموازنة بالدولار المصرفي

وحسب المعلومات، فقد أعدّ رئيس لجنة المال والموازنة، النائب ابراهيم كنعان، دراسة حول مسألة سعر الصرف، خلص فيها إلى انه ليس من واجب الموازنة تحديد سعر صرف الدولار ولا علاقة لها بالأمر، مع الإشارة إلى ضرورة اعتمادها سعر صرف رسمي موحّد.

وقد وصفت عضو لجنة المال والموازنة، النائبة غادة أيوب، مسألة ربط سعر صرف الموازنة بدولار السحوبات المصرفية بـ"المفهوم الخاطئ" فالموازنة هي برنامج عمل الحكومة لسنة مقبلة وهي إجراء إداري بحت، لا علاقة لها بسعر الصرف بالمصارف أبداً. ولفتت أيوب في حديثها إلى "المدن"، إلى أن مسألة طرح الموضوع غير منطقي وغير سليم. كما أن مسألة الربط الذي يحصل مخالف للقانون، وهو تنصل من المسؤوليات. واصفة إياه بالأمر المشبوه.

من جهتها، الخبيرة القانونية المتخصصة في الشأن المصرفي سابين الكيك، رأت أنه من الخُبث أن ينتظر منصوري الموازنة لتحديد سعر صرف السحوبات المصرفية: "فما علاقة منصوري بالموازنة"؟ الموازنة توضع لتلتزم بها الدولة والمصارف والمصرف المركزي والميزانيات وغيرها، ولا توضع للمودعين. وتسأل الكيك "ما الذي يمنع مصرف لبنان من تعديل التعميم 151 وتحديد السعر الحقيقي لدولار السحوبات المصرفية؟ وهل عندما وضع الحاكم السابق رياض سلامة هذا التعميم كان سعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة؟ بالطبع لا. فقد كان 1500 ليرة. ما يعني أن السعر لم يكن رسمياً. إذاً لماذا يحاولون اليوم ربط الودائع بالسعر الرسمي؟ ومن قال أن الودائع يجب أن يكون لها سعر صرف؟ وتخلص الكيك في حديثها إلى "المدن" بالقول: إن ما يفعله منصوري اليوم أسوأ مما فعله سلامة سابقاً.

وتوضح الكيك، بأن ربط الودائع بالسعر الرسمي بموجب قانون الموازنة هو ضرب كبير لحق المودعين: "من المرفوض رد الودائع بالسعر الرسمي للصرف، ومن المرفوض إعطاء الودائع إطار قانوني غير واقعي. فالودائع هي بالعملة الأجنبية، ولا يجب أن تُرد إلا بالعملة الأجنبية أو بسعر الصرف الحقيقي بالسوق وليس الرسمي".


إلتفاف منصوري

لجنة المال والموازنة لم تلمح ولم تربط مسألة سعر الصرف المعمول به بالموازنة بالدولار المصرفي. لا بل أكثر من ذلك رفضت ما حاول منصوري تمريره بشأن سعر الصرف.

وعندما استضافت لجنة المال منصوري في إحدى جلساتها، ألمح الحاكم بالإنابة حينها إلى أن اعتماد سعر صرف موحد في الموازنة سيرتب عليه التوقف عن اعتماد سعر اللولار 15 ألف ليرة. وبالتالي، يجب صدور قانون الكابيتال كونترول لضبط حجم السحوبات، لأن لا قدرة للمصارف على تأمين السحوبات لكافة المودعين على 89500 ليرة أو أي سعر آخر. من هنا اشترط الكابيتال كونترول لتنظيم عملية السحوبات وفق سعر الصرف الموحد.

لكن لجنة المال لم ترضَ حينها بزجّ الموازنة في مسألة تحديد سعر الصرف الرسمي، "فالموازنة ليس مهمتها تحديد سعر الصرف، ولا يجب ربط سعر صرف المعتمد في المصارف بالموازنة". وتقول أيوب: فلتحدد وزارة المال السعر الموحد المعتمد في الموازنة، ويقوم مصرف لبنان بدوره في تحديد سعر السحوبات المصرفية بناء على المنصة الموعودة، التي لم يعد مصرف لبنان يأتي على ذكرها.

وتشرح أيوب كيفية تعاطي لجنة المال مع مسألة سعر الصرف الموحد، "فاللجنة اعترضت على ورود عدة مواد في الموازنة تعتمد سعر صرف بشكل مختلف فيما بينها. لذلك طلبت اللجنة بناء على الموازنة، توحيد كيفية تحديد سعر الصرف في مواد الموازنة. بمعنى أن هناك مواد تذكر بأن سعر الصرف وفق ما يحدده مصرف لبنان، ومواد أخرى تذكر بأن سعر الصرف وفق المنصة المعتمدة، وغيرها من التعابير. من هنا لا بد من توحيد المعيار كتسعير لكل الموازنة.

إذاً، المسألة ترتبط بتوحيد سعر الصرف للموازنة، ولا علاقة لها بسعر صرف السحوبات المصرفية، كما يحاول منصوري أن يرمي بالمسؤولية على الموازنة. وتحذّر الكيك من الظلم اللاحق بالمودعين فيما لو تم ربط الودائع بالسعر الرسمي للصرف.

وإذ تؤكد الكيك أنها مع تطبيق سعر الصرف الجديد، في حال حصل، لأنه لمصلحة المودعين "مؤقتاً"، مع عدم ربط حقوق المودعين بالموازنة "وبالأساس عندما بدأت أزمة المودعين وانخفض سعر الليرة كانت مسألة ربط الودائع بسعر الصرف الرسمي مسألة مرفوضة كلياً. ومن الخطأ تحديد سعر صرف الودائع إن كان 1500 أو 3900 ليرة أو 8000 ليرة أو 15 ألف ليرة أو حتى 90 ألف ليرة.

فالواقع، إن الودائع هي بالدولار الأميركي، ولا علاقة لها بسعر الصرف الرسمي الذي تعتمده الدولة في حساباتها وموازناتها. أما الودائع فهي بالعملة الاجنبية أو بما يوازيها بالليرة بسعر الصرف الفعلي وليس الرسمي.

في بلد ليس واضحاً فيه طبيعة السياسة النقدية وأفقها، وبالرغم من أن هناك مصلحة آنية وذاتية برفع سعر الدولار المصرفي إلى 89500 ليرة، إلا أنه من المرفوض أن يكون هذا الأمر على حساب القواعد والأصول الواجبة. ما يعني أن تحسين ظروف المودع لا يبرر ضرب حقوقه الأساسية المصانة بالقانون. فالمودعون قد يستفيدون بالمرحلة الأولى لكنهم سيكونون المتضرر الأول عل المدى البعيد.

تعليقات: