لبنان على سكة التفاوض: أرباح الحزب وخسائر معارضيه

أي اتفاق لا بد له أن يفضي إلى تسوية داخلية بما يتلاقى مع مصالح الحزب (حسن ابراهيم)
أي اتفاق لا بد له أن يفضي إلى تسوية داخلية بما يتلاقى مع مصالح الحزب (حسن ابراهيم)


في موازاة النقاش الدولي مع لبنان، لتلافي التصعيد في الجنوب والبحث عن صيغ ديبلوماسية تكرس اتفاقات.. بدأت الكواليس اللبنانية تضج بإمكانية حصول مقايضة ما بين أي اتفاق حول الحدود وإعادة الاستقرار، وبين إعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان.

هناك مخاوف كثيرة لدى العديد من المعارضين لحزب الله من أن تفضي هذه التسويات إلى تكريس معادلته في الداخل رئاسياً وسياسياً، بينما هناك وجهة نظر أخرى لا تزال تعارض هذا المنطق، وتعتبر أنه بعد كل التطورات التي حصلت، فإن الحزب لن يكون قادراً على الاستثمار بالربح السياسي في الداخل. أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن الولايات المتحدة الأميركية قد وصلت إلى قناعة بأنه لم يعد بالإمكان التعاطي مع إيران وفق منطق التنازلات، لأن كل تنازل تحصل عليه طهران وكل مكسب تحققه تذهب إلى المطالبة بالمزيد. وبالتالي، فإن مسألة توسيع الجبهات التي اعتمدتها لا بد أن ترتد عليها سلباً.


قبل غزة وبعدها

على وقع الاختلاف بين وجهات النظر، أصبح لبنان على سكة التفاوض، وسط تماه جديد بين موقف الحكومة اللبنانية وموقف حزب الله. ويبتدى ذلك من خلال اقتراح الحكومة اللبنانية الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي ضمن شكوى ضد الاعتداءات الإسرائيلية. وأهم ما في الرسالة هو الإشارات المتعددة حول إعادة ترتيب أوضاع جبهة الجنوب اللبناني، وتعزيز دور الجيش اللبناني، بالإضافة إلى وضع آلية لمعالجة وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهي خريطة طريق لتعزيز القرار 1701، وبدء البحث بملف إنهاء المشاكل العالقة مع الاحتلال الإسرائيلي ومعالجة النقاط الـ13.

عملياً، تتلاقى هذه الرسالة مع ما يطرحه هوكشتاين، بالإضافة إلى ربط إنهاء النزاع حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بكل هذه الطروحات. لكن السؤال الأساسي هو إذا ما كان الاتفاق سيتحقق قبل وقف الحرب في غزة أم بعدها، الأكيد أن النقاش بدأ. بالنظر إلى غزة، فمن الواضح أن الإسرائيليين ماضون في عمليتهم العسكرية من دون أي تراجع. وهذا سيضع طهران أمام احتمال من اثنين. إما مواصلة العمليات العسكرية لمنع تحقيق ذلك، فيما لا يبدو أن طهران مستعدة لفتح حرب واسعة. والاحتمال الثاني هو خيار التفاوض على ملفات مختلفة بالمنطقة، بغض النظر عن مصير غزة.


لجم إيران؟

في هذا السياق، جاء العرض الأميركي إلى إيران بالتفاوض على تسوية حول ملفات المنطقة المختلفة. هنا أدرات إيران العملية بطريقة متقدمة، سواءً من جبهة جنوب لبنان أو البحر الأحمر، مروراً بعمليات الفصائل العراقية ضد أهداف أميركية، وصولاً إلى التلويح العراقي بمطالبة الأميركيين بالخروج من العراق.

وتسعى طهران من وراء ذلك إلى استدراج التفاوض الأميركي وفق القواعد السابقة. وهي تريد تكريس دورها والاعتراف بنفوذها في البحر المتوسط، والبحر الأحمر، بالإضافة إلى تكريس نفوذها البرّي والسياسي في سوريا، العراق، لبنان واليمن.

أمام هذه النظرة، يستمر النقاش بوجهة نظر أخرى، تفيد بأن الأميركيين سيكونون مجبرين على تغيير آلية التعاطي مع طهران، من خلال إعادة ضبط كل حلفائها في المنطقة وعدم منحها الانتصار الذي تريده، على قاعدة أن ما قام به الحوثيون في البحر الأحمر هو تجاوز للخطوط الحمر. وبالتالي، لا يمكن التساهل مع إيران. لكن لا مؤشرات على واقعية هذه الوجهة النظر، على الرغم من اعتقاد الكثيرين بأن تداعيات الحرب في غزة، وتأثير إيران وحلفائها في المنطقة، أفضت إلى قناعة أميركية بضرورة لجمهم إما بالتصعيد وإما بالتفاوض. ولذلك يعتبر هؤلاء أنه من الصعب جداً التفكير في أن ما بعد حرب غزة يمكن أن تنعكس ربحاً صافياً لحزب الله على المستوى السياسي. لأن الجانب الأساسي الذي ستنطوي عليه مفاوضات الترسيم هو تجزئة الساحات، وبالتالي، تفكيك مفهوم وحدة الجبهات وفصل المسارات عن بعضها.


وظيفة السلاح ومستقبله

أما لبنانياً، فإن مسار التفاوض سيكون على مراحل متعددة، فبعد حرب العام 2006، سارع بعض اللبنانيين نحو النقاش السياسي ووظيفة سلاح الحزب بموجب القرار 1701. الآن وقبل الدخول في الحديث عن حسابات الربح والخسارة في السياسة الداخلية، فإن ما بعد هذه المواجهات سيتجدد النقاش حول وظيفة سلاح الحزب. وهذا النقاش هو الذي سيلعب دوراً في كل المواضيع الأخرى، خصوصاً أن فتح النقاش هدفه إعاقة أي تسوية تصب في صالح الحزب أو محاولة لإفشال أي تسوية.

في حال حصل الاتفاق الذي يعمل عليه هوكشتاين حول معالجة وضع الحدود الجنوبية، وربطه بإنجاز تسوية سياسية ورئاسية، سيكون الحزب قد تقاطع مع جملة مطالب أميركية وأوروبية. ولكن ذلك لن يحدث من دون حصول الحزب على ضمانات متعددة. وجزء من هذه الضمانات سيكون داخلياً. علماً أنه كان قد استبق الحزب كل هذه التطورات بالحديث عن ضمانة رئيس لا يطعن المقاومة في الظهر، وكذلك تكوين سلطة توفر الضمانات التي يحتاجها. وبالتالي، فإن أي اتفاق لا بد له أن يفضي إلى تسوية داخلية، تبدأ بانتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، بما يتلاقى مع مصالح الحزب، ربطاً بوضع خطة اقتصادية وكيفية إعادة ترتيب الوضع المالي. أما في حال الوصول إلى اللحظة الجدية وطرح استراتيجية دفاعية، فإنها ستقتضي دمج حزب الله كلواء مقاومة في الجيش اللبناني.

كل هذه الأفكار مطروحة ومتداولة، لكنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من النقاش والترتيبات.

تعليقات: